29 سبتمبر 2017
العنصرية الهشّة في لبنان
لن أسمّي التصريحات العنصرية التي نقرأها، بين الفينة والأخرى، في لبنان بشأن السوريين، ومن قبلهم تجاه الفلسطينيين، عنصرية لبنانية، لأن في هذه التسمية ظلماً لقطاعاتٍ من الشعب اللبناني، تقف، مثلما يقف من تستهدفهم العنصرية ضد مطلقي هذه التصريحات، لا بل يواجهونها بكل ما في وعيهم من إنسانية ووضوح. هناك في لبنان مسؤولون من أصحاب السلطة والقرار عنصريون، ولا ينكرون عنصريتهم، وتفضحهم تصريحاتهم وخطاباتهم، إن كانت مبرمجة أو عفوية. ولكن، هل العنصرية في لبنان مبنيةً على معتقدات أيديولوجية وفكرية، أم أنها تعكس مخاوف لدى هؤلاء على مصالحهم ومصالح الطبقة السياسية التي يمثلونها، ومصالح الطوائف التي هي جزء من وعيهم السياسي والاجتماعي، أم هي مكون أساس من مكونات بناهم السيكولوجية؟
لطالما تعرّضت فئات اجتماعية غير لبنانية كثيرة، وجدت في لبنان لأسباب مختلفة في مراحل تاريخية مختلفة، إلى هجومات ورفض قاطع لوجودهم في لبنان من سياسيين لبنانيين، ولطالما لاحظنا تعبيراتٍ شتّى على المستويين، الشعبي والرسمي، يمكن وصفها بالعنصرية تجاه تلك الفئات التي يحس اللبنانيون أنها تشكل خطراً ما مجهولاً أحياناً على شعورهم الزائف بالوحدة الاجتماعية، أو الأمن الاجتماعي. ربما كان الفلسطينيون ككتلة اجتماعية كبيرة أول فئة اجتماعية دهمت ذلك الشعور الزائف بالوحدة الاجتماعية في لبنان، على أثر نكبة فلسطين عام 1948. وكان لبنان الذي حصل على استقلاله قبل ذلك بخمس سنوات عن الانتداب الفرنسي قد بني على أساس طائفي، وتوزعت فيه مراكز النفوذ السياسية بين الطوائف والمذاهب، ما جعل إمكانية الوحدة الاجتماعية الطامحة إلى الاستقرار وهماً، سرعان ما ينهار في اللحظة التي تشعر طائفة ما بخطر وجودي من أي خلل بميزان القوى، يؤثر فيه وجود عامل خارجي، ظُن أنه طارئ ليتبين أن العوامل السياسية الإقليمية والدولية ستثبته فترة غير معلومة.
استقبل اللبنانيون جميعاً، بمن فيهم من هم الأكثر شعوراً بالبارانويا ورهاب الآخر الفلسطينيين بترحاب ومحبة، في بداية لجوء هؤلاء إلى لبنان، كما استقبلتهم بقية الطوائف. ولكن الزمن وتطوراته السياسية المحلية والإقليمية والدولية ساهم في تبديد هذا التعاطف والمحبة، وصار الفلسطينيون يمثلون خطراً على البنية الطائفية الهشّة، خصوصاً مع تطور الحالة الفلسطينية من مجتمع لجوء إلى مجتمع مسلح، يحمل رؤية سياسية لها امتدادها في لبنان والمنطقة والعالم، ما زعزع تلك الطمأنينة، ورمى المشاعر الإنسانية إلى هاوية الريبة والخوف من انحيازات الفلسطينيين، بكل ما يحملونه من إمكانات بالعدد والقوة السياسية والعسكرية إلى مواقع قد تحدث خللاً واضحاً في تلك البنية القائمة على أسس واهية وهشة.
الخوف من تخلخل البنية الهشّة والرغبة في الحفاظ على إرث الاستعمار الفرنسي ووهم التفوق الطائفي المتماهي ثقافياً معه وراء انطلاق المفاهيم والرؤى السياسية العنصرية في لبنان ضد الفلسطينيين، ومن ثم السوريين، وليس الأيديولوجية العنصرية التي تحتاج إلى اعتبارها أيديولوجية، كما الأيديولوجية العنصرية النازية مثلاً إلى نظرية ذات أقدام راسخة، لتأكيد النقاء العرقي والاصطفاء القومي، أو مثل الأيديولوجية الصهيونية التي تستند إلى مرجعياتٍ لاهوتية، مستندة بدورها إلى انغلاق ديني، ومقولات مستقاة من الكتب المقدسة حول الاختيارية الإلهية لأتباع اليهودية.
