العراق: مضامين ورقة الإصلاح البيضاء تمهد لمواجهة بين الكاظمي والأحزاب

29 يونيو 2020
يستند الكاظمي في خطته إلى النقمة الشعبية (مرتضى السوداني/الأناضول)
+ الخط -
يعتزم رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي إطلاق حزمة قراراتٍ إصلاحية جديدة، تشمل جوانب إدارية واقتصادية ومالية وحتى أمنية، لعل أبرزها ما سرّب عبر مسؤولٍ عراقي لـ"العربي الجديد"، ويتضمن العزم على إقالة العشرات من المسؤولين البارزين في وزارات وهيئات مختلفة، وبدرجة مدير عام ووكيل وزير ورؤساء أقسام، يعتقد أن معظمهم مدعومون من قوى وأحزاب سياسية كانت هي التي رشحتهم لهذه المناصب خلال السنوات الماضية. ويأتي ذلك وسط تأكيدات على شمول حزمة القرارات المرتقبة تكليف مجلس القضاء الأعلى بتشكيل لجان لمراجعة التعاملات المالية في عددٍ من الوزارات والمؤسسات الحكومية. كما يُتوقع أن تؤدي تلك القرارات إلى مزيد من التوتر بين الكاظمي والقوى والأحزاب السياسية التي بدأت منذ اليوم التصعيد الإعلامي ضده، على خلفية اعتقال مجموعة من مليشيا كتائب "حزب الله" العراقية، جنوبي بغداد، بتهمة إطلاق صواريخ "كاتيوشا" على أهداف في المنطقة الخضراء ومطار بغداد، يوم الخميس الماضي.

ورقة الإصلاح البيضاء، هو ما المصطلح الذي اعتمده الكاظمي في أحد اللقاءات التي عقدها في بغداد، في إشارة إلى إجراءاتٍ لحكومته تهدف إلى معالجة حالة الترهل والفشل العام داخل الدولة العراقية. وعلى الرغم من أنه لم يوضح تفاصيل تلك الإجراءات، إلا أن مراقبين يرون أن الكاظمي، الذي لا يملك كتلة أو حزباً سياسياً داخل البرلمان، يستند في قراراته المرتقبة إلى نقمة الشارع العراقي من تردي الأوضاع المعيشية واتساع نطاق الفقر والبطالة، وانكشاف ظهر المؤسسات الحكومية إزاء جائحة كورونا، خصوصاً في قطاعي الصحة والخدمات. ويأتي ذلك بالإضافة إلى التلكؤ الحاصل في دفع مرتبات نحو 10 ملايين موظف ومتقاعد، بفعل انهيار أسعار النفط عالمياً وتراجع إيرادات العراق بأكثر من 70 في المائة، إذ يحتاج العراق شهرياً إلى 4.7 مليارات دولار كموازنة تشغيلية، بينما بلغ مردود النفط للشهرين الماضيين نحو مليار و200 مليون دولار فقط. ويقول الكاظمي إن مسؤوليته تقتضي إيجاد طرق لتأمين مرتبات العراقيين للأشهر الخمسة المقبلة.


مسؤول في مكتب رئيس الوزراء العراقي كشف، في اتصال هاتفي مع "العربي الجديد"، أن ورقة الإصلاحات المرتقبة، التي لا تزال تخضع للإضافة والتعديل، تشتمل على قرارات إصلاحية مالية واقتصادية وإدارية، بعضها يتطلب إسناداً من القوات العراقية على الأرض. من جملة ذلك، على سبيل المثال، إخضاع المنافذ البرية للعراق لسلطة الدولة، وإنهاء نفوذ الجماعات المسلحة والأحزاب فيها، أو طرد الجهات التي تشغل أملاك الدولة منذ سنوات من دون وجه حق، بالإضافة إلى ملاحقة مافيات تهريب النفط ومشتقاته. وأضاف المصدر أن الورقة تتضمن خريطة طريق لتعزيز موارد الدولة بشكل عاجل من خلال قطاعي الصناعة والزراعة والسياحة، وكذلك المنافذ والجمارك وقطاع الاتصالات غيرها، بالإضافة إلى شمولها تشجيع الاستثمار والقطاع الخاص، وطرح سندات عاجلة، والتوجه إلى دول كبرى لطلب المساعدة، أو منح العراق مهلة سماح في ما يتعلق بالديون المترتبة عليه لصالحها. وأوضح المصدر أن خلية عمل برئاسة الكاظمي وعضوية وزراء ومستشارين عدة، عقدت ثلاثة اجتماعات حتى الآن في هذا الخصوص، لافتاً إلى أن القرارات المرتقبة ستصدر تباعاً وبشكل متسلسل، وقد يصدر أولها نهاية الأسبوع الحالي أو الأسبوع المقبل، وتتمثل بإقالة مسؤولين وتعيين آخرين بدلاً عنهم.

