العمى السياسي

28 سبتمبر 2015
مأساة اللاجئين تشغل التونسيين (آرباد كوركوز/الأناضول)
+ الخط -
ثمة شيء ما تغير في الساحة التونسية السياسية، ودفع نخبها، بشكل مفاجئ، إلى الانغماس في المشاكل الداخلية. لم يكن هذا حالها منذ بضعة أشهر، فقد كان الموضوع الفلسطيني مثلاً سيد المسائل وأم القضايا. ولم يكن التونسيون وقادة أحزابهم يضيعون فتاتاً مما يحدث في الأرض المغتصبة، غير أن الأقصى كان يعاني ولم ينبس زعيم ببنت شفة، عدا بعض البيانات المتأخرة جداً لحفظ ماء الوجه الحزبيّ وتسجيل نقطة سياسية بسرعة شديدة. وكان هذا هو حالنا أيضاً مع المأساة السورية... صمت غريب وغياب لأي موقف أو حركة تضامن أو حتى بيان يشير إلى أن الساحة التونسية بخير، وأنها لا تزال حيّة، باستثناء ما ندر منها.

وعندما سألت أحد زعماء المعارضة، الذين التقيتهم منذ أيام، هل من الطبيعي أن تقفوا في موقف المتفرج على مأساة لاجئينا، في حين أن التونسي البسيط يتألم وينتظر أي مبادرة للتعبير عن أخوّته تجاه اللاجئ السوري، أومأ أن هذا صحيح وأن المشاكل الداخلية سيطرت على كل شيء، وأن الرهانات المحلية حجبت عنا الرؤيا.

ولكنّه في رأيي ليس مجرد حجب للرؤيا، إنه العمى السياسي بكل تفاصيله، يفصل بين نبض الناس وآلامهم وبين قادتهم وزعمائهم، ويجعلهم معزولين عن مشاكلهم، بالرغم من أن المهمة الأولى والمصلحة الحزبية الكبرى هي التعبير عن الناس واقتناص أفكارهم، بما يجعل من الآلة الحزبية ناطقاً باسم الناس، ما يحملهم إلى انتخابه ذات يوم، لأن الناس في بيوتهم لا ينسون أبداً.
ولو سألت مؤسسات الاستبيان التونسيين اليوم عن أكثر ما يشغلهم، لجاءت مشاكلهم الداخلية بالتأكيد بعد مأساة اللاجئين بمراتب، فقد شغل التعامل الأوروبي المريع مع إخواننا على الحدود المجرية كل صفحات التواصل التونسية، وفي المقابل لكانت ألمانيا على رأس قائمة الرضا والإعجاب، ولكنه الصمم السياسي الذي يحول بين الزعيم وناسه في الشارع.