وسط الاضطراب السياسي والاستفتاءات التي جرت خلال العام الجاري والانتخابات التي ستجرى العام المقبل في فرنسا وألمانيا، أصبح الدولار الملاذ الآمن شبه الوحيد، الذي يلجأ إليه المستثمرون في سوق الصرف العالمية، خاصة وأن هنالك شبه "انقلاب" في المسرح السياسي الأوروبي والأميركي.
ومنذ بداية العام الجاري، يسيطر القلق على المستثمرين في أسواق المال والصرف. وحسب خبراء في لندن، فمن غير المتوقع أن يتحول هذا القلق إلى اطمئنان خلال العام القادم 2017، وسط الصعود المستمر للتيارات اليمينية المتطرفة.
ولاحظت " العربي الجديد" أن العالم شهد خلال العام الجاري تغييراً جذرياً في توجهات المواطنين في أوروبا وأميركا، ما أدى إلى شبه "انقلاب سياسي" على الأحزاب التقليدية.
ففي القارتين اللتين تقودان المعسكر الرأسمالي، يتواصل التعري لشعبية الأحزاب التقليدية ومفاهيمها القائمة على العولمة والتحرير التجاري والاقتصادي وإزالة الحدود بين الدول، حيث باتت هذه الأحزاب ومفاهيمها تفقد المصداقية والشعبية، وسط الصعود السريع للحركات اليمينية المتطرفة في كل من أوروبا وأميركا.
وما يقلق أسواق الصرف ويزيد من عدم الاستقرار، أن البرامج الاقتصادية والمالية المرتجلة التي طرحتها هذه الحركات الشعبوية المتطرفة، تشبه إلى حد بعيد البرامج الاقتصادية التي طرحتها النازية والفاشية في الثلاثينيات من القرن الماضي.
فالحركات اليمينية المغرقة في التطرف تؤلب المواطنين في أوروبا ضد الاتحاد الأوروبي ومنطقة اليورو ومؤسساتها، كما تدعو إلى انفصال دولها عن هذا الاتحاد وتفكيك اليورو، وهو ما سيعني عملياً أن ليس لديها بديل معقول، فهي تدعو إلى حماية السلع الوطنية أمام السلع المستوردة بحجة توفير وظائف للمواطنين، وتفكيك الروابط التجارية وإغلاق الحدود وعدم استقبال المهاجرين.
ولاحظت دراسة لصندوق النقد الدولي صدرت أخيراً، أن توجه الحماية للسلع تزايد خلال العام الماضي وحتى قبل صعود الرئيس المنتخب دونالد ترامب للحكم في أميركا واستفتاء "بريكست" في بريطانيا.
هزات أسواق الصرف
أمام هذا التغيير الذي بدأ في بريطانيا باستفتاء "بريكست" وامتد إلى أميركا بفوز ترامب وفشل الاستفتاء الأخير على التعديل الدستوري في إيطاليا، باتت أسعار الصرف مضطربة ويسيطر عليها العامل السياسي وما يجري من انتخابات واستفتاءات في دول الاتحاد الأوروبي تحديداً، التي تعتبر الكتلة الاقتصادية الأكبر في العالم، حيث يقدر حجمها الاقتصادي بحوالي 20.75 ترليون دولار.
خلال العام الجاري، شهدت أسواق الصرف مجموعة من الهزات، بدأت بهزة اليوان الصيني وتداعياتها على سوق المال وأسواق الصرف في آسيا.
وهزة اليوان، تعد الهزة الوحيدة التي استمرت قرابة الشهر ولم تحدث بسبب السياسة وإنما حدثت بسبب الزيادة الطفيفة التي حدثت في الفائدة الأميركية على الدولار ومحاولة الصين تنفيذ تحرير جزئي للعملة الصينية.
أما بقية الهزات فحدثت جميعها بسبب ما طرأ من تغيير سياسي في أوروبا وأميركا.
ويلاحظ محللون أنها لم تستمر طويلاً، حيث استمرت هزة أسواق الصرف بسبب الاستفتاء البريطاني "بريكست" لمدة ثلاثة أيام فقط، ولم تستمر هزة فوز الملياردير ترامب بانتخابات الرئاسة سوى ثلاث ساعات استعادت بعدها الأسواق وضعها الطبيعي، بل عاد الدولار للارتفاع، أما هزة "استفتاء ايطاليا"، فلم تستمر سوى دقائق، ولكن تأثيرها على اليورو ظل مستمراً.
4 عوامل
ويرى محللو أسواق الصرف أن هنالك أربعة عوامل رئيسية يمكن مراقبتها لتحديد توجهات أسعار الصرف في العام المقبل هي:
أولاً: مخاطر الاستقرار السياسي في منطقة اليورو ودول الاتحاد الأوروبي، التي تشهد حالياً مجموعة من المهددات أهمها الانتخابات الفرنسية واحتمالات صعود مرشحة اليمين المتطرف ماري لوبن إلى الحكم وتفكك منطقة اليورو.
وحسب محللين فإن احتمالات تفكك منطقة اليورو التي تترنح تحت ضربات اليمين المتطرف تهدد سعر صرف اليورو.
ويلاحظ هنا أن اليورو انخفض في أعقاب الاستفتاء الايطالي إلى حوالي 1.04 دولار قبل أن يستعيد لاحقاً جزءاً من عافيته بسبب تدخل المركزي الأوروبي وتصريحاته الخاصة بإنقاذ المصارف الإيطالية.
كما تواجه العملة الأوروبية احتمالات تمديد المركزي الأوروبي لسياسة "التيسير الكمي"، وسط ضغوط الإنفاق التي تواجهها حكومات منطقة اليورو.
ثانيا ـ احتمال قيام الصين بإجراء خفض كبير على سعر صرف اليوان كرد فعل على سياسات الحماية التجارية التي أعلن عنها ترامب في حملته الانتخابية.
ويلاحظ في هذا الصدد، أن الصين تخطط لتحرير عملتها، وقد اتخذت خطوات فعلية في هذا الاتجاه كلفتها حتى الآن حوالي 800 مليار دولار، كما أشترت كميات ضخمة من الذهب، ووقعت اتفاقات لتسوية الصفقات التجارية عبر اليوان مع العديد من الدول أخرها مصر.
وربما يطرح الرئيس الصيني الذي سيحضر ولأول مرة منتدى دافوس هذا العام خطط بلاده لقيادة العولمة والحرية التجارية ويلمح إلى خطوات تحرير اليوان.
ثالثاـ نجاح خطة "أوبك" لخفض الإنتاج التي اتفقت عليها في اجتماع فيينا الأسبوع الماضي، والتي رفعت أسعار النفط. وهنالك علاقة وثيقة بين تدفقات " البترودولار" في المصارف العالمية وسعر الدولار، حيث يباع النفط بالعملة الأميركية.
رابعا ـ احتمالات زيادة سعر الفائدة الأميركية في أعقاب البيانات الإيجابية التي أعلنت عنها وزارة العمل الأميركية.