العسكر والجامعات.. ستون عاما من الصدام

09 مارس 2014
+ الخط -

مرت الجامعة المصرية عبر تاريخها الطويل بمراحل مختلفة من الصدام مع السلطة الحاكمة، وتتعدّد الظواهر والشواهد الدالة على إهدار مبدأ استقلال الجامعات منذ ثورة 23 يوليو 1952 وحتى الآن، ويقول الدكتور مجدي قرقر -أمين عام حزب الاستقلال وعضو حركة 9 مارس لاستقلال الجامعات- إن الجامعة المصرية كانت لها استقلاليتها بشكل كبير قبل يوليو 1952، حيث كانت الحياة السياسية في الجامعات زاخرة بشتى الفصائل السياسية.

وتحدث قرقر في حواره مع "العربي الجديد" عن محاولات إلغاء الحياة السياسية داخل الجامعات ووضعها تحت القبضة الحديدية للعسكريين، وممارسات الرؤساء المصريين للتضييق على الجامعات وإخضاعها للدولة، بدءاً من الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، ثم أنور السادات وإصدار اللائحة الطلابية 79، ثم مبارك الذي أحكم سيطرة الأمن على الحياة الجامعية، ثم مكتسبات ثورة 25 يناير وكيف تلاشت مع حدوث الانقلاب العسكري في الثالث من يوليو/تموز الماضي.

 أزهى عصور الاستقلالية

يرى قرقر أن الجامعة المصرية كانت لها استقلاليتها بشكل كبير قبل ثورة يوليو 1952، وكانت الحياة الجامعية زاخرة بشتى الفصائل السياسية، والموقف الذي سميت باسمه "حركة 9 مارس"، يعكس استقلال الجامعات في ذلك الوقت، عندما تدخلت السلطة التنفيذية بنقل الدكتور طه حسين من منصبه عميدًا في كلية الآداب في جامعة القاهرة إلى إحدى الوظائف في ديوان عام وزارة المعارف، فاحتج أحمد لطفي السيد، وكان رئيسًا لجامعة القاهرة، في ذلك الوقت، فكتب استقالته في التاسع من  مارس/آذار 1932م، احتجاجًا على تدخل القصر الملكي في شؤون الجامعة، ونقل الدكتور طه حسين بهذه الصورة دون الحصول على موافقة من مجلس الجامعة.

وعندما تولى نجيب الهلالي وزارة المعارف عام 1935، تحدث إلى لطفي السيد وطلب منه العودة إلى الجامعة، كما كان رئيسًا لها، فرفض لطفي السيد طلبه واشترط لعودته أن يتم تعديل قانون الجامعة، بحيث ينص فيه على أنه "لا يُنقل أستاذ من الجامعة إلا بعد موافقة من مجلس إدارتها"، وتم تعديل القانون فعلاً، وعاد لطفي إلى الجامعة رئيسًا لها مرة أخرى، بعد أن ضمن استقلاليتها دون تدخل من القصر الملكي أو مجلس الوزراء.

إهدار مبدأ الاستقلال

تعرضت الجامعة المصرية لانتهاكات السلطة الحاكمة، ومحاولات فرض السيطرة الأمنية عليها بعد ثورة 23 يوليو 1952، وكان من أبرز الأمثلة على إهدار مبدأ استقلال الجامعات، إصدار قيادة الثورة قرارا في سبتمبر/أيلول 1954 بتعيين الصاغ كمال الدين حسين وزيرًا للمعارف، وكانت هذه هي المرة الأولى التي يتولى فيها ضابط في الحربية حقيبة وزارة المعارف، وفي عهد الصاغ كمال الدين حسين صدرت قرارات كانت صادمة لمجتمع التعليم العالي في ذلك الوقت، كان أبرزها، إقالة عدد من رؤساء الجامعات، وفصل سبعين عضوًا من هيئة التدريس، كما صدر في عهده قرار بتحويل مسمى وزارة المعارف إلى وزارة التربية والتعليم.

