صوّت مجلس الوزراء العراقي، اليوم الثلاثاء، على مشروع قانون المساءلة والعدالة المعروف باسم "اجتثاث البعث"، الذي يعيد النظر في استبعاد آلاف المنتمين إلى حزب البعث المحظور في العراق، عن الوظائف المدنيّة والعسكريّة، وعلى مشروع قانون الحرس الوطني، وسط خشية عشائرية وسياسيّة من تحول الأخير إلى مليشيات جديدة تحت غطاء حكومي. وأحال مجلس الوزراء المشروعين إلى البرلمان للتصويت عليهما في جلسته المقبلة.
ويأتي التصويت على القانونين تنفيذاً لبنود ورقة الاتفاق السياسي، التي تشكلت بموجبها حكومة حيدر العبادي. وتُعد هذه المرة الأولى التي تقترح فيها حكومة من الحكومات العراقية المتعاقبة منذ انتهاء الاحتلال الأميركي، مناقشة تعديل قانون المساءلة والعدالة. ويسمح مشروع القانون، وفق ما يكشفه مصدر وزاري في الحكومة العراقية لـ "العربي الجديد"، بعودة عشرات الآلاف من البعثيين إلى عملهم وحياتهم الطبيعية، لكن بلا بعث"، على حدّ تعبيره.
ويكشف المصدر ذاته عن "تعرّض مجلس الوزراء لضغوط كبيرة، داخلية مارسها اتحاد القوى (السنيّة)، وخارجية قادتها الولايات المتحدة الأميركية، للإسراع بتعديل القانون، الذي تسبّب باضطهاد شريحة واسعة من القادة والضباط والكفاءات العراقية خلال 8 سنوات من حكم رئيس الوزراء العراقي السابق، نوري المالكي.
من جهة أخرى، وبعد جدل واسع استمر لأشهر عدّة، صوت مجلس الوزراء العراقي، بغالبية أعضائه، على قانون الحرس الوطني، في ظل انتقادات حول إفراغ القانون من محتواه قبل إحالته إلى البرلمان.
وفي سياق متّصل، يوضح نائب رئيس الوزراء، بهاء الأعرجي، أنّ من أهم أولويات القانون "ارتباط الحرس الوطني مباشرة بالقائد العام للقوات المسلحة، أي العبادي، على أن تكون أولوية الانتساب إليه للحشد الشعبي وأبناء العشائر التي تقاتل تنظيم داعش"، مشيرا الى أنّ القانون "يوزع بحسب النسب السكانية للمحافظة الواحدة مع مراعاة المكونات الاجتماعية".
ويؤكّد المتحدث باسم مكتب رئيس الوزراء، سعد الحديثي، لـ "العربي الجديد"، أن "هناك اتفاقاً على ارتباط الحرس الوطني بالسلطة الاتحادية، من حيث التسليح والإشراف والتمويل"، موضحاً أنّ "الحرس الوطني سيكون داعماً للقوات المسلحة في الامساك بالأرض ضمن المحافظة، ولا يُسمح له بالتنقل بين المحافظات".
وفي حين يشدّد وزير الدولة لشؤون المحافظات والبرلمان، أحمد الجبوري، لـ "العربي الجديد"، على ضرورة أن "يكون الحرس الوطني تحت خيمة المؤسّسة العسكريّة"، لافتاً إلى أنّ "الحكومة ستنظر بعد تحرير جميع المدن من داعش في مصير الحرس الوطني"، يشير النائب عن تحالف القوى العراقية، زيد سويدان الجنابي، لـ "العربي الجديد"، إلى أنّ "السقف الأعلى لعدد مقاتلي الحرس الوطني لن يتجاوز مائة وعشرين ألف مقاتل، بواقع سبعين ألفاً من الشيعة وخمسين ألفاً من السنة".
