13 يونيو 2021
العرب وإسرائيل في أفريقيا.. العلاقات الواسعة والقمة "المؤجلة"
تهللت الأسارير العربية كالعادة بعد قرار الحكومة الإسرائيلية في 11 سبتمبر/ أيلول الماضي، تأجيل عقد القمة الإسرائيلية الأفريقية التي كان يفترض أن تستضيفها توغو (غرب أفريقيا) في أكتوبر/ تشرين الأول الجاري. وعلى الرغم من أن بيان الخارجية الإسرائيلية أكد على أن القمة تم تأجيلها، ولم تلغ، وأن عملية التأجيل تمت بناء على التشاور بين رئيس توغو، فور غناسينغي، ورئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، لأسباب تتعلق بالاضطرابات التي تشهدها توغو، وخصوصا الاحتجاجات ضد الرئيس، بسبب الاضطهاد وكبت الحريات وتعديلات الدستور التي تعطي الرئيس حق الترشح ثلاث مرات، وليس مرتين كما هو متبع في معظم الدول الأفريقية، فضلا عن التأكيد على أنه تم الاتفاق على تحديد مكان وزمان جديدين، لم يتم الإفصاح عنهما. على الرغم من هذا كله، خرجت عناوين الصحف العربية والفلسطينية لتشيد بالقرار من ناحية، ولتنسب الفضل في ذلك إلى التحركات العربية والفلسطينية والمغربية في عملية الإلغاء. وقد قالت الخارجية الفلسطينية، في بيان لها، إن قرار تأجيل القمة جاء نتيجة ضغوط فلسطينية، مورست بشتى الطرق مع كل الفرقاء، لتبني العمل المشترك لإفشال عقدها، كونها تستهدف تعزيز سطوة إسرائيل في القارة الأفريقية.
هل العرب وراء الإلغاء؟
على الرغم من أن عملية الإرجاء جاءت نتيجة ضغوط معينة، لم يفصح عنها صراحة، حتى في بيان الخارجية الإسرائيلية الذي اكتفى بالإشارة إلى اعتبارات أمنية ولوجستية ترتبط بدولة المقر (توغو)، إلا أنه قد يصعب القول إن السبب الرئيس للإرجاء يعود إلى التحركات الفلسطينية والعربية والمغربية. صحيح أنه ربما يكون ذلك أحد الأسباب، ولكنه ليس السبب الرئيس لعدة أسباب:
أولا: وجود حالة من عدم الاكتراث العربي بهذه القمة، بدليل أن أول اجتماع طارئ لجامعة الدول العربية على مستوى وزراء الخارجية جاء بعد ستة أشهر من تلقي نتنياهو الدعوة الرسمية بشأنها، في ديسمبر/ كانون الأول 2016، وقد جاء الاجتماع بناء على طلب فلسطين لبحث موضوع تأثير التغلغل الإسرائيلي في أفريقيا على القضية الفلسطينية، وربما كان الدافع الرئيس لهذا الاجتماع الذي جاء بعد أسبوع من حصار قطر في 5 يونيو/ حزيران، هو الخوف من الآثار السلبية لمشاركة نتنياهو للمرة الأولى، وكأول رئيس غير أفريقي، في قمة الجماعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (إيكواس) التي استضافتها ليبيريا أوائل يونيو/ حزيران الماضي، وتضم 15 دولة. ويلاحظ أن موضوع الاجتماع اقتصر فقط على تأثير تداعيات هذا التقارب على القضية الفلسطينية، وليس على مجمل التهديدات الإسرائيلية للأمن القومي العربي، عبر بوابة أفريقيا في إطار الاستراتيجية التاريخية "شد الأطراف ثم بترها"، والتي تستهدف إحداث قلاقل وانقسامات في الدول العربية المحيطة بإسرائيل، مثل مصر عبر إحداث قلاقل في السودان، من خلال دعم التمرد في جنوب السودان، والعراق حيث دعم انفصال الأكراد.
ثانيا: ما تمخض عنه الاجتماع الوزاري العربي الطارئ بخصوص هذا التقارب الأفريقي مع إسرائيل لم يدخل حيز التنفيذ. أي الاتفاق على قيام وزراء خارجية عرب بجولة أفريقية، للتحذير من مخاطر التقارب الإسرائيلي على القضية الفلسطينية خصوصا، وعلى العلاقات العربية الأفريقية عموما.
