يكمل حيدر العبادي بعد بضعة أسابيع نصف دورته الرئاسية في سدة الحكم في العراق، فيما لا تزال البلاد مثقلة بالفساد والإرهاب والفقر وملايين النازحين والمهجرين والأمية والشلل في قطاعات الصناعة والطاقة والتعليم والزراعة، وهو الذي كان قد حاز على ثقة البرلمان العراقي كرئيس للحكومة في 8 سبتمبر/أيلول 2014، وذلك بعد مخاض عسير شهدته أروقة المنطقة الخضراء انتهت بما عُرف حينها بـ"الانقلاب الأبيض" الذي أطاح برئيس الوزراء السابق نوري المالكي الذي تمسك بالمنصب وأصر على ولاية ثالثة له.
اتفاق وُصف بالنادر بين الكتل الرئيسية الثلاث، السنّية والشيعية والكردية، أثمر عن تسمية العبادي رئيساً للوزراء بعد موافقته على توقيع وثيقة شرف عُرفت باسم وثيقة الاتفاق السياسي، التزم العبادي بتنفيذها ضمن جدول زمني يتراوح بين ستة أشهر وعام واحد، تحوي على مطالب وشروط الكتل السياسية المختلفة لقاء التصويت له كرئيس للوزراء في البرلمان. إلا أن أياً من التعهدات أو الشروط الرئيسية الكردية والسنّية وحتى المسيحية التي ألزم العبادي بها نفسه، ووضعت واشنطن نفسها بدور الكفيل أو الضامن لها، لم تُنفذ بعد مرور نحو عامين من توقيع رئيس الحكومة على تلك الوثيقة التي كانت شرطاً للتصويت له رئيساً للوزراء، وهو ما حصل فعلاً بعد ساعات حين انتُخب بغالبية الثلثين رئيساً للوزراء في جلسة صاخبة للبرلمان العراقي.
واتهمت قيادات كردية أخيراً العبادي بالتنصل من الوثيقة، فيما وصفت قيادات سنّية أخرى رئيس الوزراء بالمخادع وبأنه ينتمي إلى مدرسة المالكي نفسها، في إشارة إلى حزب "الدعوة" الذي ينتمي إليه الاثنان. ومن أصل 20 شرطاً ألزم العبادي بها نفسه، لم يتحقق أي شرط بل زادت المشاكل وتوسعت بشكل أكبر من المتوقع، على عكس ما جاء بالوثيقة. ففي أحد الشروط يطالب السنّة والأكراد بالحد من تشكيلات المليشيات وحصر السلاح بيد الدولة، وهو ما وافق عليه العبادي في الوثيقة، لكن عدد المليشيات الذي كان 33 عند تسلّم العبادي السلطة، ارتفع اليوم ليبلغ 54 مليشيا جميعها تعمل ضمن "الحشد الشعبي" وتتلقى دعماً من بغداد وطهران وبشكل علني.
وبحسب الوثيقة التي حصلت "العربي الجديد" على نسخه منها عبر أرشيف مكتب رئيس الوزراء، فإن بنود الاتفاق السياسي بين العبادي ممثلاً عن التحالف الوطني، واتحاد القوى العراقية، والتحالف الكردستاني "كردي"، هي تشكيل حكومة وطنية جامعة بوزراء تكنوقراط بعيدة عن المحاصصة الطائفية والحزبية، وتحقيق المصالحة الوطنية بين الشعب وتشكيل لجنة لتعزيز ذلك تعمل على إزالة كل ما يهدد السلم الأهلي، وإصدار قانون العفو العام، وحسم ملف اجتثاث "البعث" وتحويله إلى ملف قضائي بحت وليس سياسياً، وتعديل قانون مكافحة الإرهاب المثير للجدل وعدم استخدامه للتصفيات السياسية.
كذلك نصّت الوثيقة على حسم قضايا المعتقلين المحتجزين في سجون الحكومة العراقية منذ سنوات دون توجيه تهم لهم أو عرضهم على المحاكم المختصة، وتطبيق اتفاق حصر السلاح بيد الدولة، وحظر أي تشكيل مسلح خارج الدولة تحت أي مسمى أو عنوان، والمباشرة بإعادة إعمار المناطق المدمرة جراء العمليات العسكرية، وتوفير ملاذات آمنة للنازحين من المناطق التي تجري فيها عمليات عسكرية.
