العنف يدمي الكونغو الديمقراطية: تصعيد متبادل بين كابيلا والمعارضة

24 سبتمبر 2016
كانت أعمال العنف متوقعة منذ الأسبوع الماضي (باسكال موليغوا/الأناضول)
+ الخط -

تتواصل أعمال العنف في الكونغو الديمقراطية، وقد اندلعت شرارتها يوم الاثنين الماضي، حاصدة المزيد من الضحايا وعاكسة النفق المسدود الذي آلت إليه البلاد، بسبب حوار الطرشان بين السلطة والمعارضة التي دعت إلى تظاهرات في مختلف أنحاء البلاد، يوم الاثنين المقبل، للمطالبة برحيل الرئيس جوزيف كابيلا، وتوجيه إنذار له قبل ثلاثة أشهر من انتهاء ولايته في 20 ديسمبر/كانون الأول المقبل، والدعوة إلى انتخابات رئاسية، كان من المفترض أن تجري قبل هذا الموعد.

وكان من المتوقع نشوب العنف الذي تشهده البلاد، منذ يوم السبت الماضي، حين أعلن تحالف قوى المعارضة رفضه المشاركة في الأعمال التحضيرية "للحوار الوطني"، الذي دعا إليه وسيط الاتحاد الإفريقي رئيس الوزراء التوغولي السابق إيديم كودجو، من أجل تسهيل إجراء الانتخابات، وكان من المفترض أن تحتضنه العاصمة كينشاسا الثلاثاء الماضي.

وتشتبه المعارضة في كون الوسيط الأفريقي يحاول تأمين ولاية رئاسية ثالثة لكابيلا، كما اتهمته في أواخر شهر يوليو/تموز الماضي "بالانحياز"، مشترطة تعيين وسيطا آخر من قبل الاتحاد الإفريقي للمشاركة في الحوار مع السلطة. فضلاً عن ذلك، باتت المعارضة شبه مقتنعة بأن الأسرة الدولية، وعلى رأسها فرنسا، لا تنوي ممارسة ضغوط كافية وعملية لإثناء كابيلا عن البقاء في الحكم، على الرغم من التحذيرات القوية التي وجّهها أخيراً الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند إلى كابيلا، والتي لم تتجاوز التنديد اللفظي.

تصعيد المعارضة ضد نظام كابيلا واللجوء إلى استراتيجية التظاهر، على الرغم من كلفتها القاتلة، يعود إلى اعتقاد راسخ لدى المعارضين، بأن كابيلا الذي وصل إلى السلطة عام 2001 بعد اغتيال والده لوران ديزيريه كابيلا، لا يعتزم التنحي عن السلطة ولم تصدر عنه أدنى إشارة تدل على أنه سيغادرها في ديسمبر المقبل، موعد انتهاء ولايته الرئاسية الثانية.

والواقع أن المعارضة ضاقت ذرعاً بمناورات كابيلا منذ أشهر عدة لتأجيل الانتخابات الرئاسية، التي كانت مقررة في نوفمبر/تشرين الثاني المقبل. وبحسب الدستور فإن كابيلا ممنوع من الترشح لولاية رئاسية ثالثة، إلا أن الرئيس أسوة بالعديد من رؤساء الدول الإفريقية، مصرّ على البقاء في الحكم ولو تم ذلك على حساب الشرعية الدستورية.



وقد تسنّى لكابيلا أن يعطّل الجدول الزمني للانتخابات، بعد أن أعلنت اللجنة الانتخابية في يونيو/حزيران الماضي، بأنها ستؤجل العملية الانتخابية الرئاسية لأسباب تنظيمية، الأمر الذي أثار غضب المعارضة حينها وقلق الأسرة الدولية. وبدت مناورات كابيلا واضحة للعيان في شهر مايو/أيار الماضي، حين أجازت المحكمة الدستورية لجوزف كابيلا البقاء في منصبه، إذا لم تُجر الانتخابات في موعدها. وتحول هذا السيناريو من احتمال إلى حقيقة، لأن الدستور ينصّ مبدئياً على "الدعوة إلى الانتخابات قبل 90 يوماً من انتهاء ولاية الرئيس"، أي في 19 سبتمبر/أيلول الحالي.

وفي خلفية هذا المشهد السياسي والأمني المتشظّي، تبدو حصيلة كابيلا في الحكم منذ عام 2001 في غاية القتامة سياسياً واقتصادياً واجتماعياً. فقطاع الخدمات العامة شبه منعدم، وغالبية سكان البلاد تعاني من فقر مدقع وتعيش على الزراعة، على الرغم أن البلاد تزخر بموارد هائلة، خصوصاً في قطاع المناجم والمعادن من نحاس وكوبالت وماس وحديد وقصدير، تعود مواردها إلى الشركات الأجنبية وجيوب النخبة الحاكمة التي تدور في فلك كابيلا.

وتكمن المفارقة الكبرى في كون الكونغو الديمقراطية، كانت غداة استقلالها عن بلجيكا عام 1960، ثاني أكبر الدول الصناعية الكبرى في إفريقيا بعد جنوب إفريقيا. لكن الحروب الأهلية التي مزقتها منذ الاستقلال، الذي حازت عليه بفضل الزعيم باتريس لومومبا، أحد أبرز قادة حركة التحرر الإفريقية ضد الاستعمار، دمرت البلاد وأسفرت عن مقتل أكثر من 5 ملايين كونغولي حتى الآن وهوت بها إلى خانة البلدان الافريقية الأكثر فقراً.
وبالإضافة إلى المشاكل الداخلية بدأت الكونغو الديمقراطية تعاني من خطر العنف والفوضى في حدودها الشرقية، بسبب تدفق أعداد كبيرة من اللاجئين من جنوب السودان، ومن بينهم مقاتلون مسلحون من أنصار النائب السابق لرئيس جنوب السودان رياك مشار، الذي اضطر إلى الهرب للكونغو قبل الانتقال إلى السودان. وتشهد المناطق الشرقية من البلاد أيضاً، تواجداً للمتمردين الأوغنديين المناهضين للرئيس يوري موسيفيني، المتهمين بالقيام بأعمال نهب واسعة وارتكاب مجازر ضد المدنيين.

بالتالي، ستكون الأسابيع العتيدة حاسمة بالنسبة لمستقبل الكونغو الديمقراطية، مع استمرار كابيلا في إشهار هراوة القمع الدموي وإصرار المعارضة على اللجوء إلى الشارع، في غياب ضغط دولي حاسم لإجبار كابيلا على التراجع عن الاستئثار بالسلطة وإرغامه على تنظيم انتخابات نزيهة تحت إشراف دولي.



المساهمون