ثالثا: لم يخصص اجتماع البرلمان العربي في 11 يوليو/ تموز الماضي جلسة لموضوع التطبيع الإسرائيلي مع أفريقيا، كما أن خطة العمل التي صدرت عنه كانت "توصية غير ملزمة" مُوجهة إلى أعضاء البرلمان في ثنايا البيان الختامي.
رابعا: جاء اجتماع وزراء الخارجية العرب، في 12 سبتمبر/ أيلول الماضي، بعد يوم من قرار تأجيل القمة وليس قبلها، ناهيك عن أنه لم يشر، من قريب أو بعيد، إلى هذا الموضوع، وإنما كان التركيز على الخلافات العربية –العربية، خصوصا ما يتعلق بموقف دول الحصار الأربع من قطر، والتي يبدو أنها باتت لها الأولوية حتى في العلاقات العربية الأفريقية، حيث كان من أهداف زيارة الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، في أغسطس/ آب الماضي، أفريقيا هو تحريض دولة، مثل تشاد، على قطع علاقاتها الدبلوماسية مع الدوحة، كما حرّضت دول الحصار الدول الأفريقية ضد الدوحة، مستخدمة ورقة المساعدات من ناحية، وإمكانية منع مواطني هذه الدول، خصوصا ذات الأغلبية المسلمة من الحصول على تأشيرة الحج من ناحية ثانية (الصومال تحديدا). وبالتالي باتت الساحة الأفريقية للأسف أداة لحشد دول القارة مع هذا الطرف العربي أو ذاك، وليس أداة لحشد الجميع لصالح العرب في مواجهة إسرائيل.
المغرب وجنوب أفريقيا وقرار الإلغاء
وبشأن ما تردد عن وجود دور للمغرب تحديدا على الصعيد العربي، وجنوب أفريقيا على الصعيد الأفريقي، لتأجيل القمة، فقد يكون في هذا الكلام شيء من الصحة، لكنه يفتقد الدقة، فالمغرب على الرغم من أنه منوط به ملف القدس، إلا أنها لم يستطع منع حضور نتنياهو قمة "الإيكواس" في يونيو/ حزيران الماضي، وإنما اكتفى الملك محمد السادس بالمقاطعة، على الرغم من حرصه على المشاركة من أجل الرغبة في الانضمام لهذا التكتل الأفريقي. ومن ناحية ثانية، هناك تقارير إعلامية ترى أن الدافع (أو السعي) المغربي وراء تأجيل هذه القمة لا يرجع إلى القضية الفلسطينية، بقدر ما يرجع إلى خشية المغرب من منافسة إسرائيل لها، في أقرب الأقاليم المجاورة لها، غرب أفريقيا، لا سيما في ظل توجه الرباط، أخيرا، صوب العودة القوية إلى أفريقيا، بما في ذلك الاتحاد الأفريقي، على الرغم من عدم حسم قضية عضوية الصحراء الغربية به حتى الآن.
وبالنسبة لجنوب أفريقيا، هناك من يرى أن حزب المؤتمر الوطني وراء تأجيل القمة، عندما أصدر "وثيقة نقاش" في يوليو/ تموز 2017، تدعو إلى إيجاد مبادرات لعرقلة اقتراب إسرائيل من الدول الأفريقية عامة، وإلى عدم انعقاد المؤتمر في لومي خصوصا. وتؤكد جنوب أفريقيا على تضامنها مع "شعب غزة ومع مساعي الفلسطينيين في إقامة دولتهم". وتعتبر وثيقة الحزب الحاكم في جنوب أفريقيا أن "إسرائيل تبحث عن داعمين في القارة الأفريقية، بهدف تقويض القضية الفلسطينية". وإذا كان هذا الكلام صحيحا بعض الشيء، فهو يفتقد الدقة أيضا، فبريتوريا من أوائل الدول التي قامت بالتطبيع مع إسرائيل، سواء في ظل حكم البيض والسود، ويقوم مواقفها على تحقيق التوازن مع كل من الطرفين، الإسرائيلي والعربي الفلسطيني. ومن هنا، هي تؤيد فكرة حق إقامة الدولتين، وتنتقد كذلك الانتهاكات الإسرائيلية في الأراضي المحتلة، لكنها في المقابل قد تتعارض مع دول الخليج، والدول العربية عموما، في مواقف أخرى، ومن ذلك تصويتها، في نوفمبر/ تشرين الثاني 2009، على قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة بشأن تقرير القاضي الجنوب أفريقي، غولد ستون، بخصوص العدوان الإسرائيلي على غزة 2008، والذي اتهم الجيش الإسرائيلي بارتكاب جرائم حرب. وهنا تبرز أيضا الدوافع الاقتصادية وراء رغبة جنوب أفريقيا، وسعيها إلى إرجاء القمة خشية المنافسة الإسرائيلية في الإقليم البعيد عنها (غرب أفريقيا)، والتي قد تمتد إلى مناطق نفوذ بريتوريا التقليدية في جنوب القارة.
