العكاري: شهيد الأقصى

07 نوفمبر 2014
كان العكاري يغلي من أحداث الأقصى (ايليا ييفيموفيتش/Getty)
+ الخط -
لا أحد في القدس المحتلّة مندهشٌ من دهس إبراهيم محمد داوود العكاري (38عاماً) الذي يعمل مندوباً للمبيعات، المستوطنين الإسرائيليين في المدينة، في عملية أسفرت عن مقتل إسرائيلي وإصابة 13 بجروح خطيرة ومتوسطة. لا أحد مندهش، فالقدس تغلي ولم تعد تحتمل كل الضغط، وكل شيء بات ممكناً مع مدينة تعيش انتفاضة صامتة منذ أشهر.

فجر الأربعاء، أمّ العكاري المصلين في مسجد مخيم شعفاط، ثم عاد إلى بيته. شرب قهوته، وتناول إفطاره مع زوجته وأطفاله الخمسة، الذين أوصلهم إلى مدارسهم، وبعد نصف ساعة ضجّت القدس بأصداء عملية دهس للمستوطنين.

العكاري الذي يصفه أبناء مخيمه بأنه رجل بسيط وهادئ وعقلاني لأبعد الحدود، لم يكمل دراسته العليا، رغماً عن ذكائه، فقد حمل على عاتقه أعباء عائلته، تحديداً بعد اعتقال شقيقه موسى، الذي أمضى 22 عاماً في سجون الاحتلال، وكان يرعاه بعد وفاة والديه.

تحرّر موسى من السجون الاسرائيلية عبر صفقة "وفاء الأحرار" التي أبرمتها حركة "حماس" مع الاحتلال الإسرائيلي في أكتوبر/تشرين الأول 2011، وتمّ إبعاده إلى تركيا. كان موسى محكوماً بثلاثة أحكام مؤبدة و50 عاماً، بتهمة "خطف جندي إسرائيلي يدعى نسيم توليدانوا عام 1992".

وكان العكاري الذي ينفي أهل مخيم شعفاط وجود أي خلافات بينه وبين أحد من أفراد المخيم، الشقيق الخامس لأسرة من خمسة شبان وفتاتين، وكان هو المعيل الوحيد لأسرته، فإضافة إلى موسى، أُبعد شقيقه زياد إلى الأردن منذ سنوات طويلة، وبعد اعتقال الشقيق الثالث منصور مساء الأربعاء، من مقبرة باب الأسباط في القدس، لم يبق سوى الشقيق الأخير أيوب، طليقاً.

تذكر عائلة العكاري أنه "كان يشاهد في الأيام القليلة الماضية كل ما تنشره وسائل التواصل الاجتماعي من فيديوهات، حول اقتحام المستوطنين وجنود الاحتلال للمسجد الأقصى". وتقول زوجته أميرة سلطان، في تصريحات لـ"العربي الجديد"، إن "دمه كان يغلي على كل ما يجري في القدس وفي فلسطين بشكل عام".

صبيحة الأربعاء تابع العكاري كيف اقتحم المستوطنون والجنود المسجد الأقصى، ودنّسوا المسجد القبلي في سابقة هي الأولى من نوعها. كونهم لم يجرؤوا قبل ذلك على دخول المسجد. وقاموا برمي قنابل الصوت والغاز داخله، ما أدى إلى إحراق سجاده. شاهد العكاري كيف اعتدى الجنود على النساء وضربهم وسحب الحجاب عنهن عنوة.

وكان العكاري قد اعتاد اصطحاب أطفاله الخمسة والصلاة في المسجد الأقصى كل يوم جمعة، لكن مع الإجراءات الإسرائيلية العسكرية المشددة، لم يعد يستطيع الذهاب إلى الأقصى أو حتى التسلل في خفية عن الجنود، منذ أربعة أسابيع، وتقول زوجته "كان قلبه معلّقاً بالأقصى".

إبراهيم عكاري الذي تعلق قلبه بالأقصى وبمدينة القدس التي ولد داخل أسوارها، قبل أن يفصل سور أسمنتي صهيوني بين المدينة العتيقة وضواحيها، دفنه أهل القدس، ليل الأربعاء، على ضوء الهواتف الخليوية، تحت قيود إسرائيلية مشددة، قضت أن يتم دفنه قبل منتصف الليل وبحضور 35 فرداً من عائلته فقط، كانتقامٍ وتحذير في آنٍ، ومع ذلك أشعلت الألعاب النارية، التي باتت ممنوعة في القدس، السماء لحظة وداعه، تكريماً له وتحدياً للاحتلال.