العراق: فيتوهات تسقط المرشحين لرئاسة الحكومة

08 ديسمبر 2019
تأبين رمزي في بغداد لضحايا المجزرة (صباح عرار/فرانس برس)
+ الخط -


مع اقتراب انتهاء المهلة الدستورية المحددة لتكليف رئيس جديد للحكومة العراقية، ليل 17 من الشهر الحالي، لا يزال الحراك السياسي يراوح مكانه، إذ إن الأسماء التي تُطرح لخلافة عادل عبد المهدي تسقط بفيتوهات حزبية. بالتوازي مع ذلك، تواجه القوى السياسية، ومنها عبد المهدي، تحدياً جديداً تفرضه التحقيقات في مجزرة السنك وساحة الخلاني التي وقعت ليلة الجمعة الماضية وأدت إلى سقوط 25 قتيلاً من المتظاهرين وعشرات الجرحى، إذ تؤكد التحقيقات التي يجريها جهازا المخابرات والاستخبارات العسكرية وقيادة عمليات بغداد تورط مليشيا "كتائب حزب الله" بشكل مباشر في المجزرة، بعد توفر أدلة وإفادات مختلفة تشير أيضاً إلى تواطؤ منتسبين في الأجهزة الأمنية مع منفذي الجريمة، فيما تتصاعد أعداد المتظاهرين منذ المجزرة، ومعها تتزايد المطالب بالكشف عن الجناة، وهو مطلب السفارتين الأميركية والبريطانية أيضاً، وبعثة الأمم المتحدة التي تتحرك على عدة مستويات بهذا الشأن.

ويراوح الحراك السياسي لاختيار رئيس جديد للحكومة مكانه. وقالت مصادر سياسية مطلعة في بغداد، لـ"العربي الجديد"، إن اجتماعات القوى السياسية الشيعية مستمرة، لكنها لم تفضِ إلى أي اتفاق واضح أو حتى تقارب في وجهات النظر، وآخر اجتماع، عُقد مساء السبت، جرى في منزل زعيم تحالف "الفتح" هادي العامري في بغداد، وتم استبعاد أسماء وطرح أخرى أو تأكيدها كأسماء مرشحة، غير أنه لا يوجد توافق نهائي. وكشفت أن "أبرز الأسماء المطروحة حالياً هي محمد شياع السوداني، وتلقّى دعماً من هادي العامري ونوري المالكي وكذلك عبد الحسين عبطان، ويحظى هذا الخيار بقبول مبدئي من عمار الحكيم كرئيس حكومة انتقالية قبيل الذهاب لانتخابات مبكرة، غير أن زعيم التيار الصدري، مقتدى الصدر، رفض الاسمين".

وبحسب المصادر ذاتها، فإن "هناك تواصلاً بين هادي العامري ومقتدى الصدر، بشكل غير مباشر، لكن لم يفض إلى تغيير قناعات الصدر المتجهة نحو تسمية رئيس وزراء على مقاس الشارع لا مقاس الكتل السياسية". وأضافت المصادر أن "قادة القوى السياسية يواصلون الضغط على رئيس الجمهورية برهم صالح، لعدم تقديم أي مرشح لرئاسة الوزراء، من دون أن يتم تقديمه له من خلال قادة الكتل والأحزاب السياسية، فيما يسعى صالح لإيجاد مرشح تسوية يرضي الكتل والمتظاهرين معاً".

من جهته، قال رئيس كتلة "بيارق الخير" البرلمانية، النائب محمد الخالدي، في اتصال مع "العربي الجديد"، إن "هناك تجمعاً برلمانياً يضم لغاية الساعة أكثر من 130 نائباً والعدد قابل للارتفاع، وهذا التجمع يرفض ترشيح أي شخصية لرئاسة الوزراء لا تكون بالمواصفات والشروط التي يريدها المتظاهرون". وأوضح الخالدي أن "هؤلاء النواب من كتل سياسية مختلفة ومن قوميات وطوائف وأديان مختلفة، لهم رؤى مشتركة، وبعضهم رفضوا تهديد كتلهم للانسحاب من هذا التجمّع، وهؤلاء النواب عقدوا أكثر من اجتماع مع رئيس الجمهورية وقدموا له شروط تسمية رئيس الحكومة الجديد". وأضاف الخالدي أن "أي مرشح بلا موافقة هؤلاء النواب وبلا توفر شروط المتظاهرين فيه لن يمر".

