العراق: غياب البديل يؤخر سحب الثقة من عبد المهدي

10 سبتمبر 2019
عوائق عدة تحول دون تغيير عبد المهدي(أحمد الربيعي/فرانس برس)
+ الخط -
بعد إعلان اللجنة المكلفة من قبل البرلمان العراقي بمراقبة تنفيذ البرنامج الحكومي مطلع شهر أغسطس/ آب الماضي، عن أرقام اعتُبرت صادمة تتعلق بنسب الإنجاز في البرنامج الوزاري لحكومة عادل عبد المهدي، بدأت قوى وكتل سياسية عراقية مختلفة الحديث عمّا تصفه بالبديل المفقود لرئيس الوزراء الحالي، في حال سُحبت الثقة منه. هذا الحديث الذي تصاعد خلال الأيام القليلة الماضية، على وقع تصدّع في تحالف "الفتح"، وخلافات داخل "الحشد الشعبي"، وتوسيع زعيم تيار "الحكمة" عمار الحكيم تحركاته لضم نواب آخرين في البرلمان لجبهته المعارضة، يقترن بسؤال حول البديل الممكن عن عبد المهدي. كما يقود إلى استذكار أزمة الكتلة الأكبر التي استمرت لأشهر، والتنافس الأميركي الإيراني في بغداد لظفر كل طرف بحكومة قريبة منه، وذلك عبر المبعوث الأميركي بريت ماكغورك، ونظيره الإيراني في العراق قاسم سليماني، قبل أن تنتهي بمبادرة من المرجعية الدينية في النجف التي طرحت حكومة التسوية لتنزع فتيل أزمة كبيرة في البلاد.

وتحدّث مسؤولون في بغداد وأعضاء في البرلمان، عمّا وصفوه بشهر ساخن في سبتمبر/ أيلول الحالي، تستعد له كتل سياسية مختلفة لفتح ملف برنامج عبد المهدي الحكومي وما حققه، خصوصاً على مستوى الخدمات ومعدلات الفقر والبطالة المتصاعدة في البلاد.

وفي السياق، قال نائب بارز في البرلمان العراقي، طلب عدم ذكر اسمه، لـ"العربي الجديد"، إنّ أبرز ما يؤخّر طرح موضوع سحب الثقة من عبد المهدي، هو "انعدام البديل، ولعل الأخير يعي ذلك ومطمئن إلى أنه سيكمل سنواته الأربع"، مشيراً إلى أنه "قد تدفعه الضغوط الحالية، الداخلية والخارجية، إلى أن يبادر بالاستقالة". واعتبر النائب نفسه أنّ "بقاء عبد المهدي فوضى، واستقالته من دون بديل فوضى أكبر، على الرغم من وجود مؤاخذات كبيرة على عمله، ليس على مستوى البرنامج الحكومي فقط، إنما أيضاً بسبب ضعفه في كثير من الملفات المتعلقة بالحشد، وتنازلاته المالية لإقليم كردستان وملف النفط العالق مع أربيل، وكذلك ملف المناصب، وتقريبه قيادات المجلس الأعلى السابقين ومنحهم مناصب مهمة في مكتبه والحكومة ككل". ورأى أنّ "العامل الخارجي وتحديداً إيران والولايات المتحدة، عائق أمام أن يكون البرلمان قادراً على إعفاء عبد المهدي من مهمته، فالخطوة تتطلّب ضوءاً أخضر إيرانياً وأميركياً أيضاً، وبالنسبة للأميركيين حالياً لم يعد عبد المهدي مفضلاً لديهم".

وأعلنت لجنة تنفيذ البرنامج الحكومي في البرلمان العراقي في وقت سابق من الشهر الماضي، أنّ الحكومة لم تنجز من برنامجها سوى 30 في المائة، فيما تؤكّد الأخيرة أنها أنجزت لغاية الآن أكثر من 70 في المائة من برنامجها، الذي مُنحت ثقة مجلس النواب العراقي على أثره.

من جهته، قال قيادي مقرّب من زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، لـ"العربي الجديد"، إن الأخير "حتى قبل الإعلان عن نسب الإنجاز في البرنامج الوزاري، غير راض عن أداء عبد المهدي وأعضاء حكومته، خصوصاً في ما يتعلّق بالجانب الخدمي وتوزيع المناصب والاستجابة لضغوط الجارة"، في إشارة إلى إيران. وأكّد أنّ الصدر "أرسل ملاحظات وتحذيرات كثيرة في الشهرين الماضيين لعبد المهدي، لكن الأخير تجاهلها"، معتبراً أنّ كل ما يقوم به رئيس الوزراء هي "أعمال ترقيعية، لا تحلّ الأزمات التي مرّت وتمرّ بها البلاد حالياً".

