سيكون رمضان القادم سهلاً على عبد الرحمن سعد (28 عاماً)، رغم أن رمضان الذي ينتظره الأردنيون هو الأطول منذ 30 عاماً والذي تتجاوز ساعات الصوم في بدايته 15 ساعة، وتتناقص حتى تبلغ في نهايته 14 ساعة و50 دقيقة، وفقاً لحسابات "المشروع الاسلامي الأردني" لرصد الأهلّة.
لن يشعر سعد بطول ساعات الصوم، التي تتزامن مع ارتفاع درجات الحرارة عن معدلاتها في الأعوام السابقة، خلال الشهر، فقد حصل الموظف في إحدى الشركات الخاصة على إجازة طوال الشهر تمكّنه من "النوم خلال ساعات الصوم نهاراً والسهر خلال الليل"، بحسب خطّته التي "أفشاها" لـ"العربي الجديد".
يقول سعد: "كنت حريصاً على عدم الاستفادة من أي إجازة طوال العام حتى أستهلكها كلّها في رمضان"، ويتابع: "الصوم الطويل مستحيل مع العمل، حتى رغم تقليص ساعاته".
الإجازة في رمضان، ليست طموح الموظفين في القطاع الخاص فحسب، بل يمتد الطموح إلى موظفي القطاع العام، رغم تحديد الحكومة ساعات عملهم بخمس ساعات فقط خلال الشهر. وهو التحديد الذي يرافقه عادة تساهل مع حالات التأخير عن العمل والكسل خلاله.
التموين قبل الشهر
ما يؤرق الأردنيين أكثر من ساعات العمل ودرجات الحرارة، هو قدرتهم على توفير مستلزمات الشهر في ظل أوضاع اقتصادية سيئة للغالبية العظمى منهم، في بلد يبلغ فيه الحد الأدنى للأجور 190 ديناراً (نحو 268 دولاراً)، في حين يبلغ معدل دخل الفرد فيه، بحسب تقديرات "صندوق النقد الدولي"، 3464 ديناراً سنوياً (نحو 4900 دولار).
تعبّر الأربعينية أم عادل عن امتنانها بأن رمضان سيتزامن مع نهاية الشهر وصرف رواتب الموظفين، ما يمكّنها من شراء حاجياتها. ربة البيت لا تتوقع أن يكفي راتب زوجها، البالغ 300 دينار (نحو 423 دولاراً)، لتلبية كامل احتياجاتها.
تقول لـ"العربي الجديد"، خلال وجودها في السوق القديم في عمّان: "مصروف رمضان يرتفع عن سائر الأشهر. تتخلله عزائم عائلية، والأولاد لا يقبلون بأي طعام، عدا عن الغلاء الذي يتخلّله". لذلك ترى أن أفضل حل هو "شراء الحاجيات قبل بدء الشهر بأسبوع، استباقاً لارتفاع الأسعار".
حاولت الحكومة الأردنية طمأنة المواطنين حول توفر فائض من المواد الغذائية الأساسية والموسمية تكفي إلى ما بعد نهاية شهر رمضان.
ويقدّر استهلاك الأردنيين، إضافة إلى اللاجئين والوافدين الموجودين على الأراضي الأردنية خلال الشهر، بـ20 ألف طن من مادة الأرز، و30 ألف طن من مادة السكر، و10 آلاف طن من اللحوم والدواجن والأسماك، و5 آلاف طن من المكسرات، وفقاً لرئيس "النقابة العامة لتجار المواد الغذائية"، سامر الجوابرة.
ويقول الجوابرة، لـ"العربي الجديد": "تتوفر في الأسواق كميات أكبر من المطلوبة للشهر، حيث انتهى التجار، في مطلع يونيو/ حزيران الجاري، من استيراد متطلبات الشهر من 83 دولة".
وينصح الجوابرة المواطنين بعدم التهافت على الشراء والالتزام بشراء احتياجاتهم بحسب المعتاد حتى لا يكونوا سبباً في ارتفاع الأسعار نتيجة زيادة الطلب المفاجئ، بل يتوقع أن تنخفض الأسعار نتيجة للعروض على السلع التي بدأها التجار.