العرب وحدود التأثير
يشير ما سبق إلى وجود حالة من انحسار الوجود، أو النفوذ، العربي في أفريقيا بصفة عامة. وفي حالة هذا الوجود، فإنه يركز على قضايا أخرى، غير القضية الفلسطينية والصراع مع إسرائيل، إلى قضايا أخرى، منها الحشد الأفريقي لمواجهة العرب بعضهم بعضا. وربما يعود هذا التراجع العربي في أفريقيا إلى عدة أمور:
أولا، التطبيع المصري مع إسرائيل، فأحد أسباب قطع العلاقات الأفريقية بإسرائيل كانت حرب أكتوبر/ تشرين الأول 1973. ولكن عندما قامت مصر بالتطبيع مع إسرائيل، لم يعد هناك مبرر للدول الأفريقية لاستمرار فكرة القطيعة. لذا وجدنا هرولة أفريقية للتطبيع مع تل أبيب، في مقابل تراجع التقارب العربي الأفريقي، فوفق بيانات الخارجية الإسرائيلية لعام 2005، لإسرائيل علاقات مع 44 دولة أفريقية، وارتفعت هذه النسبة، أخيرا، بعد التطبيع مع غينيا نهاية عام 2016. وفي المقابل، وجدنا انحسارا في القمم العربية –الأفريقية، فبين أول قمة بين الجانبين عقدت في القاهرة 1977 والقمة التي تليها التي عقدت في سرت 2010 قرابة 33 عاما. وذلك بسبب غياب الإرادة السياسية، خصوصا بعد تطبيع مصر مع إسرائيل، أو بسبب عدم وجود الآليات اللازمة لتفعيل العلاقة مع أفريقيا. وعلى الرغم من انتظام هذه القمم بعد سرت، في الكويت 2013 وغينيا الاستوائية 2016، إلا أنها لم تكن فاعلة، فقمة غينيا الاستوائية، على سبيل المثال، شهدت انقساما عربيا - عربيا بسبب وجود وفد ما تسمى "الجمهورية الصحراوية"، حيث أيدته مصر وعارضته دول الخليج، ما ترتب عليه انسحاب وفود عديدة. وكانت منظمة الوحدة الأفريقية قد قبلت "الجمهورية الصحراوية" في عضويتها عام 1984، وهو ما سار عليه الاتحاد الأفريقي. وهكذا أصبحت القمم العربية الأفريقية حال انعقادها أداة للخلاف العربي العربي، فضلا عن عدم جاذبيتها للطرفين، العربي الأفريقي.
ويتعلق ثاني هذه الأمور بالانكفاء العربي على الذات، فضلا عن انشغال دول عربية عديدة بالربيع العربي والثورات المضادة، وما ترتب عليها من الانشغال بالخلافات، بل والحروب الداخلية عن الانشغال بقضية التوجه الجماعي نحو أفريقيا، وما يعنيه ذلك، في أحد أبعاده، من غياب خطة لتحجيم النفوذ الإسرائيلي في القارة. وفي حالة وجودها، فإنها تفتقد الآليات أو الإرادة السياسية اللازمة لتحقيق ذلك. ويتعلق ثالث هذه الأمور بالانشغال العربي بالأزمة الخليجية وحصار قطر. وكما سبق القول، بات الشغل الشاغل في التواصل العربي مع أفريقيا هو رغبة دول الحصار في التحريض ضد الدوحة.
