بالرغم من أن أرقام ما يطلق عليه "جرائم قتل الشرف" في تراجع، إلا أن ممارسات بعينها، كالإجبار على الزواج في سن مبكرة، أو رفض تدخل وسطاء اجتماعيين للحوار بين جيلي الأبناء والآباء، وبين الأزواج أحيانا، وبروز حالات طلاق بين الأزواج القادمين حديثا كلاجئين، واستقبال ملاجئ نسوية لعدد من المعنفات، فإن تجمعات الجاليات في أوروبا تجد نفسها في كثير من الأوقات تدفع أثمان الأعمال الفردية، على شكل تشديد القوانين والمواقف الحزبية المتعصبة وإثارة الرأي العام ضد ثقافة ودين معينين، ما يضع الناس في ما يشبه الدوران في حلقة مفرغة.
ففي بريطانيا ورغم أن إجمالي عدد حالات زواج القصر المسجلة انخفض في عام 2017 بنسبة 19 في المائة عن العام السابق، قال المسؤولون إن الانخفاض ليس في معدل انتشار الزواج القسري، بحسب ما أورد تقرير لصحيفة "ذا غارديان". وتظهر الإحصاءات أن 1200 حالة زواج قسري محتملة، تم رفعها إلى خدمة متخصصة في العام الماضي في المملكة المتحدة.
وفي حين أن غالبية (78٪) من التقارير التي تم تسجيلها في عام 2017 تتعلق بضحايا من الإناث، فإن 256 أو 21٪ ، شملت ضحايا ذكورا ممن يجبرون على الزواج المبكر والقسري. وشددت "وحدة الزواج القسري" على أن الزواج القسري لا يمثل مشكلة خاصة ببلد أو ثقافة واحدة، مشيرة إلى أن الوحدة تعاملت مع أكثر من 90 دولة في آسيا والشرق الأوسط وأفريقيا وأوروبا وأميركا الشمالية.
الدول الأربع التي شهدت أكبر عدد من حالات الزواج القسري في العام الماضي كانت باكستان (439 حالة) ، وبنغلاديش (129) ، والصومال (91) ، والهند (82). وهناك 120 حالة فعلية أو محتملة من الزواج القسري حدثت في المملكة المتحدة وغاب عنها عنصر السفر خارج البلاد.
وفي هذا الشأن قالت متحدثة باسم الجمعية الخيرية للأطفال (NSPCC) إن الأرقام تعكس التقارير الواردة إلى خط الأطفال (Childline)، أن" أطفالا لا تتجاوز أعمارهم 13 عامًا، يخشون من أن يُجبروا على الزواج، ويخافون أن يعزلوا عن مجتمعاتهم إذا رفضوا ذلك".
وفي القوانين البريطانية يعتبر إن إجبار أي شخص على الزواج ضد إرادته جريمة جنائية يحكم على مرتكبها بالسجن لمدة أقصاها سبع سنوات. ويُعرَّف الزواج القسري بأنه الزواج الذي لا يوافق فيه أحد الزوجين أو كلاهما على الارتباط، ويتضمن العنف أو التهديد أو أي شكل آخر من أشكال الإكراه.
التحكم الاجتماعي سبب إضافي للعنف
يعتبر الطبيب النفساني الدنماركي نيلز سورنسن في حديثه لـ"العربي الجديد" أن "الزواج القسري، أو الخشية منه ورفضه، أحد أهم أسباب العنف التي نشهدها في مجتمعات المهاجرين". وبالنسبة للخبيرة الاجتماعية دورته نيسلن فإن الجرائم المصنفة بين الدنماركيين كجرائم "غيرة"، حيث يقتل الشريك الحالي أو السابق شريكته، والمقدرة سنويا بين 6 إلى 7 حالات، "لا يجري تصنيفها على أنها جرائم شرف لأسباب تتعلق بارتباط ما يقوم به بعض ذكور مجتمعات مهاجرة بالتقاليد والثقافة وأحيانا ربطا بالدين، رغم وجود مسيحيات عراقيات وقعن ضحية ذلك، مما يعني أنه ليس دائما مرتبطا بالإسلام".
