ولم يجر العراق تعدادا سكانيا شاملا لكل العراق، منذ العام 1987، وبعد عام 2003 منعت الخلافات السياسية الحكومات المتعاقبة على البلاد من إجرائه، خاصة فيما يتعلق بملف كركوك والمناطق المتنازع عليها، ومدن بغداد وديالى والتغيير الديموغرافي التي طاول العديد من مناطق البلاد وفق لأجندات قومية وأخرى طائفية. كما أن هناك خلافات تتعلق بإدراج القومية بين عربي وكردي وتركماني وآشوري، ضمن ورقة التعداد، وغيرها من المشاكل، التي حالت من دون إجرائه.
وترأس أمس الاثنين، الكاظمي، اجتماعا للمجلس الأعلى للسكان، بحضور عدد من الوزراء ورؤساء ومسؤولي الهيئات والدوائر المعنية، ووفقا لبيان صدر عن مكتبه، أكد خلاله "الأهمية الإدارية والتخطيطية لوجود إحصاء سكاني متكامل ضمن تعداد عام للسكان والمساكن، على اعتبار أن التعداد هو الأساس لأي بناء تنموي يتطلع بثقة الى المستقبل".
Twitter Post
|
وأشار إلى أن "التعداد هو أساس أي عملية انتخابية مقبلة، ويؤكد عدالتها وحُسن إدارتها، ويوفر لها قاعدة بيانات سليمة وصحيحة". ووجه التعليمات لوزارة التخطيط والفريق العامل على تهيئة التعداد العام بـ"المضي في تهيئة كل مستلزمات التنفيذ، ضمن مدة زمنية تحدد وفقاً لصيغ فنية من قبل المختصين، وبالتنسيق مع وزارتي الصحة والمالية، وتحدد أهم المعوّقات والمستلزمات ليتسنى اتخاذ القرارات اللازمة بشأنها".
Twitter Post
|
وزارة التخطيط، أعلنت من جهتها، وضع خطة لإجراء التعداد، وقالت في بيان سابق إن "استمارة التعداد ستتضمن الكثير من الأسئلة المهمة التي تغطي مفاصل الحياة كافة، وبالتالي ستعطينا قاعدة بيانات تفصيلية عن خصائص هذه الحياة في مجالات الصحة والسكن والتعليم والخدمات"، مؤكدة أن "التعداد سيُنفذ إلكترونيا، عبر برامج حديثة ومتطورة، ستسهم في التقدم نحو تحقيق التحول الإلكتروني الكامل في عمل الوزارة، وباقي مؤسسات الدولة".
إلى ذلك، لاقى التوجه نحو التعداد السكاني ردود فعل سياسية بين مؤيد ومرحب به، لم تختلف كالعادة عن مواقف القوى السياسية من الموضوع في السنوات السابقة، إذ تطالب القوى الرافضة بإجراءات لمعالجة آثار التغيير الديموغرافي التي تعرضت لها الكثير من مدن العراق، محذرة من أن البناء على التعداد في ظل التشوه الذي لحق بتركيبة كثير من المدن سيؤسس لمشاكل طويلة الأمد.
وأشار "نحن في ظروف أكثر استقرارا لم نتمكن من إجراء التعداد، أما في هذا الظرف الأصعب الذي تمر به البلاد، والذي يجعل من إجرائه صعبا للغاية، فهناك مشاكل كثيرة يجب أن نقف عليها وأن نعيد النظر بالتغيير الديموغرافي في المناطق المتنازع عليها، وهي معوقات أمام حصول التعداد"، مضيفا "لدينا منذ أول يوم نقاط ثابتة بشأن كركوك، فهناك نقاط تخص التمييز القومي والطائفي، يجب أن تؤخذ بنظر الاعتبار قبل أي تعداد".
وحذّر من أن "هناك حالتين سياسيتين بكل العالم تكونان سببا بنشوء فتنة أهلية هما الانتخابات المزورة والتعداد غير الدقيق"، مشددا على أنه "ينبغي عدم اللجوء الى أي خطوة تجاه إجراء انتخابات مشبوهة أو تعداد مشبوه، فإنها ستفتت البلد إذا لم تجر بشكل مهني".
أما النائبة عن القوى الكردية، آلاء طالباني، فقد عدّت، إجراء التعداد "أمرا ضروريا، وأن العراق بحاجة ماسة لإجرائه"، مؤكدة لـ"العربي الجديد"، أن "أسبابا سياسية منعت الحكومات من إجراء التعداد في السنوات السابقة".
وعبرت عن دعمها لخطوات الكاظمي نحو إجراء التعداد، محذرة في الوقت ذاته من أن يتسبب بـ "دخول البلد في مشاكل وأزمات بسبب الحديث عن تغيير ديموغرافي شمل العديد من المحافظات العراقية ومنها بابل وديالى وصلاح الدين وغيرها".
بدوره أكد النائب السابق عن الموصل، نوري العبد ربه، أهمية إجراء التعداد السكاني، لكنه عدّه أمرا صعبا.
وقال لـ "العربي الجديد"، "من الصعب أن يجرى التعداد، لكن ليس مستحيلا، فهناك مشاكل سياسية باعتبار أن هناك جهات سياسية ستتضرر من التعداد ولن تقبل به"، مؤكدا أن "التعداد يحتاج الى إطلاق حوار بشأن العقبات التي تحول دون إجرائه، ومنها ملف المناطق التي يوجد صراع بشأنها، وإذا ما تم التغلب على تلك العقبات فمن الممكن أن يكون بعدها إجراء التعداد".
بالمقابل قال الخبير بالشأن السياسي العراقي، أحمد الحمداني إن "استعجال إطلاق الأحكام على مشروع الإحصاء السكاني غير صحيح"، موضحا أنه "يهدف لوضع خطط اقتصادية وتنموية واضحة ومغادرة مرحلة التخمين والعشوائية".
واعتبر أيضا أن "الإحصاء قد يغير عدد مقاعد البرلمان الذي بني على مقعد لكل مائة ألف نسمة وتم تقدير نفوس العراق على 38 مليونا بالانتخابات الأخيرة بشكل تخميني بالاعتماد على بيانات وزارة التجارة"، قائلا إنها "بيانات لا تتجاوز دقتها الثمانين في المائة".