العرب محرومون من "سكّة حديد الحجاز"

23 أكتوبر 2016
قبل إعادة إحياء السكة (صلاح ملكاوي/ Getty)
+ الخط -

أعادت سلطات الاحتلال الإسرائيلي يوم الأحد الماضي في 16 أكتوبر/ تشرين الأول الجاري، تشغيل خط سكة الحديد الحجازية بين حيفا والعفولة وبيسان لربط منطقة الشمال بمركز البلاد، بعدما أطلقت عليه "سكة هعيمك". والسكة التي تمتدّ على طول ستين كيلومتراً، تعدّ إحياءً لسكة الحجاز التاريخية التي بدأ العمل بها في عام 1906 في العهد العثماني والتي ربطت تركيا بالحجاز عبر سورية ولبنان وفلسطين والأردن.

ومحطة سكة حديد الحجاز ما زالت قائمة في شارع الحجاز الذي يُطلق عليه اليوم شارع "حطيبات جولاني"، وقد تحوّلت إلى متحف لشركة قطارات إسرائيل. وفي هذا المتحف نقرأ في وثائق كثيرة "قطار فلسطين" باللغتَين العربية والإنكليزية.

يشرح المتخصص في التخطيط المدني من معهد "التخنيون" للتكنولوجيا في حيفا البروفسور يوسف جبارين هذا المخطط لـ "العربي الجديد". فيقول إنّ "الهدف الأوّل من الأهداف المركزية لمشروع إعادة تطوير شركة القطارات، هو تحسين وضع الضواحي والأطراف في إسرائيل. وكانت أصوات عدّة في الحكومة قد طالبت بربط الضواحي بالمركز". يضيف أنّ "تقليص المسافة بين حاضرة حيفا والضواحي بما فيها منطقة مرج ابن عامر حتى بيسان، الهدف منه اجتماعي اقتصادي من أجل منح الفرصة لسكان الضواحي للعمل في حيفا والمركز وتشجيع وضع الضواحي".

ويوضح جبارين أنّ للأمر "بعداً جيوسياسياً، إذ إنّ منطقة مرج ابن عامر محاذية للخط الأخضر وملاصقة لمنطقة جنين، بالتالي فإنّ ذلك يعزّز الاستيطان والاقتصاد على طول الخط الأخضر. ويضمّ مشروع الاستيطان الجديد تكثيف السكن في مدينة العفولة وتحويلها إلى حاضرة في منطقة المرج. وخلال السنتَين الأخيرتَين، بُنيت عشرات آلاف البيوت لهذا الغرض". ويتابع أنّ "تطوير الشبكة وصولاً إلى بيسان، يحمل كذلك بعداً سياسياً وهو تعزيز النقل السريع بين الأردن وحيفا في المستقبل القريب. ففي بداية التسعينيات أعدّ مخطط لربط مدينة حيفا بالأردن من خلال ثلاثة مشاريع مركزية. في التطوير والتخطيط، منها شبكة سكّة الحديد هذه بالإضافة إلى تطوير شبكة طرقات سريعة. أمّا المشروع الثالث فهو قيد التنفيذ، ويقضي بتوسيع ميناء حيفا لنقل البضائع من والى الأردن وما بعد الأردن".




تجدر الإشارة إلى أنّ شبكة سكك الحديد هذه لا تهتم بالمناطق والبلدات العربية، فلا تربطها بعضها ببعض ولا حتى مع المركز وحاضرة حيفا. وعلى طول الشبكة الممتدة من بيسان إلى حيفا وإلى النقب جنوباً، لا نجد محطة واحدة في أيّ من البلدات العربية. ويعود ذلك إلى سببَين اثنين، الأول هو التفكير الأمني إذ يعدّ السكان العرب "تهديداً أمنياً" أمّا السبب الثاني فهو الاستهتار المطلق بالعرب في موضوع التخطيط والتطوير.

إلى ذلك، يتحدث جبارين عن "مشروع ضخم جداً يجري العمل عليه في مركز مرج ابن عامر، وهو سوف يمتدّ على مئات الدونمات، لتشييد المطار الدولي الثاني لإسرائيل في منطقة المرج". وعن مصير البلدات العربية في المرج، يقول إنّها "لا تستفيد من هذا التطوير المكثف والسريع ولا حتى قليلاً". يُذكر أنّ ما يتّسم به تخطيط هذه البلدات هو التضييق، الأمر الذي يؤدّي خلال السنوات الأخيرة إلى نزوح كثيف بين الشباب العرب - لا سيما الأزواج - إلى خارج منطقة المرج.

وكان وزير الإسكان الإسرائيلي يؤاف غالنت قد طرح أخيراً مقترحاً يقضي بتطوير استراتيجي لمنطقة المرج، والفصل بين الضفة الغربية ومنطقة جنين من جهة وبين الناصرة المنطقة العربية حيث الكثافة السكانية من جهة أخرى.

منذ نكبة 1948، تمكّنت سلطات الاحتلال الإسرائيلي من السيطرة على 96 في المائة من أراضي المرج، ليبقى العرب قلة قليلة في المنطقة. وبعد إنهاء مرحلة السيطرة والاستيطان المبعثر، يكثّف الاستيطان في المدينة الكبيرة العفولة والبلدات اليهودية الأصغر. هكذا، انتقلت الاستراتيجية بعد السيطرة المطلقة على الأرض إلى تعزيز الإسكان والتطوير الاقتصادي مع تجاهل للعرب، وهذا ما يعني انتقال عملية تهويد مرج ابن عامر الى مرحلة جديدة. من المتوقّع أن يزداد عدد المستوطنين اليهود فيها خلال السنوات الخمس المقبلة بنحو مائة ألف.

في سياق متصل، يقول جبارين إنّه "نتيجة التضييق وغياب إمكانيات السكن في البلدات العربية في المرج، شاركت مجموعة عربية في مدينة العفولة، في مناقصة قبل سنة لشراء بيوت للسكن. وعندما فازت بها، توجّه سكان العفولة من اليهود إلى القضاء الإسرائيلي مطالبين بإبطالها. وبالفعل، نجحوا في ذلك لتبقى العائلات العربية من دون أيّ جواب في ما يخصّ السكن".