رغم كل التطمينات والنصائح، أثبتت التجارب أن الأردنيين يقبلون على الشراء قبل بدء رمضان دون مراعاة لحاجاتهم الأساسية، حتى ليشعر المراقب أن حرباً ستندلع واقتضى الاستعداد لها بتخزين المؤونة، فيشتري كل فرد حسب طاقته ما هو فائض عن حاجته، فيما ينتظر المعدمون ما يجود به المتبرّعون الكثر خلال الشهر، والذي قد يفيض عن حاجتهم أيضاً.
ويعزّز ذلك السّلوك لديهم استعداد التجار المسبق للشهر، حيث بدأوا يعرضون البضائع الخاصة به، فقد أخذت التمور و"قمر الدين" ومستلزمات القطايف (الحلويات الشعبية)، من قشطة وفستق وجوز الهند، مكانها في واجهات العرض. كما احتلت زينة رمضان، من فوانيس وإضاءة، مكانها في المحال المخصصة لها، ولدى الباعة على الطرق، الأمر الذي يفتح "الشهية" على التسوّق.
ويحلم باعة العصائر بإقبال أكبر على بضاعتهم خلال الشهر، فهم متفائلون بطول ساعات الصوم وارتفاع درجات الحرارة. يقول أحمد الياسري، صاحب محل عصائر في عمّان: "الصائمون في رمضان ينتظرون أذان المغرب للشرب وليس للأكل".
"العزيمة" واجب
الدعوات الرمضانية على الإفطار أكثر ما يشغل الأردنيين خلال الشهر، حيث يتبادلونها مع عائلاتهم ومعارفهم. ولا يثنيهم عنها ضيق الحال، فقد يضطر الأردني للاستدانة لإعداد موائد الافطار التي أصبحت واجباً أكثر منها طقساً. وغالباً ما يكون لـ"المنسف"، وهو الأكلة الشعبية في الأردن (تتكون من اللحم والأرز واللبن)، الحضور الأكبر على الموائد الرمضانية، كدليل على الكرم وتقدير الضيوف.
يفضّل معظم الأردنيين، خاصة أصحاب الدخل المحدود، الإفطار والسهر في بيوتهم، ويبتعدون عن ارتياد الخيم الرمضانية التي يصل متوسط ما يدفعه الفرد فيها إلى 25 ديناراً (نحو 35 دولاراً)، مقابل وجبة إفطار وسهرة رمضانية، وغالباً لا يشمل السعر جميع الخدمات.
ويستعد أصحاب المقاهي والخيم الرمضانية للشهر الذي يتزامن مع استمرار مباريات كأس العالم، حيث يهدفون إلى توفير أجواء رمضانية دون حرمان مشجعي الكرة من متابعة المباريات.
يقيم أحمد العبسي، صاحب مطعم، سهرات رمضانية وقد وفّر شاشة عرض ضخمة لعرض مباريات المونديال. يقول: "السهرات الرمضانية هذا العام تتنوع بين كرة القدم والفرق الغنائية، فالمطلوب تلبية كل رغبات الزبون".
يختلف رمضان في كل عام عن الذي سبقه، وتختفي طقوس كانت في الماضي من المسلّمات. "المسحّراتي"، طقس رمضاني يفتقده الأردنيون. فمنذ سنوات تراجع وجوده وانقرض تقريباً بفعل تطور وسائل التنبيه الالكترونية. كما بدأ طقس تبادل الصحون قبل ساعات الإفطار بالانقراض، حيث ينشغل اليوم كل بيت بإعداد إفطاره بعيداً عن الجيران الذين تراجعت علاقاتهم بعضهم مع البعض، لا سيما في المدن.
في العاصمة عمّان، لا يزال يطلق مدفع رمضان إيذاناً بموعد الافطار، ولا يزال الاطفال يتدافعون بعد الإفطار للتعبير عن فرحهم بانقضاء يوم آخر من أيام الصوم بإطلاق الألعاب النارية.
وفي كل رمضان يعيد الكبار، المثقلون بالالتزامات، عبارة: "رمضان زمان غير". يبرّرون قولهم بأن الشهر يأتي فتنضب جيوبهم. وتنضب مرة أخرى في نهايته خلال استعدادهم لاستقبال العيد بشراء الملابس لأبنائهم والحلويات لضيوفهم. لكن رغم كل ذلك، تظلّ للشهر حلاوته الخاصة.