وإذا كانت تصريحات سياسيين لبنانيين موارنة، اليوم أو بالأمس، تفوح منها رائحة العنصرية تجاه السوريين، بسبب عدد اللاجئين منهم إلى لبنان، أو الفلسطينيين في الماضي تبدو واضحةً، ومستفزة بوقاحتها، فهناك، في الواقع اللبناني، تصريحات مواربة، يمكن وصفها بالعنصرية في الوقت نفسه، فثمة سياسيون شيعة يتحفون اللبنانيين يومياً بالاصطفاء المذهبي، وبوصف طائفتهم بأشرف الناس، لا يبتعدون، في التحليل النهائي لتلك التصريحات، عن الاستعلائية العنصرية في النظرة إلى بقية مكوّنات المجتمع اللبناني، والعناصر الأخرى الطارئة نتيجة اللجوء أو التمايز الطائفي.
لطالما تعرّضت فئات اجتماعية غير لبنانية كثيرة، وجدت في لبنان لأسباب مختلفة في مراحل تاريخية مختلفة، إلى هجومات ورفض قاطع لوجودهم في لبنان من سياسيين لبنانيين، ولطالما لاحظنا تعبيراتٍ شتّى على المستويين، الشعبي والرسمي، يمكن وصفها بالعنصرية تجاه تلك الفئات التي يحس اللبنانيون أنها تشكل خطراً ما مجهولاً أحياناً على شعورهم الزائف بالوحدة الاجتماعية، أو الأمن الاجتماعي. ربما كان الفلسطينيون ككتلة اجتماعية كبيرة أول فئة اجتماعية دهمت ذلك الشعور الزائف بالوحدة الاجتماعية في لبنان، على أثر نكبة فلسطين عام 1948. وكان لبنان الذي حصل على استقلاله قبل ذلك بخمس سنوات عن الانتداب الفرنسي قد بني على أساس طائفي، وتوزعت فيه مراكز النفوذ السياسية بين الطوائف والمذاهب، ما جعل إمكانية الوحدة الاجتماعية الطامحة إلى الاستقرار وهماً، سرعان ما ينهار في اللحظة التي تشعر طائفة ما بخطر وجودي من أي خلل بميزان القوى، يؤثر فيه وجود عامل خارجي، ظُن أنه طارئ ليتبين أن العوامل السياسية الإقليمية والدولية ستثبته فترة غير معلومة.
استقبل اللبنانيون جميعاً، بمن فيهم من هم الأكثر شعوراً بالبارانويا ورهاب الآخر الفلسطينيين بترحاب ومحبة، في بداية لجوء هؤلاء إلى لبنان، كما استقبلتهم بقية الطوائف. ولكن الزمن وتطوراته السياسية المحلية والإقليمية والدولية ساهم في تبديد هذا التعاطف والمحبة، وصار الفلسطينيون يمثلون خطراً على البنية الطائفية الهشّة، خصوصاً مع تطور الحالة الفلسطينية من مجتمع لجوء إلى مجتمع مسلح، يحمل رؤية سياسية لها امتدادها في لبنان والمنطقة والعالم، ما زعزع تلك الطمأنينة، ورمى المشاعر الإنسانية إلى هاوية الريبة والخوف من انحيازات الفلسطينيين، بكل ما يحملونه من إمكانات بالعدد والقوة السياسية والعسكرية إلى مواقع قد تحدث خللاً واضحاً في تلك البنية القائمة على أسس واهية وهشة.
الخوف من تخلخل البنية الهشّة والرغبة في الحفاظ على إرث الاستعمار الفرنسي ووهم التفوق الطائفي المتماهي ثقافياً معه وراء انطلاق المفاهيم والرؤى السياسية العنصرية في لبنان ضد الفلسطينيين، ومن ثم السوريين، وليس الأيديولوجية العنصرية التي تحتاج إلى اعتبارها أيديولوجية، كما الأيديولوجية العنصرية النازية مثلاً إلى نظرية ذات أقدام راسخة، لتأكيد النقاء العرقي والاصطفاء القومي، أو مثل الأيديولوجية الصهيونية التي تستند إلى مرجعياتٍ لاهوتية، مستندة بدورها إلى انغلاق ديني، ومقولات مستقاة من الكتب المقدسة حول الاختيارية الإلهية لأتباع اليهودية.
وإذا كانت تصريحات سياسيين لبنانيين موارنة، اليوم أو بالأمس، تفوح منها رائحة العنصرية تجاه السوريين، بسبب عدد اللاجئين منهم إلى لبنان، أو الفلسطينيين في الماضي تبدو واضحةً، ومستفزة بوقاحتها، فهناك، في الواقع اللبناني، تصريحات مواربة، يمكن وصفها بالعنصرية في الوقت نفسه، فثمة سياسيون شيعة يتحفون اللبنانيين يومياً بالاصطفاء المذهبي، وبوصف طائفتهم بأشرف الناس، لا يبتعدون، في التحليل النهائي لتلك التصريحات، عن الاستعلائية العنصرية في النظرة إلى بقية مكوّنات المجتمع اللبناني، والعناصر الأخرى الطارئة نتيجة اللجوء أو التمايز الطائفي.