ويعود كل بضع سنين التركيز على "عنف الشرف" بين مجتمعات الهجرة، وخصوصا حين يكون ترتيبا أسريا لارتكاب الجريمة، وهو ما حدث في بعض المناسبات مع أسر من تركيا وباكستان. ومؤخرا أعادت في الدنمارك محاولة أب عراقي قتل ابنته في الثامن من يناير/كانون الثاني الحالي، تسليط الضوء على هذه القضية.
ورغم نجاة شابة عراقية، 21 سنة، من محاولة والدها خنقها وطعنها حتى الموت، أمام والدتها التي جرحت وهي تحاول إنقاذ ابنتها، إلا أنه لم تبق صحيفة أو وسيلة إعلام ووسائط تواصل لم تتطرق مجددا إلى تصنيف القضية في خانة ذلك العنف والعنف الأسري للتحكم الاجتماعي، رغم أن الأخ نفى أنها "جريمة شرف" وإنما تتعلق بتفكير الأب وإيمانه بفكرة جاهلية عن "وأد البنات". وخصوصا ورود تفاصيل نقل 30 وحدة دم للشابة وإنقاذها بأعجوبة، وخروج أخيها الأصغر، 20 سنة، للحديث عن مشاكل أسرته منذ الصغر، ومحاولة أبيه إجبارها على الزواج، وتسفيرهم قبل سنوات إلى إيران والعراق وعزلهم 7 أشهر بحجة "إعادة التربية"، دون أب وأم، وهي الظاهرة التي تثير سخطا اجتماعيا وسياسيا، إلى جانب التسفير بقصد التزويج في بلد الأهل، بسبب تكررها في الدنمارك ودول إسكندنافية أخرى.
بمثل هذه الحادثة، غير المحصورة بالطبع في الدنمارك، فمثلها في السويد والنرويج وهولندا وفرنسا وبريطانيا وغيرها في القارة الأوروبية، مترافقة مع تهويل إعلامي يتم وضع الجميع في سلة التفسير الواحد الأسهل، في زمن جنون الشعبوية، باعتبار القضية ثقافية ودينية لا يمكن تغييرها.
التحكم المضاد
منذ سنوات طويلة غيرت بعض الدول من قوانين لم الشمل، ومن بينها الدنمارك، في محاولة الحد من تزويج القصر. ففي حين كان يسمح لمن بلغوا الثامنة عشرة بلم شمل الأزواج بات القانون يفرض سن 24 سنة، ووضع مبالغ مالية كتأمين في البنك قبل منح الإقامة للزوج القادم من الخارج. ورغم ذلك، يبدو أن زيادة أعداد من يجري دفعهم نحو الزواج المبكر تتم داخل تلك الدول، وبينها الدنمارك والسويد وألمانيا.
وفي تعقيب على محاولة قتل الشابة على يد أبيها، لرفضها الزواج ممن اختاره لها، يذكر الطبيب النفساني بيارنه غرامستروب لـ"العربي الجديد" أن "فجوة كبيرة بين الأبناء والآباء لا ينتبه لها بعض المهاجرين الأوائل في مسألة تغير العادات حتى في الدول الأصلية، فيبقى التركيز على مسألة كيف ينظر الأقارب والمحيط لتربيتهم كمحرك لما يطلق عليه محاولة السيطرة على خيارات الأبناء".
قابل غرامستروب بحكم وظيفته بعض الأهالي الذين وجدوا أنفسهم في ورطة نتائج "فرض السيطرة والتحكم، وتلك تدفع بالمراهقين لترك الأسرة والهرب، ما يفاقم الأزمة، وبدل تشجيعهم على استكمال الدراسة، ومحاورتهم حول مستقبلهم وتفهم رغباتهم، يجري تزويجهم، وسرعان ما يتحطم الزواج ويحدث طلاق ويصل الطرفان إلى طريق مسدود".
وخلال السنوات القليلة الماضية جرى تصنيف بعض عمليات قتل النساء من لاجئات عربيات وكرديات على أنها "قتل شرف"، ما زاد أيضا السجال بشأن المشاكل الزوجية والأسرية، وخصوصا حين يكون الأطفال ضحايا ذلك العنف بقتلهم، كما جرى مع أم وطفليها وهروب الزوج عبر ألمانيا.