العراق: عودة الحرب الطائفية

24 اغسطس 2014
عنصر بـ"حزب الله ــ فرع العراق" ببغداد(أحمد الربيعي/فرانس برس/getty)
+ الخط -
منذ سقوط مدينة الموصل في العاشر من يونيو/حزيران الماضي، وإعلان المرجع علي السيستاني "فتوى الجهاد الكفائي" ضد الفصائل المسلحة، وُلدت 13 ميليشيا شيعية، من بينها سبعة كانت موجودة أصلاً فتمت إعادة تفعيلها، وهي تنتشر في مناطق متفرقة من العراق.
والستة الاخرى أسسها رجال دين ومسؤولون محليون وأحزاب سياسية. الميليشيات التي تمّت إعادة نفخ الروح فيها هي: "عصائب أهل الحق" بزعامة قيس الخزعلي، رئيس كتلة "صادقون" في البرلمان، وميليشيا "بدر" بزعامة وزير النقل، هادي العامري، وقائدها العسكري العام نجله مهدي، الذي فجر أزمة بين بغداد وبيروت أخيراً من خلال منعه طائرة تابعة للخطوط الجوبة اللبنانية من الهبوط في بغداد بسبب عدم انتظارها له في مطار بيروت. فضلاً عن ميليشيا "أبو الفضل العباس"، الفرع العراقي للميليشيا الام الموجودة في سورية، والتي تشكلت في العام 2012 رسمياً في دمشق من مقاتلين عراقيين، وقائدها حسين الجعفري، وهو أحد القيادات المنشقة عن التيار الصدري، إضافة الى ميليشيا "حزب الله ــ فرع العراق"، بزعامة واثق البطاط، وميليشيا "جيش المختار" بزعامة ابو مؤمل الموسوي، وميليشيا "حزب الدعوة ــ تنظيم العراق" بزعامة حسن السنيد، القيادي في حزب الدعوة الإسلامية الحاكم، الذي يرأسه نوري المالكي، وأخيراً ميليشيا "سرايا السلام" التابعة لزعيم التيار الصدري، مقتدى الصدر، والتي يتألف أفرادها من "جيش المهدي" الذي تمت هيكلته بقرار من الصدر في يونيو الماضي، تحت مسمى "سرايا السلام". 

أما الميليشيات الست الجديدة، فهي "العقيلة زينب" و"الحشد الشعبي" و"كتائب كربلاء" و"سرايا الحسين" و"جماعة آل البيت" و"جند الإمام"، وجميعها تتبع شخصيات عراقية سياسية ودينية ونواباً.

الغطاء الديني
واستفادت تلك الميليشيات من فتوى السيستاني، إذ اتخذت منها غطاءً دينياً ورسمياً من خلال إعلان المالكي، في 16 يونيو/حزيران عن دمج أعضاء تلك الميليشيات والمتطوعين في صفوف الجيش والشرطة لصد "الهجمة الإرهابية التي تستهدف الدين والعقيدة" على حد تعبيره، وأصبح وجودها علنياً في الشوارع والمدن، وخصوصاً ببغداد حيث تولت حماية مقرات مهمة وحساسة باستخدام عربات عسكرية وأخرى تابعة للشرطة.

ومنذ تفعيل نشاط تلك الميليشيات بشكل رسمي، عادت الى السطح ظاهرة الجثث المجهولة في بغداد والمناطق العراقية المختلطة طائفياً، وينتمي جميع الضحايا إلى فئة دينية معينة أعقبتها هجمات عنيفة ذات طابع طائفي استهدفت 24 مسجداً في بغداد وضواحيها، أسفرت عن مقتل واصابة العشرات من المصلين. كما أدى هجوم استهدف عمالا وموظفين في مصفى بيجي، شمال بغداد، وجميعهم من سكان مدينة الفلوجة السنية، الى مقتل 41 منهم.

وشنت الميليشيات نفسها هجمات على ثلاثة سجون في ديالى وتلعفر وبغداد، قامت خلالها بإعدام عشرات النزلاء فضلاً عن مقتل نحو 200 مواطن منذ مطلع الشهر الماضي بهجمات مسلحة استهدفت سيارات المسافرين على الطرق الرابطة بين بغداد والمحافظات الساخنة، بواقع 68 هجوما وفقاً لتقارير طبية وأمنية حصل عليها "العربي الجديد".