وأوضح القيادي نفسه أنّ القناعة الحالية اليوم لدى أوساط سياسية في العراق هي أنّ عبد المهدي يعمل حالياً على إعادة تقوية المجلس الأعلى الإسلامي، الذي كان ينتمي إليه سابقاً، وشهد تراجعاً واضمحلالاً منذ انسحاب عمار الحكيم منه، مشيراً إلى أنه "عمل على تسليم قيادات المجلس مناصب مهمة في الدولة العراقية، داخل مكتبه الخاص وفي هيئات ووزارات ومكاتب المفتشين، مثل أبو جهاد الهاشمي، مدير مكتبه الذي تحوّل إلى رئيس الوزراء الفعلي في العراق وهو أبرز قيادات المجلس الأعلى الإسلامي، وعبد الكريم فصيل وأيضاً عبد الهادي الحكيم الذي استقدم بدوره نجله الذي تخرج للتو من كلية الصيدلية وعينه مستشاراً في مكتبه".

وكشف أنّ "الحديث عن بديل لعبد المهدي وطرح هذا التساؤل، خرج من أروقة كتل عدة في لقاءات مشتركة، أبرزها تحالف سائرون، وائتلاف النصر، وتيار الحكمة، وقوى عربية سنية ومدنية أخرى، ولغاية الساعة هي مستمرة ومتواصلة، وهذا هو ما يؤخر الإعلان أو التصريح عن الرغبة أو السعي لتغيير الحكومة"، مضيفاً أنه "كلما يرد اسم، يظهر أن هناك تحفّظاً عليه من طرف داخلي أو خارجي".

في المقابل، فإنّ المجلس الأعلى الإسلامي الذي انتقل من خانة النأي عن أي تصريحات تتعلق بالحكومة إلى الدفاع عنها في الشهرين الماضيين، يؤكّد أنّ عبد المهدي سيكمل سنواته الأربع. وفي هذا الإطار، قال القيادي في المجلس، أحمد الحسني، لـ"العربي الجديد"، إنهم "مقتنعون بأنّ عادل عبد المهدي وحكومته، سوف يكملون السنوات الأربع من دون أي سحب للثقة، وهذه القناعة هي بسبب التأييد السياسي الكبير الذي تحظى به الحكومة الحالية، خصوصاً دعمها من قبل تحالف البناء، الذي يضمّ قوى شيعية وسنية كبيرة، وهناك دعم قوي كذلك من القوى الكردستانية".

وأوضح الحسني أنّ "هناك بعض الإنجازات لعبد المهدي وكابينته الوزارية، على الرغم من الوقت الضيق من عمر الحكومة، خصوصاً أنّ أربع وزارات مهمة فيها اكتملت بعد ثمانية أشهر، في حين أنّ وزارة التربية لغاية الآن بلا وزير"، لافتاً إلى أنّ "هناك إنجازات على مستوى الملف السياسي الدولي، وكذلك الاقتصادي والزراعي". وحذّر الحسني من أنّ السعي لإسقاط حكومة عبد المهدي "يعني إدخال العراق بنفق مظلم، خصوصاً أنّ إيجاد البديل مستحيل، فهذا يتطلب موافقة الكتل السياسية وأطراف دولية، ويجب أن يرضى الجميع عن الشخص البديل، ولهذا فإنّ الحوارات في هذا الشأن سوف تفشل".

وكان القيادي في تيار "الحكمة" صلاح العرباوي، قد قال في وقت سابق إنه "قد تكون واحدة من أهم معرقلات سحب الثقة من حكومة فاشلة، هي مسألة اختيار البديل التي قد تستغرق وقتاً، مما يدخل البلاد في شلل حكومي"، مضيفاً أنّ "سحب الثقة البنّاء يعالج هذه المشكلة، لكن يجب أن يتم اختيار البديل قبل القيام بهذه الخطوة، كما يجب تطبيق هذا المبدأ (سحب الثقة) في العراق".

من جانبه، يؤكّد ائتلاف "النصر" بزعامة رئيس الحكومة العراقية السابق حيدر العبادي، وجود حراك فعلي من أجل تغيير عبد المهدي. وفي هذا الإطار، قال القيادي في الائتلاف علي السنيد، لـ"العربي الجديد"، إنّ "هناك قوى سياسية مؤثّرة بدأت بالتحرّك من أجل إيجاد بديل عن رئيس الحكومة الحالي". وأكّد أنّ "هذا البديل بحاجة إلى توافق سياسي عراقي، وكذلك توافق إقليمي ودولي، وخصوصاً من قبل واشنطن وطهران"، مشيراً إلى أنّ "ما يؤخّر سحب الثقة من عبد المهدي، هو إيجاد البديل المناسب". وأضاف السنيد أنّ "العبادي ضمن الأسماء المرشحة لتولي رئاسة وزراء العراق، بعد سحب الثقة من عبد المهدي، وهو الأوفر حظاً"، بحسب قوله.

المساهمون