12 يونيو 2018
العرب وعقدة الدقائق الأخيرة
منذ انطلاق صافرة المباراة الافتتاحية لبطولة كأس العالم 2018 في روسيا، والجماهير العربية تتطلع إلى ظهور مختلف ولافت للفرق العربية المشاركة في هذه البطولة، ولا سيما أن المونديال يشهد في نسخته الحادية والعشرين لأول مرة مشاركة أربع فرق عربية، هي: مصر وتونس والمغرب والسعودية.
وتُعول الفرق العربية على نجومية بعض لاعبيها، واكتسابهم الرتم الأوروبي القائم على السرعة والمهارة والأداء الجماعي، علاوة على الحماسة لتحقيق رقمٍ مشرفٍ ينهي حقبة مؤلمة من عدم التوفيق والتعثر من دور المجموعات.
ورغم أن المشاركة العربية في هذه البطولة كانت مبكرة جداً بتأهل الفريق المصري إلى بطولة كأس العالم في إيطاليا عام 1934 على حساب المنتخب الفلسطيني في مباراتي الذهاب والإياب التي جرت في القاهرة والقدس، إلا أن إقصاء الفريق المصري كان مبكراً أيضاً بخروجه من الدور الأول.
وتُعول الفرق العربية على نجومية بعض لاعبيها، واكتسابهم الرتم الأوروبي القائم على السرعة والمهارة والأداء الجماعي، علاوة على الحماسة لتحقيق رقمٍ مشرفٍ ينهي حقبة مؤلمة من عدم التوفيق والتعثر من دور المجموعات.
ورغم أن المشاركة العربية في هذه البطولة كانت مبكرة جداً بتأهل الفريق المصري إلى بطولة كأس العالم في إيطاليا عام 1934 على حساب المنتخب الفلسطيني في مباراتي الذهاب والإياب التي جرت في القاهرة والقدس، إلا أن إقصاء الفريق المصري كان مبكراً أيضاً بخروجه من الدور الأول.
بخروج الفريق المصري من مونديال إيطاليا 1934، غابت شمس العرب عن البطولة حتى مونديال 1970 الذي شهد عودة المشاركة العربية في جميع نهائيات كأس العالم وصولاً إلى مونديال روسيا هذا العام.
وبتوالي الحضور العربي في المسابقة، ومشاركة فريقين أو ثلاثة في جميع الدورات اللاحقة، لم تسجل الكرة العربية حضوراً مرضياً سوى في بعض المناسبات المحدودة، رغم أن الفرصة كانت مواتية أمامها لبلوغ النهائيات وتحقيق أرقامٍ مهمةٍ تلبي طموحات الجمهور العربي المتعطش لنيل شرف البطولة ولو مرة واحدة.
وسط هذه الأجواء الملبدة بضباب الإخفاقات، يُحسب للمنتخبات الثلاثة: (المغرب والسعودية والجزائر)، كسرها لقاعدة الخروج المبكر من نهائيات كأس العالم، وبلوغها دور الـ16 بعدما قدمت أداءً كروياً رائعاً يمكن البناء عليه في المستقبل لبلوغ مراكز أكثر تقدماً وتحطيم حاجز الخوف من الفرق الكبيرة.
وبمغادرة الفريق المغربي من الدور الثاني في مونديال 1986 بعد خسارته بصعوبة أمام المنتخب الألماني بهدف مقابل لا شيء في الدقائق الأخيرة من عمر المباراة، وإقصاء المنتخب السعودي من الدور الثاني في دورة 1994 بخسارته أمام السويد بثلاثة أهداف مقابل هدف، أخذت المنتخبات العربية على عاتقها تلقي الهزائم والضربات الواحدة تلوَ الأخرى.
عشرون عاماً عجافاً تلت خروج السعودية من كأس العالم عام 1994، لم تقدم فيها الكرة العربية عروضاً مميزة، ولم تفلح في إسعاد الجماهير العربية إلى أن جاء محاربو الصحراء في مونديال 2014، ليعيدوا الأمل لأكثر من 320 مليون عربي من المحيط إلى الخليج، يرمقون بأعينهم إنجازاً قريباً تقدمه الكرة العربية لجماهيرها.
ولسوء الحظ ودع المنتخب الجزائري البطولة من الدور الثاني بعد تعثره أمام المنتخب الألماني الذي سبق لمحاربي الصحراء هزيمته في مباراة تاريخية جمعت المنتخبين في مونديال 1982، وتغلب فيها المنتخب العربي الجزائري على المنتخب الألماني بهدفين مقابل هدف واحد.
