أطلقت السلطات في ميانمار، أمس الثلاثاء، سراح الصحافيين في وكالة رويترز، وا لون وتشاو سو أو، اللذين حُكم عليهما بالسجن سبع سنوات بسبب تغطيتهما أزمة الروهينغا، وذلك بعد حصولهما على عفو رئاسي وإثر حملة عالمية دعت للإفراج عنهما. وأثار ذلك ردود فعلٍ واسعة حول العالم، فبينما أعربت جهات سياسية وإعلامية وحقوقية عن سعادتها بإطلاق سراحهم، أعربت عن تخوفها من الرقابة والقيود على الصحافة في البلاد.
ووسط حشد من وسائل الإعلام خرج الصحافيان البورميان وا لون وتشاو سو أو من سجن إنسين في رانغون، حيث أمضيا أكثر من 500 يوم قيد الاعتقال. وأثار اعتقالهما في كانون الأول/ديسمبر 2017 اهتماماً عالمياً واعتبر مؤشراً على تراجع حرية الصحافة في ظل حكم الزعيمة أونغ سان سو تشي.
وشكر وا لون (33 عاماً) الناس من "حول العالم" لمطالبتهم بالإفراج عنهما ووعد بالعودة إلى العمل. وقال: "إني بغاية الشوق للعودة إلى غرفة التحرير"، مضيفا: "أنا صحافي وسأواصل عملي".
وقال رئيس التحرير في "رويترز" ستيفن آدلر: "إننا بغاية السرور لأن ميانمار أفرجت عن صحافيَينا الشجاعَين". وقال: "منذ اعتقالهما قبل 511 يوماً أصبحا رمزاً لحرية الصحافة حول العالم. نرحب بعودتهما".
وأُفرج عنهما بناء على عفو شمل أكثر من ستة آلاف سجين. وقال المتحدث باسم الحكومة زاو هتاي لصحافيين، إن أفراداً من عائلتي الصحافيين أرسلوا رسالة إلى سو تشي والرئيس وين مينت. وأضاف: "القادة أخذوا بالاعتبار مصلحة البلاد على المدى الطويل".
وقال لورد أرا دارزي، وهو مستشار بريطاني وصديق مقرّب لسو تشي، إنه كان "مناسباً" الإفراج عن الصحافيين بعد أيام قليلة من اليوم العالمي لحرية الصحافة. وأكد لوسائل الإعلام من رانغون "العبرة بسيطة: الحوار ينجح حتى في أصعب الظروف".
وأشادت الأمم المتحدة بالإفراج عن الصحافيين، لكنها حذّرت من أن حرية الصحافة لا تزال مقيدة بشدة في البلاد.
وقال البيت الأبيض، اليوم الأربعاء، إنه يرحب بالإفراج عن صحافيي رويترز، مضيفاً في بيان: "أمضيا في السجن أكثر من 500 يوم منذ ديسمبر 2017، بسبب تغطية الفظائع التي ارتكبت بحق الروهينغا. نشعر بالسعادة لأنهما سيعودان لأسرتيهما". وأضاف: "نأمل أن ينال صحافيون آخرون مسجونون في بورما (ميانمار) حريتهم".
واعتبر نائب الرئيس الأميركي مايك بنس الذي سبق أن أدان سجن الصحافيين، أن الإفراج عنهما "خبر رائع". وكتب في تغريدة: "حرية الدين وحرية الصحافة ضروريتان لديموقراطية قوية".
بدوره، رحب وزير الخارجية مايك بومبيو بالإفراج عن الصحافيين، ودعا في تغريدة إلى "إطلاق سراح الصحافيين الآخرين المسجونين" وإلى ضمان "حرية التعبير".
وأدين الصحافيان بانتهاك "قانون الأسرار الرسمية" وحكم على كل منهما بالسجن سبع سنوات.
ولدى اعتقالهما كانا يعدان تقريرا حول مقتل 10 من الروهينغا المسلمين في أيلول/سبتمبر 2017 في ولاية راخين، حيث أجبر الجيش البورمي نحو 740 ألفا من أبناء هذه الأقلية المحرومة من الجنسية على النزوح عبر الحدود إلى بنغلادش.