ويبلغ عدد عناصر "الحشد الشعبي" حالياً أكثر من ثمانين ألف عنصر، سيتم تقليصهم، وفق الجنابي، إلى سبعين ألفاً ودمجهم في الحرس الوطني، على أن يضاف إليهم نحو أربعة آلاف مقاتل من الصحوات والعشائر التي تقاتل داعش. وينقل الجنابي مطالبة اتحاد القوى العراقية بأن يكون لهذه القوى "دور في المراكز القيادية للحرس الوطني، على أن يتبع لوزارة الدفاع".
وتبدي بعض القوى السياسيّة والعشائريّة، وحتى الشعبية، خشيتها من تحويل الحرس الوطني إلى مليشيات جديدة، ولكن تحت غطاء حكومي. ويقول عضو الهيئة السياسية للتحالف الوطني، أمير الكناني، إنّ "العدد النهائي للقوات الجديدة لم يحسم بعد، لكن تم الاتفاق على دمج قوات الحشد الشعبي بالحرس الوطني"، مشيراً إلى أنّ أغلبية في اللجنة الوزارية ذهبت إلى ربط الحرس الوطني بالقائد العام للقوات المسلحة، على أن يكون مستوى تسليحه أقل من الجيش وأعلى من الشرطة، ويخضع لقوانين الخدمة العسكرية من حيث التسليح والرواتب. ومن المقرر أن يضمّ الحرس الوطني، وفق كناني، فئة من العناصر الدائمة وأخرى احتياطية، يتمّ التعاقد معها والاستعانة بها في حالات الطوارئ.
ويقول عضو لجنة الأمن والدفاع النيابية، النائب الكردي هوشيار عبدالله، لـ"العربي الجديد"، إنّ "تشكيل الحرس الوطني إلى جانب بقية التشكيلات المماثلة يُعدّ خطوة بالاتجاه الخاطئ"، مشدداً على ضرورة "حصر السلاح بيد الدولة وإعادة بناء منظومة الدفاع العراقية بعيداً عن التوجهات القومية أو الطائفية". ويرى أنّ "مشروع الحرس الوطني في ظل الظروف الحالية ليس إلا استنساخاً غير موفق للتجربة الأميركية، وهو خطوة سيئة قد تتسبب في إضعاف منظومة الدفاع العراقية بدلاً من تقويتها".
وفي السياق ذاته، يشدّد القيادي في تحالف "متحدون"، خالد الدليمي، لـ "العربي الجديد"، على أنّ المشروع انحرف عن مقصده الرئيسي"، لافتاً إلى أن "الفكرة هي أن تحافظ قوات سنية على المناطق الشماليّة والغربيّة في العراق لتجنّب الاحتكاك الطائفي وترتيب البيت الداخلي، لكنّ دمج مليشيات طائفية فيها التفاف واضح على المشروع وسنعود الى نقطة البداية مرة أخرى". ويتوقّع "عدم إقرار البرلمان المشروع من دون تعديل على بعض النقاط التي تتحفظ عليها الكتل السنية".
من جهتها، تتوقّع النائب عن ائتلاف دولة القانون، ابتسام الهلالي، في تصريحات لـ"العربي الجديد"، أن يواجه "إقرار مشروع القانون صعوبات بسبب اختلاف الكتل السياسية على بعض بنوده"، موضحة أنّه "لا بد لمجلس النواب من إجراء تعديلات على مشروع القانون ليكون مقبولاً من كتل ونواب يطالبون بإحلال قانون التجنيد الالزامي بدلاً عنه".
على المقلب الآخر، يدعو النائب عن التحالف الوطني، محمد علي المسعودي، في تصريحات لـ"العربي الجديد"، إلى "إقرار القانون بأسرع وقت ممكن"، مؤكداً "إمكانية إقراره في مجلس النواب خلال جلستين أو ثلاث جلسات وبشكل أسرع من الموازنة". ويرى أنّ "أهميّة الحرس الوطني تكمن في ضرورة دمج قوات الحشد الشعبي ضمن الأجهزة الأمنية وأن تستمر في مقاتلة داعش والقضاء على الإرهاب بشكل نهائي"، لافتاً إلى أنّ "الحرس الوطني ليس مخصصاً للمحافظات الغربية فقط، إنما سيشمل جميع محافظات القطر".