العشق ممنوع في بلاد العرب
كانا يعيشان أجمل الأحلام معاً، يرتفع سقف أحلامهما يومياً ليبلغ عنان السماء، ولكن الحياة فاجأتهما لتنزل بهما وبأحلامها إلى سابع أرض. قصة محزنة ككل قصص العشق. مؤلمة ككل الروايات التي قرأناها، من قيس وليلى إلى روميو وجوليت.
الواقع يفرض شروطه، والمجتمع يفرض أحكامه، وسارقو الأحلام يسنون قوانينهم ونظامهم، فهم لديهم الحق في أن يعيشوا حياة سعيدة، ويقرروا للبقية مصيرهم وطريقة حياتهم، ويتحكموا بمشاعرهم بعدما تحكموا بعقولهم.
ليلى جديدة ظهرت في بلاد العرب، يداعبها قيس بأشعاره وأحزانه وآلامه، ولكنهما نسيا في لحظة سكر العشاق، أن الزمان تغير، ولم يعد للعشق في بلاد العرب، من مكان.
نظام الحياة تغير أيها العاشق الولهان، لا بدّ لحبيبة أن تعيش في أفخم وأغلى فيلا، ولا بد من مهر المليون وحفلة لا تقل عن حفلات المشاهير.
الأشعار ورسائل الحب انتهى زمنها، حتى ولو أرسلت مليون رسالة قد تصدقك حبيبتك، ولكن الأهل لن يصدقوك، لن يمنحوك محبوبتك من دون ثمن، فكل شيء اليوم بثمن، إلا العشاق فمصيرهم في بلادنا أن يدفعوا ثمن العشق فحسب.
لا تحزن عزيزي العاشق، المال سيشتري لك آلاف الحبيبات، هكذا يعزيه أقرانه ورفاقه حتي يستفيق من صدمته الأولى. كانت مجرد ذكريات مراهقين عابرة، حتى ولو كان في سن الثلاثين. أما هي فتعزيتها أنهم يقولون في أحكامهم، إن للمرأة ثلاثة رجال في حياتها؛ واحد تحبه وآخر يحبها، وثالث للزواج.
لا مكان للعشق اليوم في بلاد العرب. إنهم يدفعون آلاف الشباب إلى الهجرة من ديارهم، أو الانتحار، أو إلى بؤر الإرهاب، أو إلى البقاء في المقاهي ليندب حظه وأقرانه؛ فمهر معشوقته غال وتكاليف الحياة أغلى وأمر.
أما العاشقات، فالعنوسة تقتلهن كمداً، والحسرة تكسر نفوسهن، وكل شيء يحاصرهن، حتى أقرب الناس إليهن. فسقف الأحلام المرفوعة أكبر من أحلام العشاق، وفارس الأحلام الذي حطم المجتمع كل أحلامه، أصبح أبعد من ذي قبل، بعدما رفضه أهل العروس.
تؤكد آخر الإحصائيات أن منطقتنا العربية، تشهد أعلى نسبة عزوف عن الزواج من قبل الشباب، وأعلى نسبة عنوسة بين الفتيات، كما تتميز بغلاء المهر وتكاليف الزواج؛ فالشباب العربي يحتاج عشرات السنين حتى يكون نفسه، ليرضى من يتحكمون في مصير معشوقته.
لا مكان للعشق في بلاد العرب. يصرخ شاب عربي متيم بكل ما يقف في وجوهنا، الظروف الاجتماعية والاقتصادية، أعراف المجتمع وأحكامه، سارقو أحلامنا في كل مكان وزمان، لا مكان للعشق إلا في روايات فيكتور هوغو وطه حسين ونجيب محفوظ، وأغاني العندليب وأم كلثوم، وأشعار قيس وعنترة.
روايات العشق نقرأها فحسب، لكن من الصعب أن نعيشها. قصص الحب تسرد فحسب، لكن من المستحيل أن تشاهدها في بلاد العرب، إنها نادرة جداً، كل شيء أصبح اليوم بثمن، والعشاق يدفعون غالباً الثمن.
محكوم على قصصهم بالإعدام، وعلى معشوقاتهم بالمؤبد، ما دام الشاب فقيراً، وما دامت المرأة غير حرة في اختيار شريك حياتها الذي تحب، وما دام مهر الزواج في بلادنا أغلى من حياة الإنسان نفسه.
عش حياة بطريقة عقلانية، قبل أن تنجرف وراء عواطفك أيها المتيم؛ فالعشق ممنوع في بلاد العرب، لن تجني منه غير الحزن والألم.