فيما قال النائب عن كتلة "صادقون" البرلمانية عبد الأمير الدبي، في حديث مع "العربي الجديد"، إن "المواد الدستورية تؤكد أن الكتلة الكبرى داخل البرلمان يكلفها رئيس الجمهورية بتقديم مرشح لرئاسة الوزراء، وتحالف سائرون تنازل عن هذا المنصب للشعب العراقي، فالمتظاهرون هم الآن الأولى بهذا المنصب". أما النائب عن تحالف "سائرون" عباس عليوي، فقال لـ"العربي الجديد" إن موقف الصدر والتحالف "ثابت ولن يتغير، بشأن اختيار رئيس الحكومة الجديد من قبل الشعب، وليس الكتل والأحزاب السياسية". وأعلن أن "تحالف سائرون سوف يتصدى لأي عملية تصويت على أي مرشح يتم ترشيحه من قبل الكتل السياسية".

في غضون ذلك، استضافت لجنة الأمن والدفاع البرلمانية أمس الأحد أربع قيادات أمنية وعسكرية مسؤولة عن أمن العاصمة لمناقشة تفاصيل مجزرة السنك، في اجتماع دام لساعات تضمّن معلومات بعضها اعتُبر غاية في الخطورة. وأكد مسؤول في اللجنة لـ"العربي الجديد"، أن الأسئلة ما زالت تُطرح وهناك من يراوغ، ومنها من أمر بإطفاء التيار الكهربائي عن المنطقة قبل وقوع الجريمة واقتحام المنطقة، ومن وافق على مرور نحو 100 مسلح بسيارات وحافلات مسلحة من دون لوحات تسجيل وملثمين من 9 حواجز عسكرية وأمنية من دون إيقافهم، ولماذا تأخر وصول قوات الأمن إلى المكان، وأساساً من سمح للمسلحين بالعودة أدراجهم من دون إيقافهم، فيما الحواجز الأمنية كانت إما تتفرج أو تسمع أصوات الرصاص. وتابع "المعلومات المتوفرة لدينا أن المهاجمين فصيل مسلح يستخدم هويات وسيارات الحشد، والأكثر قرباً من المتورطين هم كتائب حزب الله والنجباء".

وكشف مسؤول عراقي آخر لـ"العربي الجديد" أن "هناك ضغوطاً كبيرة على الحكومة للكشف عن الجناة سريعاً"، مضيفاً أن "الأميركيين والأمم المتحدة مقتنعون تماماً بأن المنفذين ينتمون إلى مليشيا مسلحة مدعومة من إيران وتعمل ضمن الحشد"، لافتاً إلى أن "تسويف نتائج التحقيق أو محاولة سرد رواية غير هذه الرواية سيكون صعباً للغاية". في المقابل، دافع المتحدث العسكري باسم الحكومة، اللواء الركن عبد الكريم خلف، عن "الحشد" رافضاً اتهامها بارتكاب المجزرة. وقال خلف، في تصريح لوكالة الأنباء العراقية الرسمية، إن "هناك بعض الدول تحاول التسويق لهذا الموضوع، وأن تربطه بالتظاهرات، لأجل استهداف الحشد، وهو لا يستحق الرد".
وكانت وسائل إعلام عراقية قد نقلت عن مقرب من الصدر هجوماً لاذعاً على زعيم مليشيات "الحشد" فالح الفياض بعيد الهجوم بساعات، وهو ما اعتُبر تأكيداً للمعلومات عن تورط فصيل مسلح مرتبط بإيران بالهجوم ويعمل تحت غطاء "الحشد"، في الوقت الذي أصدر فيه الفياض توجيهات جديدة في بيان مساء السبت، طالب فيه فصائل "الحشد" بعدم الوجود قرب ساحات التظاهرات.