وأثارت قضيتهما تنديدا دوليا وأودت بما تبقى من إرث أونغ سان سو تشي كمدافعة عن حقوق الإنسان. وقالت رويترز إن الصحافيين اعتقلا بسبب ما كتباه. ولم يدل المتحدث العسكري زاو مين تون بأي تعليق بشأن الإفراج عن الصحافيين، مكتفيا بالقول إن القضية "جرت طبقا للقانون".
وخلال فترة سجنهما فاتتهما عدة مناسبات عائلية ومنها ولادة طفلة وا لون. وعبّرت العائلتان عن فرحهما للإفراج عن الصحافيين. وقالت شيت سو وين زوجة تشاو سو أو: "نحن بغاية السعادة". وانتشرت على تويتر صورة تجمع الزوجين، وهما يحتفلان مبتسمين حاملين طفلتيهما.
وخلال وجودهما في السجن نالا العديد من الجوائز والتكريمات بسبب عملهما. والشهر الماضي حاز وا لون وتشاو سو أو على جائزة بوليتزر المرموقة. كما ظهرا في وقت سابق على غلاف مجلة تايم بين شخصيات العام، ضمن الصحافيين المستهدفين لعملهم الصحافي.
وأصبحت قضيتهما مرادفاً للحرب على حرية الصحافة، وأثارت حملة دولية حصلت على دعم المحامية البارزة أمل كلوني التي قالت الثلاثاء إنه كان "شرفا لي أن أمثلهما". وقال نشطاء وخبراء قانون إن محاكمتهما شابتها مخالفات كثيرة.
وأدلى ضابط شرطة بشهادته خلال المحاكمة قال فيها إن رئيسه أمر مجموعته بالإيقاع بالصحافيين، وهي شهادة تجاهلها القاضي. وعبر ضابط الشرطة السابق مو يان ناينغ لوكالة فرانس برس عن "السرور" لجمع شمل العائلات وعن رغبته في لقاء الصحافيَين إذا أرادا ذلك.
وأشاد نشطاء مدافعون عن الصحافة ومنظمات حقوقية بالإفراج عن الصحافيين، منددين في نفس الوقت باعتقالهما وإدانتهما.
وقال نائب مدير مكتب هيومن رايتس ووتش في آسيا فيل روبرتسون: "نهنئ وا لون وتشاو سو أو على خروجهما، بعد أن سُجنا ظلما ونرحب بجمع شملهما مع عائلتيهما". مضيفا أنه "ما كان ينبغي أن يتم اعتقالهما" أساسا.
وقادت الزعيمة أونغ سان سو تشي حزب الرابطة الوطنية من أجل الديمقراطية إلى الفوز، عام 2015، في انتخابات تاريخية أنهت عقوداً من الحكم المدعوم من العسكر في البلاد. غير أن الأحلام بمستقبل جديد لبورما لم تعمّر طويلاً بعد أن شن الجيش حملة ضد الروهينغا في ولاية راخين، قال محققو الأمم المتحدة إنها ترقى إلى إبادة.
ونفت بورما تلك التهم، وقالت إنها تصرفت دفاعاً عن النفس ضد مسلحي الروهينغا الذين هاجموا وقتلوا ضباط شرطة في آب/أغسطس 2017.
وقال دانييل باستارد، رئيس مكتب آسيا والمحيط الهادئ في منظمة "مراسلون بلا حدود"، إن إطلاق سراح صحافيي رويترز المسجونين في ميانمار بعد إدانتهما بانتهاك قانون الأسرار الرسمية هو "سيف ذو حدين".
وحذر باستارد من أن الإفراج كان بمثابة انتصار لحرية الصحافة، لكنه بعث برسالة مخيفة إلى الصحافيين، كما لو أن حكومة ميانمار تقول: "لا تجرؤوا على تجاوز الخط بعد الآن". وأضاف أن الصحافيين في البلاد ربما يُجبرون على فرض الرقابة الذاتية، خوفًا من مصير مماثل لما حدث لصحافيي رويترز.
(رويترز، فرانس برس، العربي الجديد)