يُقابل هذا التراجع العربي في أفريقيا، أيضا، بعدم اكتراث أفريقي. ومن ذلك ما قاله رئيس توغو، في مؤتمر صحافي، عقب زيارته إسرائيل، العام الماضي، وتوجيهه الدعوة لاستضافة القمة في بلاده، فعندما سئل عن خشيته من رد الفعل العربي الغاضب على ذلك، أجاب "توغو بلد صغير لم يحصل يومًا على مليارات الدولارات، لا من السعودية ولا من قطر. والسكان المسلمون في توغو قليلو العدد وغير نشطين، وبالتالي فإن خطر ردِّ الفعل السياسي منخفض".
يطرح هذا الفتور العربي الأفريقي، في النهاية، التساؤل عن الطرف المستفيد من هذا التباعد من العلاقة ، وهل فعلا باتت إسرائيل المستفيد الأكبر من هذا الفراغ العربي في القارة السمراء، حتى ولو تم إرجاء أول قمة لها مع دول القارة إلى حين؟
هل العرب وراء الإلغاء؟
على الرغم من أن عملية الإرجاء جاءت نتيجة ضغوط معينة، لم يفصح عنها صراحة، حتى في بيان الخارجية الإسرائيلية الذي اكتفى بالإشارة إلى اعتبارات أمنية ولوجستية ترتبط بدولة المقر (توغو)، إلا أنه قد يصعب القول إن السبب الرئيس للإرجاء يعود إلى التحركات الفلسطينية والعربية والمغربية. صحيح أنه ربما يكون ذلك أحد الأسباب، ولكنه ليس السبب الرئيس لعدة أسباب:
أولا: وجود حالة من عدم الاكتراث العربي بهذه القمة، بدليل أن أول اجتماع طارئ لجامعة الدول العربية على مستوى وزراء الخارجية جاء بعد ستة أشهر من تلقي نتنياهو الدعوة الرسمية بشأنها، في ديسمبر/ كانون الأول 2016، وقد جاء الاجتماع بناء على طلب فلسطين لبحث موضوع تأثير التغلغل الإسرائيلي في أفريقيا على القضية الفلسطينية، وربما كان الدافع الرئيس لهذا الاجتماع الذي جاء بعد أسبوع من حصار قطر في 5 يونيو/ حزيران، هو الخوف من الآثار السلبية لمشاركة نتنياهو للمرة الأولى، وكأول رئيس غير أفريقي، في قمة الجماعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (إيكواس) التي استضافتها ليبيريا أوائل يونيو/ حزيران الماضي، وتضم 15 دولة. ويلاحظ أن موضوع الاجتماع اقتصر فقط على تأثير تداعيات هذا التقارب على القضية الفلسطينية، وليس على مجمل التهديدات الإسرائيلية للأمن القومي العربي، عبر بوابة أفريقيا في إطار الاستراتيجية التاريخية "شد الأطراف ثم بترها"، والتي تستهدف إحداث قلاقل وانقسامات في الدول العربية المحيطة بإسرائيل، مثل مصر عبر إحداث قلاقل في السودان، من خلال دعم التمرد في جنوب السودان، والعراق حيث دعم انفصال الأكراد.
ثانيا: ما تمخض عنه الاجتماع الوزاري العربي الطارئ بخصوص هذا التقارب الأفريقي مع إسرائيل لم يدخل حيز التنفيذ. أي الاتفاق على قيام وزراء خارجية عرب بجولة أفريقية، للتحذير من مخاطر التقارب الإسرائيلي على القضية الفلسطينية خصوصا، وعلى العلاقات العربية الأفريقية عموما.
ثالثا: لم يخصص اجتماع البرلمان العربي في 11 يوليو/ تموز الماضي جلسة لموضوع التطبيع الإسرائيلي مع أفريقيا، كما أن خطة العمل التي صدرت عنه كانت "توصية غير ملزمة" مُوجهة إلى أعضاء البرلمان في ثنايا البيان الختامي.
