فلسطينيو 48 مجدداً في مهداف إسرائيل. هي خطة قديمة تتجدّد لوضع هؤلاء الفلسطينيين الذين آثروا الصمود في أراضيهم وعدم الفرار خلال النكبة، في خانة المشتبه فيهم، وتصنيفهم خطراً على الدولة العبرية لتسهيل ترحيلهم أو نقلهم إلى مكان آخر خارج دولة الاحتلال، في إطار خطط الترانسفير التي تطل برأسها بين الحين والآخر من ضمن مشاريع اليمين الإسرائيلي في تعاطيه مع فلسطينيي 48.
حملات الهدم الأخيرة في النقب أو في قلنسوة، والتي ترافقت مع عمليات قمع وصلت حد القتل، ليست حالات معزولة، بل تأتي في إطار المساعي الإسرائيلية للتضييق على الأقلية العربية في داخل الأراضي المحتلة. مساعٍ تأخذ الكثير من الأشكال، منها القمعي المباشر، على غرار عمليات الهدم الأخيرة، ومخططات الترحيل التي لا تزال في أدراج الحكومة الإسرائيلية، ومنها السياسي عبر الملاحقات التي تأخذ صفة القانونية للعديد من رموز الحركة الوطنية في الداخل. باسل غطاس هو آخر الضحايا في ظل الاتهام الموجه إليه بتهريب هواتف خلوية إلى أسرى، وسبقته حنين الزعبي التي أبعدت من البرلمان في ظل مشاركتها في كسر حصار غزة، وأيضاً الشيخ رائد صلاح، زعيم الحركة الإسلامية غير البرلمانية. حالات جاءت لاحقة لحملات سابقة استهدفت الدكتور عزمي بشارة وبعده أمير مخوّل وعمر سعيد، وغيرهما.
هو إذن نهج إسرائيلي في التعامل مع هؤلاء الذين لا يزالون قابضين على جمر هويتهم، ولم تنجح محاولات "الأسرلة" على مدى نحو 70 عاماً في سلخهم عن واقعهم وذاكرتهم وأراضيهم التي يذهبون إليها سنويّاً لتجديد الولاء للذاكرة ومعاهدتها على عدم النسيان.
الحملات الجديدة ليست معزولة عن واقع استهداف الأقلية العربية في الداخل الإسرائيلي، لكن المشكلة أن فلسطينيي 48 أنفسهم معزولون. لم يعزلوا أنفسهم عن محيطهم، القريب والبعيد، بل المحيط هو من اختار عزلهم، وعلى الأقل لم يضع قضاياهم في أولوياته، بل ينظر إليها في المجمل باعتبارها "شأناً داخلياً إسرائيلياً". هذا في الأساس ما تريده الدولة العبرية، وما يطبقه المحيط الفلسطيني والعربي.
السلطة الفلسطينية، على ما يبدو، تنفذ هذه الأجندة بحذافيرها على الصعيد الرسمي. فرغم كسر حواجز التواصل بين فلسطينيي الداخل وأشقائهم في الضفة الغربية وقطاع غزة، إلا أنه لم يتم على المستوى الرسمي اتخاذ أي خطوات لتوطيد العلاقة. وحتى في ظل الهجمة الحالية على فلسطينيي 48، بقيت السلطة رسمياً على الحياد ولم تبادر إلى موقف مباشر تطبيقاً لمقولة "الشأن الداخلي الإسرائيلي"، رغم أنه على الصعيد الشعبي نظمت مسيرات تضامن في الضفة الغربية وقطاع غزة مع الفلسطينيين في الداخل.
كذلك، فإنه خلال عمليات الهدم الأخيرة، والملاحقات السياسية، وما قبلها، لم يخرج أي موقف عربي مدين للتنكيل الإسرائيلي البطيء بفلسطينيي 48. لم تصدر أي إدانة من جامعة الدول العربية أو أي من دولها، أو حتى أي تعليق على عمليات التشريد أو الملاحقات، رغم أن هذه الدول والجامعة كانت تبحث عن أي حدث في الضفة الغربية أو غزة لتصدير بياناتها الشاجبة، التي لا تملك سواها أساساً، وللإشارة إلى أن فلسطين لا تزال على خارطة اهتماماتها.
لكن من الواضح أن الجامعة العربية وغالبية الدول فيها لا ترى فلسطينيي 48 جزءاً من العرب أو الفلسطينيين، تحاسبهم على جنسيتهم الإسرائيلية التي فرضت على الغالبية العظمى منهم، بحكم وقوعهم تحت الاحتلال وعدم استماعهم إلى "النصائح العربية" بالمغادرة "المؤقتة" لأراضيهم. نصائح أفرزت مئات آلاف اللاجئين موزعين في دول الطوق العربية. ولا حاجة للتذكير بأوضاع هؤلاء اللاجئين في معظم المخيمات، وعدم نيلهم أياً من الحقوق الطبيعية التي تتوفر لمقيمين من جنسيات أخرى.
الحملة الأخيرة على فلسطينيي 48، وملاحقة كل واحد منهم يزور دولة عربية مصنّفة بأنها "عدوة" وفق الحسابات الإسرائيلية، ليست الوحيدة التي تثبت سياسة إخراج فلسطينيي 48 الممنهج من فضائهم العربي. فهذه السياسة متبعة عربياً أيضاً، إذ إن زيارة أي من هؤلاء المواطنين الفلسطينيين الذين يحملون الجنسية الإسرائيلية إلى الكثير من الدول العربية، شبه مستحيلة مهما كان هذا المواطن ناشطاً وطنياً ومناهضاً للصهيوينة ومنتقداً للسياسات الإسرائيلية وعضواً في جمعيات قوميّة. كل هذه الأمور لا تشفع لهذا الفلسطيني المتمسك بهويته والراغب في التواصل مع عالمه، فوصمة الجنسية الإسرائيلية هي الظاهرة لأعين المسؤولين في هذه الدول، رغم أن بعضهم يستقبل بكثير من الود بعض الإسرائيليين المتأصلين هوية وجنسية.