ويقول قرقر، إن قيادة الثورة حاولت بشتى الطرق إلغاء الحياة السياسية داخل الجامعات ووضع الجامعات تحت القبضة الحديدية للعسكريين، وتولت قيادات عسكرية مناصب عليا في الجامعات، وأصبح أعضاء هيئة التدريس عرضة لقرارات الفصل أو النقل بقرار من وزير التعليم العالي، كما تم إنشاء هيئة التحرير ثم الاتحاد القومي والاتحاد الاشتراكي، ودمجت كل المؤسسات التعليمية من مدارس وجامعات وهيئات في هذا التنظيم الواحد.

ويستطرد قرقر، إن الحركة الطلابية قد نهضت في وجه عبد الناصر عام 1967 في وقت كان يتسم بغياب الحريات السياسية، ونادى الطلاب بالحرية والتعددية والمشاركة السياسية، وكان عام 1968 عام الانتفاضة الكبرى للطلاب ،عندما خرجوا يشاركون العمال في تظاهرات حاشدة تندد بالأحكام الهزيلة التي صدرت بحق قادة الطيران الذين تسببوا في هزيمة يونيو/حزيران، وطالبوا بإعادة محاكمة الضباط بتهمة الإهمال والتقصير الذي تسبب في نكسة 1967، ومع ضغوط التظاهرات في الشوراع والجامعات استجاب عبد الناصر وأمر بإعادة المحاكمات.

الاستقلالية الزائفة

 حاول السادات أن يصبغ حكمه بصبغة ديمقراطية، فدعا إلى التعددية الحزبية، وإلى مشاركة الإسلاميين في النشاط السياسي، وكانت الحركات الطلابية المصرية -حسبما يرى قرقر- ترتبط بكافة تفاصيل الدولة الداخلية سياسيًا واجتماعيًا، وهو ما اتضح من مظاهرات الطلاب في 17 و18 يناير/كانون الثاني 1977، وهو تاريخ الانتفاضة الشعبية ضد قرار الرئيس السادات برفع الدعم وما نتج عنه من ارتفاع الأسعار، ما اضطر السادات إلى التراجع عن قراراته، وظهر في ذلك الوقت مدى تأثير الحركات الطلابية وتفاعلها ضد قرارات النظام الحاكم وانعكاسات ذلك على مراكز صنع القرار.

ويقول قرقر، في تلك الفترة لم يكن الحرس الجامعي موجودًا داخل الجامعات، ونظرًا للتفاعل الطلابي مع الأحداث التي كانت تشهدها مصر في ذلك الوقت، خاصة بعد توقيع السادات لاتفاقية كامب ديفيد، والقلاقل التي حدثت جراء هذه الاتفاقية، بدأ السادات يفكر في كيفية قمع الحركة الطلابية، ولكي يرتاح السادات من تلك الحركات أصدر اللائحة الطلابية 79، والتي ألغى معها اللجنة السياسية في الاتحادات الطلابية، ومنذ ذلك الوقت أصبح النشاط السياسي محظورًا داخل الجامعة.

ثم أصدر ممدوح سالم، وزير الداخلية، قرارا يسمح بدخول الحرس إلى الجامعة، وكان ذلك مخالفًا لقانون تنظيم الجامعات الذي ينص في مواده على ضرورة إنشاء جهاز إداري خاص يتبع إدارة الجامعة وينفذ أوامرها ويتقاضى راتبا منها.