رابعا: جاء اجتماع وزراء الخارجية العرب، في 12 سبتمبر/ أيلول الماضي، بعد يوم من قرار تأجيل القمة وليس قبلها، ناهيك عن أنه لم يشر، من قريب أو بعيد، إلى هذا الموضوع، وإنما كان التركيز على الخلافات العربية –العربية، خصوصا ما يتعلق بموقف دول الحصار الأربع من قطر، والتي يبدو أنها باتت لها الأولوية حتى في العلاقات العربية الأفريقية، حيث كان من أهداف زيارة الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، في أغسطس/ آب الماضي، أفريقيا هو تحريض دولة، مثل تشاد، على قطع علاقاتها الدبلوماسية مع الدوحة، كما حرّضت دول الحصار الدول الأفريقية ضد الدوحة، مستخدمة ورقة المساعدات من ناحية، وإمكانية منع مواطني هذه الدول، خصوصا ذات الأغلبية المسلمة من الحصول على تأشيرة الحج من ناحية ثانية (الصومال تحديدا). وبالتالي باتت الساحة الأفريقية للأسف أداة لحشد دول القارة مع هذا الطرف العربي أو ذاك، وليس أداة لحشد الجميع لصالح العرب في مواجهة إسرائيل.
المغرب وجنوب أفريقيا وقرار الإلغاء
وبشأن ما تردد عن وجود دور للمغرب تحديدا على الصعيد العربي، وجنوب أفريقيا على الصعيد الأفريقي، لتأجيل القمة، فقد يكون في هذا الكلام شيء من الصحة، لكنه يفتقد الدقة، فالمغرب على الرغم من أنه منوط به ملف القدس، إلا أنها لم يستطع منع حضور نتنياهو قمة "الإيكواس" في يونيو/ حزيران الماضي، وإنما اكتفى الملك محمد السادس بالمقاطعة، على الرغم من حرصه على المشاركة من أجل الرغبة في الانضمام لهذا التكتل الأفريقي. ومن ناحية ثانية، هناك تقارير إعلامية ترى أن الدافع (أو السعي) المغربي وراء تأجيل هذه القمة لا يرجع إلى القضية الفلسطينية، بقدر ما يرجع إلى خشية المغرب من منافسة إسرائيل لها، في أقرب الأقاليم المجاورة لها، غرب أفريقيا، لا سيما في ظل توجه الرباط، أخيرا، صوب العودة القوية إلى أفريقيا، بما في ذلك الاتحاد الأفريقي، على الرغم من عدم حسم قضية عضوية الصحراء الغربية به حتى الآن.
وبالنسبة لجنوب أفريقيا، هناك من يرى أن حزب المؤتمر الوطني وراء تأجيل القمة، عندما أصدر "وثيقة نقاش" في يوليو/ تموز 2017، تدعو إلى إيجاد مبادرات لعرقلة اقتراب إسرائيل من الدول الأفريقية عامة، وإلى عدم انعقاد المؤتمر في لومي خصوصا. وتؤكد جنوب أفريقيا على تضامنها مع "شعب غزة ومع مساعي الفلسطينيين في إقامة دولتهم". وتعتبر وثيقة الحزب الحاكم في جنوب أفريقيا أن "إسرائيل تبحث عن داعمين في القارة الأفريقية، بهدف تقويض القضية الفلسطينية". وإذا كان هذا الكلام صحيحا بعض الشيء، فهو يفتقد الدقة أيضا، فبريتوريا من أوائل الدول التي قامت بالتطبيع مع إسرائيل، سواء في ظل حكم البيض والسود، ويقوم مواقفها على تحقيق التوازن مع كل من الطرفين، الإسرائيلي والعربي الفلسطيني. ومن هنا، هي تؤيد فكرة حق إقامة الدولتين، وتنتقد كذلك الانتهاكات الإسرائيلية في الأراضي المحتلة، لكنها في المقابل قد تتعارض مع دول الخليج، والدول العربية عموما، في مواقف أخرى، ومن ذلك تصويتها، في نوفمبر/ تشرين الثاني 2009، على قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة بشأن تقرير القاضي الجنوب أفريقي، غولد ستون، بخصوص العدوان الإسرائيلي على غزة 2008، والذي اتهم الجيش الإسرائيلي بارتكاب جرائم حرب. وهنا تبرز أيضا الدوافع الاقتصادية وراء رغبة جنوب أفريقيا، وسعيها إلى إرجاء القمة خشية المنافسة الإسرائيلية في الإقليم البعيد عنها (غرب أفريقيا)، والتي قد تمتد إلى مناطق نفوذ بريتوريا التقليدية في جنوب القارة.
