أسهم تردي الواقع الأمني في العراق في اتساع ظواهر وولادة أخرى؛ يعتبرها العراقيون دخيلة على المجتمع وتسببت بزيادة معاناتهم اليومية بشكل واضح.
وبين تلك الظواهر التي طالبت منظمات محلية وسياسيون الحكومة بالتصدي لها؛ اتساع دور العشيرة والقبيلة لتأخذ في كثير من الأحيان دور قوات الأمن والقضاء، خاصة في المشاكل الاجتماعية كالشجار والطلاق والسرقة والتعدي على الأملاك.
ويعزو مراقبون ذلك إلى قدرة العشيرة على حسم المشكلة أسرع من القضاء، كما أنها تتمتع بقوة أكبر.
ومن الظواهر التي سببها طغيان العرف والأحكام العشائرية، ظاهرة حجز المنازل والمجمعات التجارية "عشائرياً" طلباً للثأر أو الفدية أو بسبب خلاف عشائري مسلح يسفر عن قتلى وجرحى بين عشيرتين متصارعتين، ليقع ضحيتها أفراد من العشيرتين، ممن لم يكن لهم يد في تلك الخلافات المسلحة.
ونشر ناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي صوراً أظهرت قيام أفراد من "عشائر" معينة بوضع لافتات على أحد المجمعات التجارية كتبوا عليها "المول مطلوب عشائرياً" ما أثار موجة سخرية شعبية واسعة وغضباً من قبل أصحاب الدور والمجمعات التجارية المحجوزة.
وقال الناشط أحمد كمال إنَّ "ظاهرة حجز المجمعات التجارية (المولات) أصبحت لافتة أخيراً، بعد حجز دور الأطباء أو المواطنين إثر خلافات عشائرية مسلحة تحدث بين الحين والآخر وسط وجنوب البلاد وقع ضحيتها مواطنون لا ذنب لهم بما يجري".
وأوضح كمال لـ"العربي الجديد": "عندما يحدث صدام مسلح بين عشيرتين يستولي أفراد من كلتا العشيرتين على منازل أو مجمعات تجارية عائدة لأفراد من العشيرة الأخرى، ويعلقون لافتات يكتبون عليها "المنزل محجوز لا يباع ولا يؤجر"، أو "المول مطلوب عشائرياً".
وبرزت قبل نحو شهرين ظاهرة مصادرة منازل عدد من الأطباء وسط وجنوب البلاد من قبل بعض العشائر إثر وفاة مريض خلال إجراء عملية جراحية خطرة، وتطور الأمر إلى دمغ المنازل بالدم وكتابة عبارة "المنزل لا يباع ولا يؤجر وصاحبه مطلوب دم".
وتقف السلطات الأمنية في البلاد عاجزة أمام الظاهرة التي أثارت استياءً وغضباً شعبياً واسعاً بين المواطنين ممن وقعوا ضحية لتلك الخلافات فضلاً عن تهجير عشرات الأسر بسبب الخلافات العشائرية المسلحة، كما جرى في عدد من قرى وبلدات جنوب البلاد أخيراً.
اقرأ أيضا:ديالى العراقيّة تدفع ثمن التغيير الديمغرافي... قتل وخطف وتهجير
ويقول مصدر في وزارة الداخلية العراقية، إنَّ هذه الظاهرة سبقتها صدامات عشائرية مسلحة عديدة في مختلف مدن وبلدات وسط وجنوب العراق، ما زاد من صعوبة ما تواجهه السلطات الأمنية، فيما يحاول الجيش التدخل بين آونة وأخرى لفض تلك النزاعات بقوة السلاح.
ويضيف المصدر الذي فضل عدم الكشف عن اسمه، أنَّ "من يقعون ضحية الصدام المسلح بين عشيرتين هم الأبرياء من مواطنين ومثقفين ممن لا ذنب لهم، ليدفعوا فاتورة الخلاف رغم عدم مشاركتهم في تلك الصدامات أو إثارتها، فيما تعجز السلطات عن منع هذه الظاهرة الدخيلة على المجتمع".
ويقول الحقوقي فاضل البكري إنَّ "الطابع العشائري في البلاد، للأسف، لا يخضع للقوانين أو الأخلاقيات الدينية مطلقاً، بل يخضع للعرف العشائري فقط، وهذا يعقد قدرة الدولة على ردع هذه الظاهرة المقززة بسبب ضعف وتهالك أجهزتها الأمنية، وعدم وجود رؤية واضحة لمواجهة الصدامات العشائرية وتبعاتها قانونياً".
وأوضح البكري لـ"العربي الجديد" السبب الرئيس في انتشار هذه الظاهرة، وهو "عدم تطبيق القانون على الجميع بعدالة، فلو أقدمت الدولة مثلاً على اعتقال عدد من شيوخ العشائر وأفرادها المشاركين في إثارة الفتنة والاستيلاء على منازل وممتلكات المواطنين بسبب خلافات عشائرية لتمكنت من ردع الباقين عن هذه الأعمال المخلة بالمجتمع".
ودفعت ظاهرة الاستيلاء على منازل الأطباء والتجار والمجمعات التجارية لبعض المواطنين إثر خلافات عشائرية وثارات متبادلة بين عدد من العشائر إلى هجرة عشرات الأطباء والتجار والمواطنين خشية أعمال الثأر.
صاحب مجمع تجاري في جنوب بغداد، كشف لـ"العربي الجديد" أنَّ خلافاً جرى بين عشيرته وعشيرة أخرى تطور إلى صدام مسلح أسفر عن قتلى وجرحى بين الطرفين، وتوقف بتدخل قوات من الجيش والأمن. وبين أنه "رغم محاولتي مع عدد من المثقفين والعقلاء من العشيرة الأخرى فض النزاع، لكننا فوجئنا بمصادرة ممتلكاتنا وكتابة عبارات (مطلوب عشائرياً)، فضلاً عن الاستيلاء على منازل وممتلكات لأفراد العشيرتين في فعل غير أخلاقي، رغم عدم مشاركتي بهذه الفتنة بل كنت أسعى لوأدها".
اقرأ أيضا:العراق: أهالي الرمادي بين الموت والاعتقال