العرب يحتلّون شوارع الأنغلوساكسون في لندن

18 نوفمبر 2014
محال العرب تقصدها جميع الجنسيات على السواء (العربي الجديد)
+ الخط -
لم يَدُر في خلد شعب الأنغلوساكسون، أن تصبح مناطقهم في حيّ أكتون غربي العاصمة البريطانية لندن، أرضاً للجاليات الشرقية، والعربية على وجه الخصوص، وأن تحلّ محلّ ثقافة السمك والبطاطا وموسيقى القِرب، معجنات "المنقوشة" والشّاورما وصوت فيروز وأنغام الموسيقى الشّرقية في المساء.

الأنغلوساكسون هم القبائل الجرمانية التي غزت بريطانيا وسكنتها منذ القرن الخامس الميلادي، لكنّ باب الهجرة إلى الجزيرة البريطانية لم يتوقف، وصار للجاليات العربية نصيب فيها، لكن بعد ذلك بقرون طويلة. وحلّ ببعضهم المطاف في أكتون، التي ظلّت تحتفط باسمها الأنغلوساكسوني، وتعني "مزرعة البلّوط".

العرب في أكتون

اليوم تشهد منطقة أكتون على الفرص التي لم يفلتها شبابنا العربي من بين أيديهم في بريطانيا. يبلغ عدد سكّانها 62.480 ألف ومساحتها 9.20 كيلومتر مربع، وتترامى على أطرافها لمسات شرقية تتجلّى في المطاعم والمقاهي ومحال السمانة والحلويات والأفران والجزارة وغيرها.

في جولة لـ"العربي الجديد" بين أنحاء المنطقة، وفي أروقتها الصغيرة، تواجه الزائر العديد من المحال العربية الصّغيرة المتوارية في طرق فرعية. ومنها محلّ حلويّات فاخوري، حيث رحّب بنا مصطفى فاخوري، في مكان مميّز بتصاميم جميلة للمناسبات المختلفة. انتقلنا بعدها إلى باتيسري روز للحلويات الشّرقية والكيك ومناسبات الأعراس وأعياد الميلاد، ومنه إلى المحمصة اللبنانية وأفران الجبل، التي يقصدها العرب والأجانب على حدّ سواء من جميع أرجاء البلد، لشراء المكسّرات الطازجة والمعجّنات.

ما هي إلاّ خطوات معدودة، حتّى يجد الزائر نفسه أمام محال أكبر حجماً، احتلّت شوارع عديدة وظهرت لافتاتها واضحة، بحيث يحتار المرء حين يقف بين سويت لاند، وباتشي، للحلويات العربية والشّرقية على أنواعها.

ويعتلي العلم اللبناني لافتة المركز اللبناني، الذي يحتلّ وسط شارع رئيسي في أكتون، وإلى جانبه مطعم الضّيعة اللبنانية. وما أن تدخل المركز اللبناني حتّى تشعر كأنّك في دولة عربية، حيث تتكدّس جميع أنواع المخللّات والزيتون والأجبان والزعتر وغيرها من مأكولات بلادنا.

أمّا مطعم الضّيعة اللبنانية فيرّحب بزوّاره بجلسات عربية في الخارج، حيث يتصاعد دخان النرجيلة، وفي الداخل تزيّن جدرانه لوحات طبيعية من مناطق عربية، بغية إضفاء سحر الشّرق.

صاحب المركز اللبناني ومطعم الضّيعة اللبنانية، الشّاب عبّاس جابر، روى لـ"العربي الجديد" عن بداياته في لندن منذ العم 1987، حين كان عمره 20 عاماً فقط. هاجر من مدينة النبطيّة في جنوب لبنان "حيث لا يتمتّع المواطن بحقوق"، على حدّ تعبيره: "جينا نفتّش على حقوقنا". وقد بدأ العمل في فرع من سلسلة مطاعم ماكدونالدز، ثم في محلات تبيع أدوات منزلية وإلكترونية، وفي فنادق، حتّى تسنّى له افتتاح مطعم "كولونز" في شارع "إدجوارد روود" في وسط لندن في العام 1990.

انتقلت بعدها إلى المأكولات العربية، فافتتح محل "شتورة"، وبات وكيل ماركة "حدائق شتورة" للمعلّبات في لندن، ووكيل جزء من ماركات "الضيعة" و"الكورة" و"عبيدو" و"قرطاس"، لأنّ القانون البريطاني تبدّل مع ازدياد العرب، فلم يعد هناك وكيل واحد لبضاعة معيّنة بل وكلاء بحسب المنطقة.

من جهته، قال عبد الله الحقوق، وهو لبناني من منطقة البقاع، إنّه ترك لبنان في العام 2003 بسبب غياب فرص العمل، وبدأ العمل في ملحمة لندنية، إلى أن يسّرت له الظروف افتتاح، "ملحمة ومشاوي لبنان" في أكتون العام 2012، وفيها ملحمة وسوبرماركت ومطعم للمأكولات اللبنانية، على ما قال لـ"العربي الجديد".

أمّا "أفران كميل" فتكتظّ بالزبائن، ولا تهدأ حركة العاملين فيها لتلبية الطلبات الكثيرة. والمالك كميل مجدلاني وصل إلى لندن في عام 1976، برفقة عائلة لبنانية من صيدا. عمل طبّاخاً لدى العائلة، وتنقّل بعدها في مهن مختلفة إلى أن افتتح "أفران كميل" حيث يعمل منذ 20 عاماً.

تمازج حضارات

اختلاط الإنجليز بشعوب مختلفة ساهم في تعرّف هؤلاء إلى حضارات كانوا يرونها من منظار ضيّق، خصوصاً الوطن العربي، الذي لطالما تصوّر الكثير منهم أنّه عبارة عن صحراء وجِمَال وجهل، ليس إلا. كما ساعدت الهجرات العربية في تغيير نظرة العرب إلى أوروبا على أنّها فوق الخيال، أو بلاد الفساد.

والهجرات إلى الجزيرة البريطانية لم تتوقف، لكنها كانت الجلاّد والمحامي في الوقت ذاته. فاليد التي هجّرت وقتلت في الشّرق تحت غطاء تحرير المنطقة، هي ذاتها التي رحّبت وأخذت المهاجرين في أحضانها بالغرب. كما حقّقت أحلام الكثير من الشبّان العرب الذين بنوا فيها مستقبلاً لهم ولعائلاتهم، بعدما فشلوا في بلادهم التي لم توفّر لهم أبسط مقوّمات الحياة.
المساهمون