وأدت تصريحات لزعيم "التيار الصدري" مقتدى الصدر، أمس السبت، إلى تفجّر أزمة جديدة بين البلدين، وكأنها كانت تنتظر شرارةً لها، على حدّ تعبير مسؤول في دائرة العلاقات الخارجية في وزارة الخارجية العراقية قال لـ"العربي الجديد"، في اتصال هاتفي، إن "تصريحات الصدر جاءت مستفزة للمسؤولين البحرينيين، لكن كلمات وزير خارجية البحرين النابية التي أطلقها عبر تويتر لا تليق بدورها بمسؤولٍ عربي".
وبحسب المصدر، فإن ذلك "يمكن أن يفسّر مدى الاحتقان الموجود في الأساس"، مستبعداً أن تتطور الأزمة "الى سحب السفراء حالياً، كون البحرين لا تخرج عن فلك السعودية والإمارات في قراراتها وعلاقاتها الخارجية".
توترات واتهامات
قبل حرب الخليج عام 1991، لم يكن للمنامة أي خلافات مع بغداد، إلا على مستوى استمرار البحرينيين بتجنيس العراقيين وتقديم مغريات لهم، خاصة الكفاءات منهم، والتمييز آنذاك بين العراقيين المقيمين لديها، على أساس الطائفة، وهو ما كان نظام صدام حسين يرفضه، إضافة إلى استمرار المنامة بإقامة علاقات مع الإيرانيين، رغم استمرار الحرب العراقية - الإيرانية، والتي كانت البحرين تبررها بمصالح ومشتركات اقتصادية وتجارية.
إلا أن حرب الخليج شهدت قصف القوات العراقية بصواريخ "سكود" مواقع عسكرية بحرينية، من بينها قاعدة الشيخ عيسى الجوية، رداً على المشاركة في استهداف مواقع عراقية في البصرة بطائرات بحرينية، بالتزامن مع قصف عراقي مماثل للعاصمة السعودية الرياض، وشكل ذلك قطيعة بين البلدين، والتي تواصلت حتى الغزو الأميركي عام 2003، حين أعادت البحرين علاقاتها كاملة مع العراق من خلال حراك أميركي آنذاك لإقناع الدول الإقليمية بإعادة علاقاتها مع بغداد، ومنح العملية السياسية التي أشرفت على تأسيسها الشرعية اللازمة.
ويقول مراقبون عراقيون إن سبب الاحتقان شبه المزمن بين العراق والبحرين مرتبط بعوامل عدة، بينها ما يقع على عاتق البحرين وأخرى يتحمّل العراق مسؤوليتها، وأغلبها ذات خلفية طائفية.
وعلّقت مصادر في الحكومة العراقية ببغداد على الأزمة الحالية، بوصفها أنها "عابرة"، معتبرة أنه "كان ينبغي على وزير الخارجية البحريني التحدث بلغة أكثر لباقة"، وذلك في إشارة إلى شتم خالد بن أحمد لمقتدى الصدر، ملمحة إلى احتمال تدخل سعودي لتهدئة الأوضاع ومنع وصولها إلى سحب السفراء أو القطيعة.
وحول هذه التطورات، رأى محمد شهاب، أستاذ العلاقات السياسية في جامعة بغداد، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن تردي العلاقات الواضح بين البلدين بعد عام 2001 يأتي لأسباب عدة، أبرزها احتضان العراق معارضين بحرينيين، بعضهم متورط بأعمال عنف في البحرين، بينها قتل رجال أمن بحرينيين، واتخاذهم العراق منطلقاً لأنشطة ضد المنامة، مذكراً بأنه في عامي 2015 و2017، قالت السلطات البحرينية إنها اعتقلت متورطين بأعمال عنف تلقوا تدريبات في العراق على صناعة المتفجرات.
واعتبر شهاب أن "السياسيين العراقيين يتعاملون مع البحرين من منظار طائفي بحت، وهذا هو سبب الاحتقان الرئيسي، ولا يمكن إنكار ذلك، فمع كل حدثٍ بالبحرين، تجد سفارتها في بغداد مطوقة بالمتظاهرين، فيما تخرج التصريحات من نواب ورجال دين ضد النظام البحريني من منظور طائفي، لا أكثر، وهو أمر واضح لا يمكن تجاهله"، لافتاً إلى أن "ذلك قد يكون له ارتباط بإيران أيضاً، وعلاقتها مع النظام في البحرين".