في الوقت الذي أعلن الاتحاد الدولي لكرة القدم (الفيفا) أن الهدف من تنظيم البطولة مرة كل أربعة أعوام يتجلى في غرس ثقافة الرياضة النظيفة والمنافسات الشريفة، كانت بطولات كأس العالم مسرحاً قذراً للتآمر على الفرق العربية وطردها من البطولة، فما زالت سجلات كرة القدم تحفظ جيداً في ذاكرتها تآمر النمسا وألمانيا في مونديال 1982 بإسبانيا، للإطاحة بمحاربي الصحراء من البطولة، ومنعهم من الصعود إلى الدور الثاني. ليس هذا على سبيل الاتهام، فقد اعترف بذلك حارس مرمى ألمانيا الغربية وقتها (هارالد شوماخر)، عند زيارته للجزائر في 2008 قائلا: "أعترف بأننا قمنا مع منتخب النمسا بترتيب اللقاء الذي جمع بيننا من أجل إقصاء الجزائر والتأهل سوياً في مونديال إسبانيا 82 إلى الدور الثاني".
وتكرر السيناريو ذاته في مونديال 1998 بفرنسا عندما فتح الفريق البرازيلي جميع خطوطه الدفاعية للمنتخب النرويجي لإحراز هدفين متتاليين في الدقائق الأخيرة، لإسقاط أسود الأطلس من الدور الأول، ومنح بطاقة التأهل للمنتخب النرويجي.
لكن هل خيبة الأمل التي تعيشها الجماهير العربية وهزيمة تونس أمام إنكلترا في الدقيقة 90 ومصر أمام منتخب أوروغواي في الدقيقة 89 باعثها الأساسي لعنة الدقائق الأخيرة التي تطارد الفرق العربية أم أن هناك عوامل استراتيجية وتكتيكية تقف وراء النتائج المتواضعة التي حققتها الكرة العربية في بطولة روسيا هذا العام والبطولات السابقة؟
يجمع الخبراء والناقدون والمحللون الرياضيون العرب في ميدان كرة القدم على أن تراجع الكرة العربية، وعدم قدرتها على التأثير في محيطها الدولي، وفشل بعضها في الوصول إلى كأس العالم، يعود بالأساس إلى غياب الاستراتيجيات الرياضية الواعدة لتطوير الرياضة العربية، وعدم وجود رؤيا رياضية كروية شاملة تحاكي النمط الأوروبي، وضعف المنافسات الرياضية المحلية، وعدم قدرة الاتحادات الرياضية العربية على استثمار مشاريع الاحتراف للكثير من النجوم العرب، والتذبذب المستمر للطاقم الفني والإداري، وانحصار الطموح العربي في بلوغ النهائيات دون التفكير مطلقاً في المنافسة على اللقب.
أما البنية التحتية من ملاعب ومعسكرات تدريب وأدوات لوجستية، فلا تتمتع بنصيب وافر من الاهتمام، في ظل ما تعانيه الاتحادات الرياضية من فساد وخلافات ومحسوبية وتسييس للعبة، وتسخيرها لخدمة النظام السياسي.
ومن المشاكل التكتيكية التي تعاني منها الفرق العربية: غياب التركيز، والبطء الشديد في بناء الهجمات، والبطء في تحضير الهجمات المرتدة، وضعف الانسجام بين اللاعبين، والتركيز على الشق الدفاعي، ولا سيما في المباريات الكبيرة، والخوف من اللعب المفتوح والهجمات المتبادلة.
يقول المثل العربي: "الحلم ما هو مستحيل.. ما دام تحقيقه مباحاً"، ولكن قبل كل ذلك علينا أن نُعد أنفسنا جيداً لترميم الفوارق البنيوية والفنية بين اللاعب العربي والأوروبي، والتحرر من عقدة المشاركة دون ترك أي بصمة على الخارطة الكروية العالمية، والبحث عن إجابات واضحة لحقيقة وجذور المشكلة دون القفز عن الفشل بخرافة سوء التوفيق والخسارة المشرفة وتقديم العروض الطيبة والقضاء والقدر، وكأن الفشل قدرنا والنجاح قدر الآخرين، وليس بالإمكان أفضل مما كان!
لا بد أن العقدة الحقيقية التي يتجاهلها الجميع تكمن في اتحادات الرياضة ووزارات الشباب في بلادنا التي يديرها العجائز ويقودها الكهول ويتحكم في مفاصلها أصحاب الاستثمارات السوداء. يجب أن يشعر الجميع بأن تتمة القصيدة في حلمنا العربي الجميل مفادها: "حاول، جرّب وبتوصل.. شرف التجربة يكفيك".
فماذا عسانا فاعلين للوصول إلى هذا الحلم الكبير، ولا سيما أن العرب سيستضيفون المونديال القادم؟ فلنراجع جميعاً حساباتنا، فما زال هناك متسع من الوقت قبل أن نواجه المصير ذاته الذي نتجرع مرارته اليوم في مونديال روسيا.