العنف يلاحق أطفال العراق حتى المدرسة

09 ديسمبر 2014
لم ينجح العراق في القضاء على العنف(أحمد الرباي/فرانس برس)
+ الخط -
حتى اليوم، فشل العراق في القضاء على ظاهرة العنف المعنوي والجسدي في المدارس بشكل تام. تختلف نسب القضاء عليها بين المتخصصين والعاملين في الحقل التربوي. لكن يبدو أن بعض المدارس تعمد إلى التستر على أساتذتها، من خلال إنكار حوادث الضرب على سبيل المثال، أو عدم رفع الشكاوى إلى الجهات المعنية. وعادة ما يلجأ التلاميذ المعنّفون إلى ترك المدارس، ما يزيد من نسبة التسرب المدرسي.

كل يوم ثلاثاء، تدّعي رؤى زياد، وهي في الصف الرابع الابتدائي، المرض، حتى لا تذهب إلى المدرسة. تصف حصة التاريخ بـ"المميتة". تقول لـ"العربي الجديد" إن "معلمتي تضربني من دون سبب، وبلا رحمة". من جهته، يؤكد والد رؤى أنه اكتشف الأمر حين لاحظ وجود آثار أصابع على وجه ابنته، "ما أثار غضبي. في اليوم التالي، قصدت المدرسة لأسأل عن السبب، إلا أن المعلّمة أنكرت فعلتها". يضيف: "صرت أخشى أن تكره ابنتي المدرسة"، منتقداً عدم قيام الإرشاد التربوي والمسؤولين في وزارة التربية بدورهم في هذا الإطار.

أما لؤي رشيد (13 عاماً)، وهو في الصف الثاني متوسط، فيقول إنه بات يكره مادة الرياضيات؛ لأن الأستاذ اعتاد ضربه. يضيف لـ"العربي الجديد": "في السابق، كنت أحب هذه المادة. لكن في أحد الأيام، حضرت إلى الصف من دون أن أكون قد راجعت الدرس جيداً. ولأنني لم أعرف إجابة بعض الأسئلة، ضربني الأستاذ، ونعتني بكلمات نابية".

واحد في المائة

في السياق، يؤكد المتحدث باسم وزارة التربية سلامة عبد الحسن لـ"العربي الجديد" أن الوزارة لم تسجل أية حالة عنف خلال العامين الماضيين، مبيناً أن تعليمات الوزارة واضحة في هذا الإطار، وهي منع الضرب، أو توجيه كلمات نابية إلى التلاميذ لأي سبب كان، علماً أن عدم الالتزام قد يعرض الأستاذ لعقوبات شديدة تصل إلى الفصل.

بعكس الوزارة، يؤكد متخصصون في المؤسسة التربوية وجود حالات عنف، لكن بشكل متفاوت، ومن دون أن يتم الإعلان عنها. ويقول أحد المشرفين التربويين، الذي رفض الكشف عن اسمه، لـ"العربي الجديد": "انحسرت هذه الظاهرة، وباتت نسبتها لا تتعدى الـ1 في المائة. وقد ساهمت العقوبات في الردع. إلا أنها لم تقض عليها بشكل نهائي. لذلك، حين نسجل أية حادثة، نستدعي الأستاذ ونحيله إلى التحقيق، وقد تصل العقوبات إلى الفصل أحياناً".

أما الخبير في الشؤون النفسية والاجتماعية، أصيل البياتي، فيوضح لـ"العربي الجديد" أن "سبب لجوء بعض الأساتذة إلى الضرب مرده إلى رغبتهم في فرض هيبتهم وترهيب التلاميذ"، لافتاً إلى أن ذلك مرتبط "بضعف شخصية الأستاذ". يلفت إلى أن آخرين "يلجؤون للضرب بسبب معاناة شخصية"، مضيفاً أن "العنف الجسدي والمعنوي يؤثر بشكل مباشر على حياة التلاميذ وسلوكهم، ويدفعهم إلى ترك الدراسة، بالتالي زيادة نسبة الأمية في البلاد".

تجدر الإشارة إلى أن لجنة التربية في مجلس النواب تؤكد أن ظاهرة الضرب ما زالت مستمرة في المدارس، متهمة الوزارة وإدارات المدارس بالتستر على هذه الحالات. وكانت عضو اللجنة، ناهده الدايني، أعلنت في وقت سابق أن قانون وزارة التربية يرفض ظاهرة ضرب الأطفال في المدارس، ويعاقب المتورطين، إلا أننا لم نسمع عن حالات فصل أو تنحٍّ من الوظيفة بسبب العنف. وعادة ما لا تتعدى العقوبة كتاب توبيخ وغير ذلك.

تضيف الدايني أن "اللجنة استضافت عدداً من المسؤولين في الوزارة لإطلاعهم على حجم الشكاوى المقدمة من قبل الأهالي في عدد من المحافظات، فأكدوا لنا أن المعالجة ستكون سريعة. إلا أن الواقع يظهر عكس ذلك". وأوضحت أن المديريات وإدارات المدارس لا ترفع شكاوى الأهل والتلاميذ إلى الجهات المعنية. بل على العكس، تعمد إلى التغطية على العاملين وحل المشكلة ودياً بين الطرفين، وهذا يخالف القانون والأعراف التربوية.

اعتراف
لا يتردد بعض الأساتذة في الاعتراف بلجوئهم إلى الضرب. ويقول أحد المدرسين، الذي رفض الكشف عن اسمه، إننا "نلجأ إلى الضرب حين يقوم أحد الطلاب برفع صوته في وجه الأستاذ أو مجادلته أو الاعتداء عليه. في حالات كهذه، الأستاذ مضطر إلى الرد، فإجراءات الإدارة تستغرق أياماً وربما شهوراً، ما يؤثر سلباً على سمعة وشخصية الأستاذ، ويصبح عاجزاً عن السيطرة على الصف".

بدورها، تقول معلمة أخرى، إن فشل أساليب التربية أو التعليم التي توصي بها الوزارة تدفعها إلى استخدام العنف في بعض الأحيان. يبدو أن رقابة الإشراف التربوي ما زالت غير كافية، ولم تؤد بعد إلى إلغاء هذه الظاهرة. لذلك، على الجهات المعنية في الحكومة ومنظمات المجتمع المدني إطلاق حملات توعية، وشرح مساوئ ضرب التلاميذ، بالإضافة إلى تقديم بدائل.
المساهمون