وحول ردّ الفعل السياسي المتوقع عليها، رجّح المصدر أن تلاقي ورقة الكاظمي الإصلاحية رفضاً سياسياً، وتواجه بحملة ضد رئيس الحكومة، كونها تتميز بالجرأة، وهي تمس مصالح أحزاب وقوى سياسية مستفيدة مادياً، فضلاً عن أنها تتعلق بتقليل الاعتماد على إيران في الاستيراد ودعم المنتج الوطني، سواء الزراعي أو الإنشائي، وهو ما يعني ضرب شبكات كبيرة وضخمة متغلغلة في العراق، وذات تأثير في سياسته، كما كانت سبباً في إبقاء البلاد في حالة شلل على المستويين الزراعي والصناعي طوال الفترة الماضية. ولفت المسؤول في مكتب الكاظمي إلى أن بعض القرارات تتطلب تصويتاً في البرلمان لتمريرها، ما سيشكل "عقدة المنشار"، بحسب تعبيره، إذ عادة ما تجري هناك المساومات والمقايضات أمام كل رئيس للحكومة يرغب بإحداث تغيير في المشهد العام بالبلاد.

من جهته، اعتبر عضو البرلمان العراقي عن تحالف "الفتح"، محمد البلداوي، أن السلطة التشريعية والكتل السياسية لم تطلع حتى الآن على تفاصيل ورقة الإصلاح، وأنها "بانتظارها" منذ بدء الحديث عنها. وأضاف البلداوي في حديث لـ"العربي الجديد"، أن القوى السياسية تنتظر عرض تلك الورقة عليها، لافتاً كذلك إلى ضرورة أن يعلم رئيس الحكومة أن الأساس هو في تطبيق القرارات، ما يعني أن التحدي هو ألا تبقى الورقة حبراً على ورق، كما جرت العائدة. وأضاف المصدر في هذا الصدد أنه ينبغي على رئيس الوزراء عرض ورقته ومناقشتها مع القوى السياسية واللجان البرلمانية للحصول على الدعم السياسي والبرلماني الذي يصعب التحرك من دونه، كما أن بعض القرارات تحتاج إلى تصويت البرلمان، "ونحن سندرس أي مقترح وسنصوت عليه إذا ما وجدنا أنه يلبي حقيقةً العملية الإصلاحية". وحول وجود مخاوف من أن تستهدف الورقة جهات وشخصيات بعينها، رأى النائب عن تحالف "الفتح"، أنها "لن تصبح بذلك عملية إصلاح بل خراب، ومن هنا الحاجة إلى توافق سياسي".

في المقابل، أكدت كتلة تحالف "سائرون" البرلمانية (التحالف بزعامة رجل الدين مقتدى الصدر)، دعمها منذ الآن لتوجهات الكاظمي "ما دامت تهدف إلى بناء دولة مؤسسات حقيقية". ولفت عضو هذا التحالف النائب محمود الزجراوي، في حديث لـ"العربي الجديد"، إلى أن "جهات وشخصيات سياسية سترفض مسبقاً هذه الورقة، لكونها ستكون المتضررة من أي عملية إصلاح تمس نفوذها وهيمنتها على مؤسسات الدولة العراقية ومقدرات الشعب العراقي". لكنه رأى، من جهة ثانية، أن قرارات الكاظمي المرتقبة "ستحظى بدعم سياسي كبير، ما دامت تتضمن خطة إصلاح، وسيكون مسنوداً بدعم شعبي أيضاً".

وتعليقاً على خطة الكاظمي، رأى الخبير في الشأن السياسي العراقي محمد التميمي، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن الملامح الأولى للقرارات المرتقبة ضمن ورقة الإصلاح البيضاء تبدو كثيرة الشبه بتلك التي وعد بها (رئيس الوزراء الأسبق حيدر) العبادي، والتي لم يتكمن من إنجازها بسبب الرفض السياسي لها".

واعتبر التميمي أن الكاظمي سيلاقي صعوبة كبيرة في تطبيق إصلاحات حقيقية وإحداث فرق في المشهد العام للمؤسسات العراقية، إذ إن أي عملية إصلاح ستكون عملياً موجهة ضد حزب أو شخصية ما، بعدما باتت كل وزارة أو مؤسسة عامة مجيرة سياسياً، "وكأنها دكان لهذا الحزب أو تلك الكتلة أو الشخصية". وبحسب رأيه، فإن ذلك يأتي خصوصاً في وقت تدر فيه القطاعات التي تنوي الحكومة إصلاحها مبالغ ضخمة سنوياً على من يمتلك النفوذ فيها، متوقعاً أن تعجل ورقة الإصلاح بفتح باب المواجهة بين رئيس الوزراء وبعض القوى السياسية والفصائل المسلحة، خصوصاً تلك التي تعتقد أن أي إصلاح ستكون هي المستهدفة به".

 

 

المساهمون