بين التنكيل الإسرائيلي والتجاهل العربي والفلسطيني الرسمي، يصرّ هؤلاء الفلسطينيون على انتمائهم وذاكرتهم وهويتهم غير القابلة للتنازل.
اقــرأ أيضاً
حملات الهدم الأخيرة في النقب أو في قلنسوة، والتي ترافقت مع عمليات قمع وصلت حد القتل، ليست حالات معزولة، بل تأتي في إطار المساعي الإسرائيلية للتضييق على الأقلية العربية في داخل الأراضي المحتلة. مساعٍ تأخذ الكثير من الأشكال، منها القمعي المباشر، على غرار عمليات الهدم الأخيرة، ومخططات الترحيل التي لا تزال في أدراج الحكومة الإسرائيلية، ومنها السياسي عبر الملاحقات التي تأخذ صفة القانونية للعديد من رموز الحركة الوطنية في الداخل. باسل غطاس هو آخر الضحايا في ظل الاتهام الموجه إليه بتهريب هواتف خلوية إلى أسرى، وسبقته حنين الزعبي التي أبعدت من البرلمان في ظل مشاركتها في كسر حصار غزة، وأيضاً الشيخ رائد صلاح، زعيم الحركة الإسلامية غير البرلمانية. حالات جاءت لاحقة لحملات سابقة استهدفت الدكتور عزمي بشارة وبعده أمير مخوّل وعمر سعيد، وغيرهما.
هو إذن نهج إسرائيلي في التعامل مع هؤلاء الذين لا يزالون قابضين على جمر هويتهم، ولم تنجح محاولات "الأسرلة" على مدى نحو 70 عاماً في سلخهم عن واقعهم وذاكرتهم وأراضيهم التي يذهبون إليها سنويّاً لتجديد الولاء للذاكرة ومعاهدتها على عدم النسيان.
السلطة الفلسطينية، على ما يبدو، تنفذ هذه الأجندة بحذافيرها على الصعيد الرسمي. فرغم كسر حواجز التواصل بين فلسطينيي الداخل وأشقائهم في الضفة الغربية وقطاع غزة، إلا أنه لم يتم على المستوى الرسمي اتخاذ أي خطوات لتوطيد العلاقة. وحتى في ظل الهجمة الحالية على فلسطينيي 48، بقيت السلطة رسمياً على الحياد ولم تبادر إلى موقف مباشر تطبيقاً لمقولة "الشأن الداخلي الإسرائيلي"، رغم أنه على الصعيد الشعبي نظمت مسيرات تضامن في الضفة الغربية وقطاع غزة مع الفلسطينيين في الداخل.
كذلك، فإنه خلال عمليات الهدم الأخيرة، والملاحقات السياسية، وما قبلها، لم يخرج أي موقف عربي مدين للتنكيل الإسرائيلي البطيء بفلسطينيي 48. لم تصدر أي إدانة من جامعة الدول العربية أو أي من دولها، أو حتى أي تعليق على عمليات التشريد أو الملاحقات، رغم أن هذه الدول والجامعة كانت تبحث عن أي حدث في الضفة الغربية أو غزة لتصدير بياناتها الشاجبة، التي لا تملك سواها أساساً، وللإشارة إلى أن فلسطين لا تزال على خارطة اهتماماتها.
لكن من الواضح أن الجامعة العربية وغالبية الدول فيها لا ترى فلسطينيي 48 جزءاً من العرب أو الفلسطينيين، تحاسبهم على جنسيتهم الإسرائيلية التي فرضت على الغالبية العظمى منهم، بحكم وقوعهم تحت الاحتلال وعدم استماعهم إلى "النصائح العربية" بالمغادرة "المؤقتة" لأراضيهم. نصائح أفرزت مئات آلاف اللاجئين موزعين في دول الطوق العربية. ولا حاجة للتذكير بأوضاع هؤلاء اللاجئين في معظم المخيمات، وعدم نيلهم أياً من الحقوق الطبيعية التي تتوفر لمقيمين من جنسيات أخرى.
الحملة الأخيرة على فلسطينيي 48، وملاحقة كل واحد منهم يزور دولة عربية مصنّفة بأنها "عدوة" وفق الحسابات الإسرائيلية، ليست الوحيدة التي تثبت سياسة إخراج فلسطينيي 48 الممنهج من فضائهم العربي. فهذه السياسة متبعة عربياً أيضاً، إذ إن زيارة أي من هؤلاء المواطنين الفلسطينيين الذين يحملون الجنسية الإسرائيلية إلى الكثير من الدول العربية، شبه مستحيلة مهما كان هذا المواطن ناشطاً وطنياً ومناهضاً للصهيوينة ومنتقداً للسياسات الإسرائيلية وعضواً في جمعيات قوميّة. كل هذه الأمور لا تشفع لهذا الفلسطيني المتمسك بهويته والراغب في التواصل مع عالمه، فوصمة الجنسية الإسرائيلية هي الظاهرة لأعين المسؤولين في هذه الدول، رغم أن بعضهم يستقبل بكثير من الود بعض الإسرائيليين المتأصلين هوية وجنسية.
بين التنكيل الإسرائيلي والتجاهل العربي والفلسطيني الرسمي، يصرّ هؤلاء الفلسطينيون على انتمائهم وذاكرتهم وهويتهم غير القابلة للتنازل.