العراق 2019: محاولات لاستعادة دور الثقافة

01 يناير 2020
(إطلالة على ساحة التحرير، تصوير: صباح عرعر/Getty)
+ الخط -

بخطوات مرتبكة يسير مشروع العراق الثقافي الذي يعتمد كلياً على إسهامات مؤسّسات ودور نشر أهلية ومساهمات مستثمرين، فلا يمكن التعويل على إنجازات حكومية في هذا الشأن.

يرتبط هذا الواقع بالأوضاع السياسية والاقتصادية التي عاشها العراق بعد الاحتلال الأميركي عام 2003 وزمن الدولة الجديدة، وصولاً إلى عام 2013 الذي احتضن واحداً من أغنى المشاريع الثقافية؛ متمثّلاً في "بغداد عاصمة الثقافة العربية" الذي رُصدت له قرابة 500 مليون دولار، الذي مثّل فرصة أُخرى لقتل مشروع الحداثة والتنوير في العراق، بعد أن خسر ذلك المشروع معظم معاركه أمام السلطة، كما خسرها في مواجهة الفساد، حيث لم تُحدَّد إلى اليوم قيمة الأموال التي نُهبت في ذلك المشروع.

لذا، ولمتابعة حصاد العراق الثقافي لهذه السنة، ينبغي تتبّع محاولات فردية متعلّقة بأشخاص أو مؤسّسات أهلية تحاول كلّ منها على حدة العمل لصناعة واقع ثقافي يمكن الإشارة إليه.

لوحظ في بداية 2019 دخول عدّة دور نشر جديدة إلى الساحة الثقافية، ما يدلّ على أن أسواق الكتب في العراق بدأت تتعافى، حتى لفتت انتباه المستثمرين للتفكير في المشاريع الثقافية. في هذا السياق، يمكن الإشارة إلى بعض النشاطات الثقافية؛ من بينها ورشات للكتابة الإبداعية وأخرى لكتابة الرسائل والخبر الصحافي، وورشة لـ"معهد غوته الألماني" الذي أصدر كتاباً بعنوان "عيون إنانا.. أنطولوجيا نسوية"، تضمّن نصوصاً نثرية وشعرية لكاتبات عراقيات من مختلف المحافظات.

وبخصوص المهرجانات الثقافية، كان انطلاق الموسم السابع من مهرجان "أنا عراقي.. أنا أقرا" من أبرز الأحداث الثقافية، وقد أُقيم في حدائق أبي نؤاس وسط بغداد، كما شهد هذا العام افتتاح العديد من الفضاءات الثقافية؛ مثل "مقهى بن رضا علوان" في فرعه الجديد، وافتتاح "مؤسسة درج الثقافية" في الكرّادة وسط بغداد، وتتضمّن مكتبة وقاعة للورشات ونادياً للقراءة وآخر للسينما.

وفي السينما، شهد هذا العام إنتاج فيلم روائي طويل للمخرج العراقي الشاب مهند حيال، بعنوان "شارع حيفا"، وقد حاز العديد من الجوائز؛ مثل جائزة أفضل فيلم في "مهرجان بوسان" في كوريا الجنوبية، وأفضل فيلم وأفضل ممثل في "مهرجان القاهرة السينمائي الدولي"، وجائزة ورشة تمكين في "مهرجان الرباط السينمائي".

وعلى صعيد الرواية، شهِد 2019 إصدار العديد من الروايات لمجموعة من الأسماء العراقية؛ مثل رواية "العلموي" لـ مرتضى كزار، و"ساق لفرس" و"1958" لـ ضياء الجبيلي، و"خانة الشواذي" لـ عبد الخالق الركابي، و"النوم في حقل الكرز" لـ أزهر جرجيس، و"أبناء وأحذية" لـ محسن الرملي، و"مملكة النمل" لـ ميادة خليل، ولا يمكن حصر كلّ الروايات التي نُشرت هذا العام لكثرتها.

أما في الشعر، فتمثّل حدث العام بإصدار أعمال الشاعر العراقي عبد الأمير جرص (1965 - 2003) في طبعة عراقية عن "دار سطور" بالاشتراك مع "دار الفيل" الفلسطينية التي أصدرت الأعمال قبل سنتَين بطبعة عربية، كما ظهر العديد من الشعراء الشباب الجدد بإصدارهم الأول، فقد أصدر إيهاب شغيدل مجموعته "144م²"، وعلي إبراهيم الياسري مجموعته "أدخل بيتي مثل لص"، ووائل السلطان مجموعته "التحليل النفسي للوردة".

وهنا تجد الإشارة إلى كتاب "سيسيولوجيا المجتمع العراقي" للباحث الشاب علي كريم السيد الصادر عن "دار الرافدين"، والذي يتضمّن العديد من المقالات البحثية في شخصية الفرد العراقي بعد 2003، لما اكتسبته من محيطها الملتهب بالمشاكل والحروب، وكتاب "الحياة في الظل" للباحث واثق صادق الصادر عن "دار المعقدين" في البصرة، وفيه سلّط الضوء على المثليّين العراقيين في دراسة اجتماعية ميدانية.

وكان من جملة الأسماء الثقافية الراحلة هذا العام كلّ من المترجم وأستاذ اللسانيات مجيد الماشطة (1941)، المخرج والممثل المسرحي سامي عبد الحميد (1928)، والشاعر العراقي فوزي كريم (1945)، وعالمة الآثار لمياء الكيلاني (1931)، والباحث علي الشوك (1930).

بعد الأول من أكتوبر 2019، عاش العراق مخاض تاريخ جديد مع انطلاق الاحتجاجات الشعبية في بغداد وباقي المحافظات، إذ حدثت تغيّرات سريعة أثّرت على حيوية المشهد الثقافي، فتّم تأجيل موعد إقامة الدورة الأولى من "معرض العراق الدولي للكتاب"، وكذلك "معرض البصرة الدولي"، وتمّ تأجيل إعلان نتائج "جائزة الرافدين للكتاب الأول"، كما تأثّرت أغلب المهن والتجارات المتنوّعة بالأوضاع الاقتصادية المضطربة، بعد قطع الطرق الرئيسية داخل بغداد، ما يُنبئ بمآلات عديدة يمكن أن تصل إلى إعلان إفلاس بعض دور النشر والمكتبات في بغداد، والتي ستجد نفسها في حيرة إزاء عدم قدرتها على تسديد التزاماتها المالية.

في سياق آخر، تتلازم المطالبات بتجديد الطبقات السياسية مع المطالبات بضخّ دماء جديدة في إدارة الشأن الثقافي في العراق، تُرجم ذلك في تشكيل جمعية تضمّ الناشرين والكتبيين في العراق تحت جناحٍ واحد، كما تمّ إجراء انتخابات للهيئة العامة بحضور فريق من "نقابة المحامين العراقيين" وغيرها من النقابات.

في نهاية هذا العام، يبدو أن ثمة بصيص أمل مرتبط بالنجاحات التي يحقّقها مبدعون عراقيون في مجال السينما والمسرح والكتابة الإبداعية، وعدم انهيار قطاع النشر ومحاولته استعاة عافيته والحضور في المعارض العربية والدولية واستعادة شيء من اسم ودور العراق الثقافي.

المساهمون