وكان مقتدى الصدر قد طالب عام 2013 بإغلاق السفارة البحرينية في بغداد، بعد قيام السلطات البحرينية بتوجيه مذكرة اعتقال بحق رجل الدين البحريني عيسى القاسم، فيما طالبت كتل بالبرلمان العراقي عام 2011 بالوقوف إلى جانب المتظاهرين في البحرين، وعلّق البرلمان إحدى جلساته في إطار ما وصفه بالتضامن مع المتظاهرين في المنامة.
وكانت آخر زيارة لوزير الخارجية البحريني إلى بغداد عام 2017، التقى خلالها مسؤولين عراقيين، بينهم رئيس الوزراء السابق حيدر العبادي، ورئيس الجمهورية السابق فؤاد معصوم.
محرك الأزمة: الطائفية
من جهته، يعتقد الباحث في الشأن السياسي العراقي، إياد الدليمي، أن العلاقة بين العراق والبحرين بعد عام 2003 ظلّت عرضةً لتقلبات السياسة العراقية من جهة، ولغياب الحنكة الدبلوماسية البحرينية من جهة أخرى.
وأضاف الدليمي في حديث لـ"العربي الجديد" أن "الحكومات العراقية المتعاقبة منذ 2003 كانت تتعامل مع البحرين بمنظور طائفي، خاصة بعد احتجاجات 2011، وكانت النظرة العراقية للبحرين هي صدى للعلاقة بين طهران والمنامة، كما أن البحرين لم تتصرّف بطريقة دبلوماسية مع العراق، ولعل أقرب مثال هو تغريدة وزير خارجية البحرين التي رد فيها على بيان مقتدى الصدر، إذ كان من الممكن أن يلجأ إلى خيار دبلوماسي أكثر حنكة".
تراشق اتهامات
استدعت الخارجية البحرينية القائم بأعمال سفارة العراق لديها لـ"استنكار" البيان الصادر عن زعيم "التيار الصدري" والذي طالب فيه بوقف الحرب في دول عدة منها البحرين. واعتبرت المنامة أن الزج باسمها إساءة مرفوضة ويعد تدخلاً سافراً في شؤونها.
من جهتها، أعلنت الخارجية العراقية في بيان رسمي رفضها تعليقات وزير الخارجية البحريني ضد الصدر. وقالت إن "كلمات وزير الخارجية البحريني، وهو يمثل الدبلوماسية البحرينية، تسيء للسيد مقتدى الصدر بكلمات نابية، وغير مقبولة إطلاقاً في الأعراف الدبلوماسية، بل تُسِيء أيضاً للعراق وسيادته واستقلاله، خصوصاً عندما يتكلم الوزير البحريني عن خضوع العراق لسيطرة الجارة إيران".
من جهته، طالب تحالف "سائرون"، كبرى كتل البرلمان العراقي، والتي يعتبر مقتدى الصدر "زعيمه الروحي"، باعتذار رسمي من قبل الحكومة البحرينية. وقال القيادي في التحالف، سلام الشمري، في بيان صحافي، إنه "لا يمكن السكوت عن أي تجاوز على رموزنا من قبل أي دولة كانت"، داعياً الحكومة البحرينية إلى "تقديم اعتذار رسمي احتراماً وتقديراً لسيادة العراق، ولشخص الصدر الذي يعد رمزاً وطنياً ودينياً، ليس في العراق فحسب، بل في العالم".
وعلى خلفية الأزمة، شنّ نواب بحرينيون هجوماً على زعيم "التيار الصدري". ونقلت وسائل إعلام عن النائب البحريني محمد بوحمود، قوله إن "التصريحات التي أطلقها الصدر لا تمثل إلا نفسه، وأن العلاقات بين البحرين والعراق أكبر من هذه التصريحات، وأن البحرين تقف دائماً مع استقرار العراق والحفاظ على سيادته". وأضاف أنه "كان الأجدى لمقتدى الصدر أن يبحث عن أسباب تدهور وضع العراق طوال السنوات الماضية، بدلاً من إطلاق هذه التصريحات على البحرين".
بدوره، وصف النائب البحريني باسم المالكي تصريحات الصدر بأنها "مستفزة". وقال إن "مقتدى الصدر، وبدلاً من أن يبحث عن حلول للوضع الذي يعيشه الشعب العراقي طوال السنوات الماضية، وجّه كلامه إلى البحرين من خلال هذه التصريحات غير المسؤولة". وأضاف: "كان من الأجدى لمقتدى الصدر البحث عن أسباب سوء الأوضاع في العراق الشقيق بدلاً من توجيه كلامه إلى البحرين والتي تعيش تنمية واستقراراً وبناء".