العرب وحدود التأثير
يشير ما سبق إلى وجود حالة من انحسار الوجود، أو النفوذ، العربي في أفريقيا بصفة عامة. وفي حالة هذا الوجود، فإنه يركز على قضايا أخرى، غير القضية الفلسطينية والصراع مع إسرائيل، إلى قضايا أخرى، منها الحشد الأفريقي لمواجهة العرب بعضهم بعضا. وربما يعود هذا التراجع العربي في أفريقيا إلى عدة أمور:
أولا، التطبيع المصري مع إسرائيل، فأحد أسباب قطع العلاقات الأفريقية بإسرائيل كانت حرب أكتوبر/ تشرين الأول 1973. ولكن عندما قامت مصر بالتطبيع مع إسرائيل، لم يعد هناك مبرر للدول الأفريقية لاستمرار فكرة القطيعة. لذا وجدنا هرولة أفريقية للتطبيع مع تل أبيب، في مقابل تراجع التقارب العربي الأفريقي، فوفق بيانات الخارجية الإسرائيلية لعام 2005، لإسرائيل علاقات مع 44 دولة أفريقية، وارتفعت هذه النسبة، أخيرا، بعد التطبيع مع غينيا نهاية عام 2016. وفي المقابل، وجدنا انحسارا في القمم العربية –الأفريقية، فبين أول قمة بين الجانبين عقدت في القاهرة 1977 والقمة التي تليها التي عقدت في سرت 2010 قرابة 33 عاما. وذلك بسبب غياب الإرادة السياسية، خصوصا بعد تطبيع مصر مع إسرائيل، أو بسبب عدم وجود الآليات اللازمة لتفعيل العلاقة مع أفريقيا. وعلى الرغم من انتظام هذه القمم بعد سرت، في الكويت 2013 وغينيا الاستوائية 2016، إلا أنها لم تكن فاعلة، فقمة غينيا الاستوائية، على سبيل المثال، شهدت انقساما عربيا - عربيا بسبب وجود وفد ما تسمى "الجمهورية الصحراوية"، حيث أيدته مصر وعارضته دول الخليج، ما ترتب عليه انسحاب وفود عديدة. وكانت منظمة الوحدة الأفريقية قد قبلت "الجمهورية الصحراوية" في عضويتها عام 1984، وهو ما سار عليه الاتحاد الأفريقي. وهكذا أصبحت القمم العربية الأفريقية حال انعقادها أداة للخلاف العربي العربي، فضلا عن عدم جاذبيتها للطرفين، العربي الأفريقي.
ويتعلق ثاني هذه الأمور بالانكفاء العربي على الذات، فضلا عن انشغال دول عربية عديدة بالربيع العربي والثورات المضادة، وما ترتب عليها من الانشغال بالخلافات، بل والحروب الداخلية عن الانشغال بقضية التوجه الجماعي نحو أفريقيا، وما يعنيه ذلك، في أحد أبعاده، من غياب خطة لتحجيم النفوذ الإسرائيلي في القارة. وفي حالة وجودها، فإنها تفتقد الآليات أو الإرادة السياسية اللازمة لتحقيق ذلك. ويتعلق ثالث هذه الأمور بالانشغال العربي بالأزمة الخليجية وحصار قطر. وكما سبق القول، بات الشغل الشاغل في التواصل العربي مع أفريقيا هو رغبة دول الحصار في التحريض ضد الدوحة.
يُقابل هذا التراجع العربي في أفريقيا، أيضا، بعدم اكتراث أفريقي. ومن ذلك ما قاله رئيس توغو، في مؤتمر صحافي، عقب زيارته إسرائيل، العام الماضي، وتوجيهه الدعوة لاستضافة القمة في بلاده، فعندما سئل عن خشيته من رد الفعل العربي الغاضب على ذلك، أجاب "توغو بلد صغير لم يحصل يومًا على مليارات الدولارات، لا من السعودية ولا من قطر. والسكان المسلمون في توغو قليلو العدد وغير نشطين، وبالتالي فإن خطر ردِّ الفعل السياسي منخفض".
يطرح هذا الفتور العربي الأفريقي، في النهاية، التساؤل عن الطرف المستفيد من هذا التباعد من العلاقة ، وهل فعلا باتت إسرائيل المستفيد الأكبر من هذا الفراغ العربي في القارة السمراء، حتى ولو تم إرجاء أول قمة لها مع دول القارة إلى حين؟