ووفق بنود الوثيقة أيضاً، تعهّد العبادي بتشكيل قوات الحرس الوطني من أبناء محافظات شمال وغرب العراق كقوات رديفة للجيش العراقي والشرطة المحلية تمسك بملف الأمن في تلك المدن وتكون تلك القوات مرتبطة برئيس الوزراء، وحسم ملفات الفساد الكبيرة وإجراء إصلاحات شاملة لمؤسسات الدولة، وتحقيق التوازن للمكوّنات العراقية في الوظائف العامة في مفاصل الدولة خصوصاً في المؤسسات الأمنية والعسكرية، وإصلاح القضاء العراقي وتثبيت قضاة مستقلين وإبعاده عن سطوة الأحزاب والكتل السياسية.
كما جاء في الوثيقة تعهّد العبادي بتفعيل عمل لجنة إعادة أملاك المسيحيين والطوائف الأخرى إلى أهلها بعد عمليات التزوير والمصادرة التي تعرضوا لها عقب الاحتلال، وإقرار قانون حرية الرأي، وتطويع علاقة الدولة مع إقليم كردستان وباقي المحافظات العراقية، والاتفاق على حل الخلافات المتعلقة باستخراج وتصدير النفط والغاز مع إقليم كردستان، وحل مشاكل المادة 140 من الدستور المتعلقة بمدينة كركوك والمناطق المتنازع عليها، وتشكيل لجنة لمراجعة الدستور وإجراء تعديلات عليه وفق الحاجة.
اقــرأ أيضاً
وحول تلك البنود، يقول القيادي في تحالف القوى العراقية النائب رعد الدهلكي، في تصريح لـ"العربي الجديد"، إن أياً منها لم يُنفذ حتى الآن، مشيراً إلى أن "وثيقة تشكيل حكومة العبادي لا تختلف عن وثيقة اتفاق أربيل مع المالكي في ولايته الثانية عام 2010 عند توليه المنصب، والحالية حبر على ورق وكلها كذب".
ويلفت الدهلكي إلى أنه "لم يُنجز من ورقة تشكيل الحكومة سوى النظام الداخلي لمجلس الوزراء، إذ كانت الحكومات السابقة تعمل بلا نظام داخلي"، معرباً عن أسفه لأنه "لم تتغير سوى الوجوه عن السابق والجميع فقَد ثقته بالجميع، لذلك فإن أي اتفاق سياسي مستقبلي سيكون صعباً جداً بين الشركاء بسبب عدم وجود ثقة أو ضامن حقيقي بعد تكرار نكث الوعود والعهود".
ويشير إلى أن "الشروط أو البنود هي بالأصل حقوق لا تحتاج إلى وثيقة أو تعهد لتنفيذها، وهي حقوق طبيعية للشعب العراقي، لكنها مع الأسف تحوّلت إلى مطالب، وباتت صعبة المنال"، معتبراً أن "دولة الظل في العراق أصبحت أقوى من الدولة الحقيقية، والحقوق الدستورية والقانونية غائبة، فبتنا أمام اللادولة"، متهماً القيادات السياسية السنّية بأنها "وراء ضعف صوت السنّة ومسؤولة عن الجرائم التي ترتكب بحقهم وعلى رأسهم رئيس البرلمان سليم الجبوري".
ويصف الدهلكي البرلمان بأنه "عاجز وميت سريرياً بسبب الحفاظ على مقعد رئيس البرلمان وعدم الاكتراث بشيء آخر"، معتبراً أن "الأوان قد آن لتغييرات حقيقية". ويتساءل: "لماذا لا يُعاد الناس إلى الأراضي المحررة ويتركون الخيام"، مضيفاً: "نحن أمام إبادة جماعية في صفوف النازحين، ولا تكترث الحكومة والبرلمان بما يحدث لهم، واعتقد أنه في الأيام القليلة المقبلة سنشهد مجازر في صفوفهم بسبب المرض والجوع والحر الذي يفتك بهم في الخيام".
من جهته، يقول عضو التحالف الكردستاني حمة أمين لـ"العربي الجديد"، إن أياً من تعهدات الحكومة في بغداد لم تُنفذ تجاه كردستان، فالوثيقة أُهملت تماماً على الرغم من أنها كانت شرطاً لتسلّم العبادي رئاسة الحكومة. ويضيف أمين: "إنها ليست المرة الأولى التي نقع فيها بمثل هذا الفخ من التحالف، والأميركيون لم يكونوا ضامناً جيداً لهذا الاتفاق على الرغم من أننا لا نطالب بغير الحقوق".