وكانت آخر تلك الهجمات وأكثرها دموية، الهجوم على جامع مصعب بن عمير بمحافظة ديالى، أول من أمس، الجمعة، الذي راح ضحيته 74 مصلياً وجرح 28 آخرين من العراقيين السنة. في المقابل، شن تنظيم "داعش"، هجمات عنيفة استهدفت حسينيات وأسواقاً ومراكز للتطوع في بغداد وعدد من مدن الجنوب، راح ضحيتها العشرات ايضاً من العراقيين الشيعة. وتبنى التنظيم بشكل رسمي الهجمات، على خلاف تلك التي شنتها الميليشيات الشيعية، واستهدفت المواطنين السنة.

تبخُّر آمال الهدوء

ويقول النائب عن تحالف متحدون خالد الدليمي لـ"العربي الجديد" إن "فتوى الجهاد أطلقت يد الميليشيات الشيعية القديمة وكونت ميليشيات أخرى جديدة تعاملت مع دعم الجيش في مواجهة الفصائل المسلحة بشكل طائفي، ونفذت عمليات اعدام ميدانية بحق مواطنين سنة".

ويوضح الدليمي أنه "من الخطأ أن نقول إن الحرب الطائفية وشيكة، بل هي وقعت فعلاً، لكنها تتخذ شكلاً مقنعاً، إذ إن داعش ليس حالة خاصة، بل الميليشيات ترتكب الجرائم أيضاً، لكنها تبقى متسترة بغطاء الجيش والشرطة وتستخدم آلياتها ومواردها ومقراتها الحكومية". ويتابع الدليمي أنه "يمكن التأكد من ذلك بتجوال كل من واثق البطاط زعيم حزب الله المطلوب من قبل القضاء المحلي والانتربول بتهمة قصف أراضٍ سعودية العام الماضي، والقيادي بجيش المهدي أبو درع المطلوب اميركيا وعراقياً بتهمة ارتكاب جرائم طائفية في العام 2006".

ويختصر الوضع بالقول "إنها حرب طائفية أطلقتها الميليشيات بخطأ حكومي وديني، لكنها غير معلنة، ونجحت في حرف الانتفاضة العشائرية عن مسارها، وأعطتها بعداً طائفياً، فبدلاً من أنها تقاتل داعش، بدأت بقتل السنة على الهوية، وهذا ما يجعل من ردة الفعل طبيعية".

مجزرة جامع مصعب بن عمير، قد تكون نقطة تحول لهذه الحرب الطائفية غير المعلنة، وتهديداً جدياً بفشل تشكيل الحكومة قبل موعدها المحدد، الذي لم يتبقَّ له سوى 13 يوماً بعد انسحاب معظم الكتل السنية من مفاوضات تشكيلها.

كما أنها قد تدفع بالمجلس العسكري لعشائر العراق، الذي ظل حريصاً على أن حراكه المسلح "لا يستهدف الشيعة بل الحكومة نفسها"، الى الدخول مع "داعش" في حربه الطائفية المعلنة، في حال لم يتم تقديم المتورطين بالجريمة إلى العدالة، وإيقاف الاستعانة بالميليشيات، في ظل إصرار حكومة المالكي على اتهام "داعش" بارتكاب جريمة المسجد، وإبعاد أصابع الاتهام عن ميليشيا "عصائب أهل الحق"، المتهم الاول بارتكابها، والذي سارع زعيمها قيس الخزعلي، أمس السبت، إلى نفي تورط تنظيمه بارتكابها، واعتبرها "من صنع داعش".

يمكن القول إن مجزرة جامع مصعب بن عمير، هي القشة التي قد تطيح بآخر آمال العودة الى الهدوء العراقي المنشود، في حال لم يتم التجاوب من قبل الحكومة العراقية لمطالب السنة العرب، وأبرزها اعتقال المتورطين، وإنهاء الميليشيات وإدراجها ضمن خانة الجماعات الارهابية، في مقابل إنهاء مفاوضات تشكيل الحكومة، وتوزيع الحقائب الوزارية، وعودة الكتل السنية لتلك المفاوضات، وأيضاً لمنع استغلال تنظيم "داعش" لحالة الاحتقان السني، عبر نقل الحرب الطائفية الحالية من مرحلة مقتصرة عليه، وعلى الميليشيات فقط، الى أخرى سيكون عنوانها شعبياً بامتياز، ولن يكون فيها رابح نظراً لتكافؤ القوة والمساحات المتساوية التي يسيطر عليها كلا الطرفين.