"لا يمكن أحداً أن يمرّ ببغداد من دون أن يؤدي مراسم زيارة ساحة التحرير"، عبارة تتردد هذه الأيام في العاصمة وأسواقها، وعلى ألسنة سائقي سيارات الأجرة والبضاعة، الذين ينقلون المتبضعين من أسواق العاصمة إلى الساحة لزيارة المتظاهرين وتقديم الدعم لهم.
وعلى الرغم من موجة التظاهرات التي تعمّ البلاد، إلا أن الأسواق التجارية في العاصمة، ومنها سوق الشورجة تحديداً، ما زالت تستقطب التجار وأصحاب المحلات التجارية، في شتى المحافظات، الذين يشترون البضاعة لمحلاتهم.
أبو دريد، وهو صاحب محال لبيع لعب الأطفال في الموصل، يؤكد أن "قلوب أهالي الموصل مع المتظاهرين. الكثير من الموصليين لم يروا ساحة التحرير من قبل، لكنهم طلبوا مني أن أحمل سلامهم إلى المتظاهرين فيها"، مبيّنا لـ"العربي الجديد"، أنني "قبل أن أدخل سوق الشورجة، وحال وصولي إلى بغداد توجهت مباشرة إلى ساحة التحرير، والتقطت صوراً مع المتظاهرين، وهتفت معهم وقدمت لهم دعماً مادياً من أهالي الموصل، الذين أرسلوا معي مبالغ مالية اشتريت بها مواد غذائية للمتظاهرين".
وأكد قائلاً: "وجدت في ساحة التحرير ما لم أجده من قبل، حيث إن أطياف الشعب كافة تشارك في التظاهرات، وقد تجاوزت الطائفية والعنصرية البغيضة، وهي تردد بصوت واحد الحرية وإنصاف الشعب وإخراج إيران"، مبيّناً: "سأنقل هذه المشاهد التي تعيد الحياة إلى القلوب العراقية، إلى أهالي الموصل الذين ينتظرون أن يروا وحدة هذا الشعب، ووقوفه بوجه أي جهات لا تريد الخير للبلاد".
ولم يختلف رأي أبو هاشم، وهو أحد المتبضعين من أهالي محافظة بابل عن رأي أبي دريد، حيث حمل سلام أهالي محافظته ودعمهم إلى متظاهري ساحة التحرير، مؤكداً لـ"العربي الجديد": "جئنا للتبضع، لكننا أدينا واجب التظاهر والدعم في ساحة التحرير، هذه الساحة التي عكست وحدة أبناء الشعب العراقي".
وأكد: "لقد جئت للتبضع من بغداد ثلاث مرات هذا الشهر، وخلال هذه المرات لا أتبضع إلا بعدما أنهي مراسم زيارة المتظاهرين وواجبها والتظاهر معهم لعدة ساعات"، مشدداً على أن "التظاهر أصبح واجباً مقدساً بالنسبة إلينا، يجب أن يبقى صوتنا عراقياً واحداً مرفوعاً بوجه الظلم".
ويؤكد تجار في سوق الشورجة، أن جميع المتبضعين، من جميع المحافظات العراقية الذين يأتون إلى سوقنا، يتسابقون نحو ساحة التحرير قبل أي خطوة يقومون بها.
وقال عبد الجبار الربيعي، وهو أحد تجار السوق، لـ"العربي الجديد"، إن أغلب التجار يأتون إلينا للتبضع لدعم المتظاهرين، يتصلون بنا عبر الهاتف قبل وصولهم، لنجهز لهم البضاعة المطلوبة بحسب مبالغهم المتوافرة، ليأخذوها حال وصولهم إلى السوق وينطلقوا بها إلى ساحة التظاهر، ومن ثم يعودون ليتبضعوا بضاعتهم الخاصة لتجارتهم وينقلوها إلى محافظاتهم"، مبيناً أن "هذه الحال عامة لجميع المتبضعين".
ويرى المتظاهرون أن نشاطهم يتجدد حال وصول أهالي المحافظات الأخرى، حتى وإن كانوا فرادى أحياناً، وقال الناشط المدني، باسل العيداني، لـ"العربي الجديد": "تنعشنا زيارات أهالي المحافظات، الذين ينقلون إلينا حب أهاليهم وتحياتهم. من خلالهم نستشعر أننا في ساحة التحرير صنعنا شيئاً للعراقيين، هدمنا أسوار التفرقة التي بنتها الأحزاب".
وأكد أنّ التجار والمتبضعين لم يتفقوا فيما بينهم على زيارتنا، لكن حب الوطن لدى الجميع طغى على كل شيء آخر، فجعل من هذه الساحة مقصدهم قبل كل توجه أو عمل آخر، فاكتسبت قدسية من خلال التظاهرات التي تمثل الشعب الواحد الحر من دون أي مسميات أخرى".