تجلس فرح عزيز (9 أعوام) مع 4 زميلات لها على مقعد دراسي واحد، لا يتسع إلاّ لاثنتين فقط في الظروف العادية. ولا تفعل فرح ذلك، لحبّها بصديقاتها، وقربها منهن، بل بسبب اكتظاظ الصف المدرسي بالتلميذات.
أمرت وزارة التربية العراقية بدمج كلّ مدرستين في مدرسة واحدة، ووصل الأمر أحياناً إلى دمج أربع مدارس. وجاء قرار الوزارة بسبب استمرار عمليات بناء المدارس التي أمرت الوزارة بهدم مبانيها الآيلة للسقوط، وإعادة إعمارها.
القرار اتخذ في سبتمبر/أيلول 2012. وخلّف، منذ ذلك الحين، انعكاسات سلبية تجلت بإرباك العملية التربوية في عموم محافظات العراق. فقد وصل عدد تلاميذ كلّ صف إلى 80. كما ساهم القرار في تفشي الأمية، بنتيجة اضطرار الكثير من الأهالي إلى حرمان أولادهم من الدراسة بسبب بعد المسافة عن المدارس التي ألحقوا بها.
من جهتها، تقول والدة الطفلة فرح لـ "العربي الجديد": "ابنتي تدرس في مدرسة تبعد مسافة بعيدة عن بيتنا منذ عامين. وهي مدرسة لا تلبي طموحنا، بسبب كثرة التلاميذ في الصف الواحد ما يؤدي إلى عدم فهم الدرس وتدني المستوى الدراسي بشكل عام". وتضيف أم فرح: "أضطر لإعادة الدروس لها في البيت".
أما رامي نصير، وهو في الصف الخامس الإعدادي، فيقول لـ "العربي الجديد"، إنّ "قرار وزارة التربية غير صائب وقد أضرّ بالطلاب كثيرا". ويضيف: "لا يمكنني، بعد هدم مدرستي الالتحاق بمدرسة خاصة بسبب غلاء أجورها على والدي. وانتقالي إلى هذه المدرسة الحكومية
في المقابل، تعزو وزارة التربية بقاء بعض المدارس سواء في العاصمة بغداد أو في بقية المحافظات، في دوام مزدوج، إلى تزايد عدد التلاميذ مع عدم اكتمال بناء المدارس وتأهيلها.
وبخصوص قرار هدم المدارس، تقول المتحدثة باسم الوزارة سلامة عبد الحسن لـ "العريي الجديد"، إنّ "هذا القرار جاء بعد مقتل أكثر من تلميذ، بسبب انهيار أسقف بعض صفوف المدارس. وقد ارتفعت هذه الحالات عام 2012، ما دفع الوزارة الى الإيعاز لمديرياتها المنتشرة في عموم العراق، إلى حصر المدارس التي تعتقد بأنها آيلة للسقوط وتفريغها من التلاميذ، وإحالتها إلى شركات متخصصة لإعادة بنائها. وبالفعل تم هدم وتأهيل ما يقرب من خمسة آلاف مدرسة".
وتضيف: "تقدمت الوزارة بأشواط كبيرة تجاه ملف الأبنية المدرسية. وقد تسلمت بالفعل عدداً كبيراً من تلك المدارس خلال العام الحالي، على الرغم من تأخر المشاريع التي تتولاها المحافظات".
وتؤكد عبد الحسن أنّ هنالك حاجة مستمرة رغم ما سيكتمل بناؤه، إلى نحو 10 آلاف مدرسة جديدة، لتغطية أعداد التلاميذ المتزايدة في كل عام. وتقول إنّ الوزارة طالبت بتخصيصات مالية كبيرة، من أجل تغطية هذا العجز.
من جهته، يؤكد عضو لجنة التربية البرلمانية رياض غالي لـ "العربي الجديد" أنّ مشروع المباني المدرسية الذي صرفت مبالغ طائلة فيه، قد فشل طوال العامين الماضيين، ولم يتقدم سوى خطوات قليلة. ويحمّل غالي وزارتي التربية والإسكان والإعمار، ومجالس المحافظات التي استلمت المال، مسؤولية تردي واقع التعليم في العراق.
ويشير غالي إلى أنّ التقارير الميدانية تؤكد أنّ دمج المدارس تسبب بتراجع مستوى التعليم فيها. ويحذر من "بقاء الحال على ما هو عليه لسنوات أخرى، لما سيتسبب به من تخريج جيل لا يمكن الاعتماد عليه".
إلى ذلك يتهم رئيس لجنة التربية في مجلس محافظة بغداد، حاكم الزاملي حكومة رئيس الوزراء السابق نوري المالكي، بإهدار ملايين الدولارات على مشاريع وهمية لبناء المدارس. ويؤكد لـ "العربي الجديد" أنّ وزارة التربية أحالت عشرات المدارس في بغداد إلى "شركات غير متخصصة وغير فعالة، وقد تلكأت بالعمل وتسببت في تعطيل الدوام الدراسي في بغداد". ويقول إنّ هذا ما دعا الحكومة حينذاك إلى تحويل الملف بالكامل، إلى مجالس المحافظات، التي "استلمت تركة ثقيلة ومدمرة".
ويضيف الزاملي أنّ مجلس محافظة بغداد وفر ما يقرب من مائتي كرفان، من أجل سد النقص الحاصل في مباني المدارس داخل مدن العاصمة، بالتزامن مع انطلاق العام الدراسي الجديد. ويشير إلى أنّ المفترض بهذه الكرفانات "أن تشكل حلاً وقتياً. فتأخر إقرار الموازنة للعام 2014 منع المجلس من الاستمرار في تنفيذ مشاريع مباني المدارس".
ولا تقتصر مشاكل التلاميذ العراقيين على هذه القضية. فبعد تأخر بداية العام الدراسي إلى الثاني من أكتوبر/تشرين الأول الجاري، ازداد الدوام إلى فترتين، وفي بعض المدارس إلى ثلاث. كما لم يحلّ ملف مئات آلاف النازحين الذين يسكنون في مئات المدارس بعد. ويضاف إلى كلّ ذلك، الخوف المستمر من استهداف الجماعات الإرهابية للمدارس، بعملياتها. وهي مشاكل تبشر بعام دراسي صعب في العراق.