ويتجنّب العبادي أسئلة الصحافيين حول الوثيقة وما نُفذ منها، وبحسب ما راجعته "العربي الجديد"، فإن آخر تصريح له حول ذلك كان في الأول من يوليو/تموز 2015 خلال استقباله وفداً من الأمم المتحدة في بغداد، إذ قال حينها إن "حكومته ملتزمة بتنفيذ بنود وثيقة الاتفاق السياسي مع باقي الكتل السياسية".
ويقول الخبير السياسي العراقي طالب العمار، في حديث لـ"العربي الجديد"، إن الوضع الحالي في العراق غير مهيأ للحديث عن تلك البنود، فالمواطن بات يتمنى أن يحافظ على حياته فقط. ويشير إلى أن "العبادي لم ينفذ شيئاً منها وليس بنيّته تنفيذ شيء، وهناك بنود في الوثيقة انتفت أصلاً مثل قانون المصالحة الوطنية بعد إقالة اياد علاوي من ملف المصالحة الوطنية وإلغاء المخصصات المالية لها"، معتبراً أن "ضعف العبادي وتأرجحه بين طهران وواشنطن، من بين الأسباب المباشرة لفشله بتطبيق تعهّداته، فضلاً عن تهديدات المليشيات التي باتت دولة ظل تتحكم بالعراق".
واتهمت قيادات كردية أخيراً العبادي بالتنصل من الوثيقة، فيما وصفت قيادات سنّية أخرى رئيس الوزراء بالمخادع وبأنه ينتمي إلى مدرسة المالكي نفسها، في إشارة إلى حزب "الدعوة" الذي ينتمي إليه الاثنان. ومن أصل 20 شرطاً ألزم العبادي بها نفسه، لم يتحقق أي شرط بل زادت المشاكل وتوسعت بشكل أكبر من المتوقع، على عكس ما جاء بالوثيقة. ففي أحد الشروط يطالب السنّة والأكراد بالحد من تشكيلات المليشيات وحصر السلاح بيد الدولة، وهو ما وافق عليه العبادي في الوثيقة، لكن عدد المليشيات الذي كان 33 عند تسلّم العبادي السلطة، ارتفع اليوم ليبلغ 54 مليشيا جميعها تعمل ضمن "الحشد الشعبي" وتتلقى دعماً من بغداد وطهران وبشكل علني.
وبحسب الوثيقة التي حصلت "العربي الجديد" على نسخه منها عبر أرشيف مكتب رئيس الوزراء، فإن بنود الاتفاق السياسي بين العبادي ممثلاً عن التحالف الوطني، واتحاد القوى العراقية، والتحالف الكردستاني "كردي"، هي تشكيل حكومة وطنية جامعة بوزراء تكنوقراط بعيدة عن المحاصصة الطائفية والحزبية، وتحقيق المصالحة الوطنية بين الشعب وتشكيل لجنة لتعزيز ذلك تعمل على إزالة كل ما يهدد السلم الأهلي، وإصدار قانون العفو العام، وحسم ملف اجتثاث "البعث" وتحويله إلى ملف قضائي بحت وليس سياسياً، وتعديل قانون مكافحة الإرهاب المثير للجدل وعدم استخدامه للتصفيات السياسية.
كذلك نصّت الوثيقة على حسم قضايا المعتقلين المحتجزين في سجون الحكومة العراقية منذ سنوات دون توجيه تهم لهم أو عرضهم على المحاكم المختصة، وتطبيق اتفاق حصر السلاح بيد الدولة، وحظر أي تشكيل مسلح خارج الدولة تحت أي مسمى أو عنوان، والمباشرة بإعادة إعمار المناطق المدمرة جراء العمليات العسكرية، وتوفير ملاذات آمنة للنازحين من المناطق التي تجري فيها عمليات عسكرية.
ووفق بنود الوثيقة أيضاً، تعهّد العبادي بتشكيل قوات الحرس الوطني من أبناء محافظات شمال وغرب العراق كقوات رديفة للجيش العراقي والشرطة المحلية تمسك بملف الأمن في تلك المدن وتكون تلك القوات مرتبطة برئيس الوزراء، وحسم ملفات الفساد الكبيرة وإجراء إصلاحات شاملة لمؤسسات الدولة، وتحقيق التوازن للمكوّنات العراقية في الوظائف العامة في مفاصل الدولة خصوصاً في المؤسسات الأمنية والعسكرية، وإصلاح القضاء العراقي وتثبيت قضاة مستقلين وإبعاده عن سطوة الأحزاب والكتل السياسية.