وفي السياق، بحث الرئيس العراقي برهم صالح، أمس الأحد، في قصر السلام في بغداد، مع الممثلة الخاصة للأمين العام للأمم المتحدة في العراق جينين هينيس بلاسخارت، المجزرة، وفقاً لبيان صدر عن مكتب الرئيس، قال فيه إنه تم التأكيد أن الجريمة المروعة نفذتها عصابات خارجة عن القانون، بما يوجب تكثيف وتعزيز الإجراءات الأمنية والقبض على منفذي الجريمة وإحالتهم إلى القضاء.

في السياق، قررت السلطات العراقية أمس إعفاء قائد عمليات الجيش في بغداد الفريق الركن قيس المحمداوي من منصبه. وأكدت مصادر عسكرية عراقية لـ"العربي الجديد" أن الإعفاء جاء على خلفية الإخفاق في إدارة الملف الأمني في العاصمة، واستمرار سقوط ضحايا من المتظاهرين. من جهتها، قالت وكالة الأنباء العراقية إنه تم تكليف اللواء عبد الحسين التميمي بدلاً من المحمداوي. كما قررت وزارة الدفاع إحالة قائد القوة الجوية الفريق الركن أنور حمه أمين إلى التقاعد مع 58 ضابطاً آخر بسبب بلوغهم السن القانونية.

ميدانياً، شهدت بغداد ومدن جنوب ووسط البلاد تظاهرات بأعداد متصاعدة مقارنة بالأسابيع الماضية اعتُبرت رد فعل شعبياً على مجزرة السنك، التي ارتفع عدد ضحاياها إلى 25 قتيلاً بعد وفاة اثنين من الجرحى، فضلاً عن نحو 130 جريحاً آخرين. وشهدت ساحات التحرير والخلاني والوثبة في بغداد تظاهرات واسعة شارك فيها طلاب الجامعات والمعاهد والمدارس بكثافة، مع ملاحظة أن خيمة متظاهري الأحزاب والمليشيات التي نُصبت الخميس الماضي بدت خالية تماماً.

وقال الناشط علي غريب الفريداوي، لـ"العربي الجديد"، إن "المجزرة أعادت الزخم مجدداً للشارع والجميع يشعر بتأنيب الضمير ويقول لو كانوا بأعداد كبيرة ما وقعت المجزرة ولهابتهم المليشيات وتراجعت". ولفت إلى أن "الجريمة أعادت التظاهرات إلى الصدارة". من جهته، قال الناشط في تظاهرات بغداد، علي الطائي، لـ"العربي الجديد"، إن مجزرة السنك "ضاعفت عدد المتظاهرين ومن كان يشارك أحياناً صار يأتي يومياً إلى ساحات التظاهرات". وتابع "هذا رد فعل عفوي من العراقيين على السلطة والمليشيات".

وأقام المتظاهرون في بغداد ومدن جنوب العراق ووسطه فضلاً عن مدن شمالية وغربية مختلفة، أبرزها الفلوجة والموصل والرمادي وتكريت، تأبيناً وصلاة الغائب عن أرواح الضحايا، كما شهدت مدن أخرى تنظيم حملات تبرع بالدم للجرحى الموجودين في مستشفيات بغداد. وفي مدن الجنوب العراقي وتحديداً المدن الأكثر سخونة، وهي البصرة والناصرية والنجف، تم فتح أغلب الطرق المغلقة من قبل المتظاهرين مع مواصلة الاعتصام والاحتشاد في ميادين المدن الرئيسة. وشهدت ساحة الصدرين في النجف وساحتا البحرية وذات الصواري في البصرة والحبوبي في الناصرية تظاهرات واسعة. فيما شهدت ساحة التربية في كربلاء وساحة الساعة في الديوانية وميادين مماثلة في الكوت والعمارة والحلة والسماوة ومناطق وبلدات أخرى تظاهرات وتجمعات مماثلة.