ويقول مسؤولون عراقيون إن الجهاز الذي يعدّ الأقوى من بين التشكيلات العراقية العسكرية والأمنية، ويتمتّع بترسانة عسكرية متطورة وتدريب أميركي عال، يشكو من تدخلات قادة وزعماء مليشيات الحشد، والتجاوز على صلاحياته الدستورية، وصلت أخيراً إلى تهديد بعض قياداته البارزين، فيما يربط مراقبون ذلك بصراع الأجندات والنفوذ الإيراني والأميركي داخل العراق، الذي بدأ يأخذ منحى جدياً وأكثر حديّة من السابق، بشكل قد يهدد الاستقرار الهشّ الذي بدأ للتو في العراق.
ووفقاً لمسؤول عراقي بارز في بغداد، تحدّث لـ"العربي الجديد"، فإن "شكاوى من قيادات وضباط جهاز مكافحة الإرهاب تتزايد عن ضغوط وتدخّلات الحشد الشعبي في عملها وسعيها للتغلغل داخله، كما فعلت من قبل مع الجيش العراقي والشرطة الاتحادية والشرطة المحلية". وأضاف المسؤول أنّ "مشاكل حادة جرت بين بعض قادة الجهاز وعناصر بارزة أو قيادات بمليشيات الحشد حاولت التدخّل في عمل جهاز مكافحة الإرهاب في ما يتعلّق بتنفيذ مهام نوعية ضد تنظيم داعش أو انتشاره في المناطق المحررة أو تحركه في مناطق نفوذ المليشيات، حيث يجد مضايقة في ذلك. كما أن الحشد يحاول المشاركة بالمعلومات الأمنية الخاصة بجهاز مكافحة الإرهاب".
ولفت المسؤول إلى أنّ "بعض قادة الجهاز هددوا بالاستقالة بعد تلقي أربعة ضباط في كركوك وبغداد والبعاج وبيجي تهديدات صريحة من الحشد، وأحدهم دخل بمشادة كلامية وشتائم مع أحد عناصر المليشيا شمال بغداد"، معتبراً أنّ "الخلافات باتت تحدياً لرئيس الوزراء، حيدر العبادي، وتدشيناً فعلياً لأحد المشاكل التي كان يتوقّع بروزها بعد انتهاء مرحلة داعش، مع وجود 69 فصيلاً ومليشيا مسلحة ذات طابع ديني راديكالي صعب وبولاء لدولة جارة" في إشارة لإيران.
من جانبها، أكّدت مصادر مقرّبة من مليشيات "الحشد الشعبي" أنّ "الاحتكاكَ الحالي خاصٌّ بين قيادة جهاز مكافحة الإرهاب وعدد محدود من فصائل الحشد على رأسها العصائب وحزب الله والنجباء". ووفقاً للمصادر ذاتها التي تحدّثت لـ"العربي الجديد"، فإن "المليشيات الثلاث تلك تحاول التدخّل بعمل الجهاز وفرض رؤيتها، وهو ما لا يروق لقياداته ويرفضونه. كما أنّ النظام الداخلي لعمل الجهاز لا يجيز تلقّيه أوامر إلا من القائد العام للقوات المسلحة، أي رئيس الوزراء"، مؤكدةً أنّ "الماكينة الإعلامية للحشد باتت تعيد أفلام فيديو مسجّلة لعدد من ضباط جهاز مكافحة الإرهاب الحاليين مع الرئيس العراقي الراحل صدام حسين خلال خدمتهم بالجيش العراقي السابق، وتعتبرهم بعثيين وتطالب بتطبيق قانون اجتثاث البعث بحقهم".
وحول ذلك، قال عضو لجنة الأمن والدفاع في البرلمان العراقي، عدنان الأسدي، لـ"العربي الجديد" إن "جهاز مكافحة الإرهاب أُقرّ بقانون مستقل وهو مؤسسة مستقلة مختصة، وضعت له مهام محددة مثل تفكيك الخلايا الإرهابية وتحرير المدن والتخصص بملفات خطف الطائرات وتحرير الرهائن وملاحقة العناصر المتطرفة وغيرها، وهو جهاز متطوّر في المنطقة، وأعتقد أن مسألة وجود خلافات بين هذا الجهاز أو هذا التشكيل وذاك، قد تكون جراء حساسية، مثل تلك الموجودة بين وزارتي الداخلية والدفاع. فحتى في الولايات المتحدة هناك حساسية، وهذا أمر طبيعي، لكن في الميدان هناك قيادة ناجحة وحّدت الجهود كما جرى في الموصل" وفقاً لقوله.
من جانبه، قال النائب في البرلمان، شاخوان عبد الله، في حديث لـ"العربي الجديد"، إنه "قد تكون هناك خلافات فردية، لكن على المستوى العام لم أسمع بذلك حتى الآن"، مستدركاً أنه "ليس من صلاحية أحد التدخّل بعمل الجهاز أو ممارسة أي سلطة عليه، كونه محمياً بقانون ولا يمكن تغيير القانون أو إلغاؤه إلاّ من خلال البرلمان، وهذا الجهاز خرج منتصراً من تجربة حقيقية مع الإرهاب"، وفقاً لقوله.
أمّا القيادي في التيار المدني العراقي، حسام العيسى، فأوضح أنّ "الحشد تدخّل في كثير من مفاصل الدولة حتى على مستوى عمل دوائر الحكومة المدنية، ولديه تغلغل مباشر في كثير من الدوائر، مثل الجنسية والجوازات والمنافذ الحدودية والجمارك ونقاط التفتيش ومداخل المدن والمطارات وعدد من أجهزة الأمن والاستخبارات، وهو ما لا يمكن للحكومة أو الحشد نفسه إنكاره". وأضاف في حديث لـ"العربي الجديد"، أنّ "الحكومة مطالبة بوضع حدّ لتدخل الحشد في تلك المفاصل خصوصاً في المحافظات، لا سيما وأن ذلك يزداد مع قرار السماح لها بالمشاركة في الانتخابات البرلمانية المقبلة". وأوضح العيسى أن القوات الأميركية "قد ترفع يدها عن الجهاز وتوقف جميع أشكال الدعم في حال استشعرت بسيطرة الحشد عليه، كما فعلت مع الشرطة الاتحادية قبل سنوات".