استغرق العراقيون والعالم في التفاؤل بخروج، رئيس الوزراء المنتهية ولايته، نوري المالكي، ومجيء، حيدر العبادي، دون النظر عن قرب إلى حجم التحديات التي سيواجهها الأخير، في ظلّ التطورات غير المسبوقة، التي يشهدها العراق، وما إذا كان العبادي، قادرٌ على تجاوز التحدّيات، وإصلاح ما خربه، سلفه.
وبالرغم من اعتباره توافقياً، ويحظى باحترام الآخرين، غير أن العبادي لا يمتلك ثقلاً داخل حزب "الدعوة"، ولا يُعتبر من صقور الحزب، بل من حمائمه. ولكونه لم يكن ساعياً للحصول على مناصب عليا، تم اختياره من قبل "التحالف الوطني" لخلافة المالكي.
ويرى مراقبون أن "شخصية مثل العبادي، سيدخل لا محالة في صراعات وخلافات داخل حزب الدعوة، وداخل البيت الشيعي. كما تتوقع الأطراف الخارجية، ومنها الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي، التي وضعت شروطاً لمساندة الحكومة العراقية في حربها ضد الجماعات المتشددة، وعلى العبادي إرضائها".
ومن أهم الشروط الأممية للعبادي، تشكيل حكومة وحدة وطنية لا تقصي مكوناً، وتشمل جميع مكونات العراق، بالإضافة إلى الشروط الثانوية الإيرانية، ودول اقليمية عربية. ولا يُمكن التكهّن ما إذا كان باستطاعة العبادي، إرضاء كل هذه الأطراف، التي تتقاطع مصالحها في العراق.
وفي السيّاق، يقول مدير برنامج "دراسات الأمن والإرهاب" في "مركز الخليج للأبحاث"، مصطفى العاني، إن "حقيقة كون العبادي، من حمائم حزب الدعوة، وليس من صقوره، سيخدمه في تعامله الخارجي مع الدول الغربية، التي ترغب بوجود شخصية معتدلة على رأس السلطة في العراق، شخصية منفتحة، قابلة لتقبل الرأي الأخر.
لكنّ العبادي سيواجه معركة كبيرة في الداخل مع بطانة المنتفعين من حكم المالكي، على مدار السنوات الثماني الماضية، إذا حاول وضع المصلحة الوطنية أمام المصالح الحزبية والطائفية الأخرى".
ويضيف "الرصيد الأساسي الذي سيتمتع به العبادي، هو الدعم الخارجي الكبير، من الولايات المتحدة والدول الأوروبية والأمم المتحدة، الذي سيحاول به العبادي أن يعادل به الضغط الداخلي عليه".
في المقابل يرى آخرون، أن "العبادي الذي جاء به التحالف، اشترط عليه الأخير ألا تخرج أي سياسات للحكومة المقبلة، إلا بمشورته ومشاركته، كي لا يصبح مثل سلفه، الذي انفرد بالقرارات ولم يأبه لشركائه في التحالف الشيعي. وبالتالي فمن المتوقع أن السياسات التي سيتبعها العبادي، ستكون نابعة من إرادة التحالف الوطني، وليست من رؤية العبادي.
وبما أن الأطراف الأخرى الرئيسة من القوى السنية والكردية، لديها أيضا رؤى ومطالب مختلفة، فهذا ربما سيؤدي إلى تقاطعات مع العبادي. ومن غير المعلوم هل باستطاعة العبادي أن يجد تسويات ترضي كل هذه الأطراف".
ومع أن البعض غير متفائل بمجيء العبادي، كونه تحت ظلّ حكومة المالكي، في الفترة الماضية، وكانت كل تصريحاته مؤيدة للأخير بشكل كامل، وحتى خلال حملة المالكي الانتخابية.
ويرى البعض أن "العبادي، كسابقه، لا يمتلك خبرة في الملف الأمني، وكيفية ادارته، خصوصاً أن هناك فساد كبير ينخر في هذه المؤسسة، التي باتت لا تمتلك المهنية ومبنية على أساس الولاءات الشخصية والطائفية".
فقد حملت السنوات التسع الماضية من فترة حكم "الدعوة" (حكومة انتقالية ترأسها إبراهيم الجعفري، تلتها حكومتان برئاسة المالكي)، في طياتها، الكثير من الملفات الداخلية الشائكة تمثلت في تدهور أمني كارثي، وتعقيد المشهد السياسي وانهيار اقتصادي. وفي الوقت عينه، لم تكن علاقات العراق الخارجية في حال أفضل، فقد كانت سيئة ومتوترة مع محيطه الإقليمي والدولي. وبهذا يجد العبادي، نفسه أمام تركة ثقيلة وتحديات كبيرة، قد يستغرق معالجتها سنوات وليس أشهراً، كما يتمنى البعض.
وأهم تحد سيواجهه العبادي، هو موضوع اعادة حقوق السنّة العرب وتعويض المهجرين ومعالجة ملف المعتقلين، الذين يقبعون في السجون منذ سنوات دون محاكمات، وايقاف الاعتقالات الجماعية بحقهم. وفي سبيل ردم الهوة وإعادة بناء الثقة بينهم وبين الحكومة، وعلى رئيس الوزراء الجديد التعامل معهم بدون تمييز طائفي أو عرقي، والعمل بشكل جدي على خلق توازن في مؤسسات الدولة، العسكرية والأمنية والمدنية.
وعلى العبادي إدراك أنّ مقارعة الجماعات المسلّحة المتطرفة يجب أنّ لا تكون فقط بالقتال، وإنما بمعالجة الملف السياسي. أمام العبادي امتحان كبير، والسؤال الأهم هل يستطيع أن ينجز المهمة الكبيرة ويبني العراق من جديد؟ وهل سيتمكن أنّ يغيّر ما كرسه المالكي؟