على خطى سلفه

في عهد مبارك جرى تقنين وجود الداخلية داخل الحرم الجامعي، بأن أدخل مبارك تعديلاً على لائحة 79 الطلابية عام 1984، وأصبح بموجب هذا التعديل، من المسموح وجود عناصر الشرطة داخل الحرم الجامعي، فدخلت الشرطة الحرم الجامعي بزيها الرسمي وغير الرسمي، وسُمح لأمن الدولة بالوجود داخل أسور الجامعة وممارسة أدوار رقابية تعلو على سيادة الجامعة وإدارتها، فكانت هناك رقابة على الأساتذة والطلاب وأنشطتهم، وكانت الموافقة الأمنية شرطًا أساسيًا لمن يتم اختيارهم للتعيين في السلك الأكاديمي للجامعة.

ويرى "قرقر" أن التدخل في التقاليد الجامعية بعد أن كان مستترًا في عهد السادات، فقد أصبح أيام مبارك ظاهرًا جليًّا، وما كان يتم في الخفاء في عهد السادات أصبح يتم في العلن في عهد مبارك، فبات من الطبيعي أن يتم استبعاد الطلاب من حقهم في السكن الجامعي أو الترشح في انتخابات الاتحادات الطلابية، واستبعاد بعض النشطاء والمعارضين من التعيين في المناصب الإدارية إلا بالحصول على موافقة أمنية، إلى أن تمكن أساتذة جامعيون في 2008 من رفع دعوى قضائية ضد رؤساء الجامعات لامتناعهم عن تشكيل وحدة أمن داخلية تتبع إدارة الجامعة.

وصدر قرار المحكمة الإدارية في نوفمبر 2008 بخروج الحرس الجامعي من الجامعات وإلزام رؤساء الجامعات بتشكيل وحدات أمن مدنية، وهو ما قوبل بالطعن من قبل رئيس جامعة القاهرة ووزير الداخلية ورئيس مجلس الوزراء، إلى أن حكمت المحكمة الإدارية العليا في نوفمبر 2010، وقبل شهور قليلة من ثورة يناير، بخروج الشرطة من الجامعات.

وكان الطلاب شريكًا أساسيًا ومحوريًّا في ثورة 25 يناير، وأسهموا في قيادة الحراك الثوري في الشارع المصري، وبعد الإطاحة بالرئيس الأسبق حسني مبارك خرج الحرس الجامعي من مختلف الجامعات، كما تم حل الاتحادات الطلابية التابعة للأمن الجامعي، وبدأ الطلاب بالتجهيز لانتخابات الاتحاد، وعلت مطالب الطلاب بتطهير الجامعات من الوجوه القديمة المحسوبة على نظام مبارك.

30 يونيو

يرى قرقر أن الانقلاب العسكري في الثالث من يوليو/تموز الماضي، له انعكاسات على المجتمع قبل أن تكون على الجامعات، مؤكدا حالة الكراهية والانقسام المجتمعي التي أصابت الشعب المصري، وأصبح من السهل تخوين الآخرين.

واختلفت الأوضاع كثيرًا خلال الفترة الأخيرة؛ فبعد الانقلاب العسكري على مكتسبات ثورة 25 يناير، عادت من جديد حملات اعتقالات الطلاب، التي بدأت مع فض ميداني رابعة العدوية والنهضة، وتزايد قمع الدولة الأمنية داخل الجامعات، وخاصة في مواجهة الحراك الطلابي الذي عاد مرة أخرى إلى الجامعات خلال الفصل الدراسي الأول، حيث تم منح سلطة الضبطية القضائية للأمن الإداري، واستعانت الجامعات بقوات الأمن للتواجد في محيط الجامعات وداخلها، وتم اقتحام الجامعات واعتقال الطلاب من داخلها بشكل عشوائي، وقتلت السلطات عشرات الطلاب داخل الجامعات بالغاز والخرطوش والرصاص الحي.

وحتى الحكم التاريخي للمحكمة الإدارية العليا بخروج الحرس الجامعي، انقضّت عليه محكمة غير متخصصة وأمرت بعودته مرة أخرى، رغم أن حكم الإدارية العليا نهائي وواجب ولا يصح أن تنظر فيه محكمة غير متخصصة.

المساهمون