كما جاء في الوثيقة تعهّد العبادي بتفعيل عمل لجنة إعادة أملاك المسيحيين والطوائف الأخرى إلى أهلها بعد عمليات التزوير والمصادرة التي تعرضوا لها عقب الاحتلال، وإقرار قانون حرية الرأي، وتطويع علاقة الدولة مع إقليم كردستان وباقي المحافظات العراقية، والاتفاق على حل الخلافات المتعلقة باستخراج وتصدير النفط والغاز مع إقليم كردستان، وحل مشاكل المادة 140 من الدستور المتعلقة بمدينة كركوك والمناطق المتنازع عليها، وتشكيل لجنة لمراجعة الدستور وإجراء تعديلات عليه وفق الحاجة.
وحول تلك البنود، يقول القيادي في تحالف القوى العراقية النائب رعد الدهلكي، في تصريح لـ"العربي الجديد"، إن أياً منها لم يُنفذ حتى الآن، مشيراً إلى أن "وثيقة تشكيل حكومة العبادي لا تختلف عن وثيقة اتفاق أربيل مع المالكي في ولايته الثانية عام 2010 عند توليه المنصب، والحالية حبر على ورق وكلها كذب".
ويلفت الدهلكي إلى أنه "لم يُنجز من ورقة تشكيل الحكومة سوى النظام الداخلي لمجلس الوزراء، إذ كانت الحكومات السابقة تعمل بلا نظام داخلي"، معرباً عن أسفه لأنه "لم تتغير سوى الوجوه عن السابق والجميع فقَد ثقته بالجميع، لذلك فإن أي اتفاق سياسي مستقبلي سيكون صعباً جداً بين الشركاء بسبب عدم وجود ثقة أو ضامن حقيقي بعد تكرار نكث الوعود والعهود".
ويشير إلى أن "الشروط أو البنود هي بالأصل حقوق لا تحتاج إلى وثيقة أو تعهد لتنفيذها، وهي حقوق طبيعية للشعب العراقي، لكنها مع الأسف تحوّلت إلى مطالب، وباتت صعبة المنال"، معتبراً أن "دولة الظل في العراق أصبحت أقوى من الدولة الحقيقية، والحقوق الدستورية والقانونية غائبة، فبتنا أمام اللادولة"، متهماً القيادات السياسية السنّية بأنها "وراء ضعف صوت السنّة ومسؤولة عن الجرائم التي ترتكب بحقهم وعلى رأسهم رئيس البرلمان سليم الجبوري".
من جهته، يقول عضو التحالف الكردستاني حمة أمين لـ"العربي الجديد"، إن أياً من تعهدات الحكومة في بغداد لم تُنفذ تجاه كردستان، فالوثيقة أُهملت تماماً على الرغم من أنها كانت شرطاً لتسلّم العبادي رئاسة الحكومة. ويضيف أمين: "إنها ليست المرة الأولى التي نقع فيها بمثل هذا الفخ من التحالف، والأميركيون لم يكونوا ضامناً جيداً لهذا الاتفاق على الرغم من أننا لا نطالب بغير الحقوق".
ويتجنّب العبادي أسئلة الصحافيين حول الوثيقة وما نُفذ منها، وبحسب ما راجعته "العربي الجديد"، فإن آخر تصريح له حول ذلك كان في الأول من يوليو/تموز 2015 خلال استقباله وفداً من الأمم المتحدة في بغداد، إذ قال حينها إن "حكومته ملتزمة بتنفيذ بنود وثيقة الاتفاق السياسي مع باقي الكتل السياسية".
ويقول الخبير السياسي العراقي طالب العمار، في حديث لـ"العربي الجديد"، إن الوضع الحالي في العراق غير مهيأ للحديث عن تلك البنود، فالمواطن بات يتمنى أن يحافظ على حياته فقط. ويشير إلى أن "العبادي لم ينفذ شيئاً منها وليس بنيّته تنفيذ شيء، وهناك بنود في الوثيقة انتفت أصلاً مثل قانون المصالحة الوطنية بعد إقالة اياد علاوي من ملف المصالحة الوطنية وإلغاء المخصصات المالية لها"، معتبراً أن "ضعف العبادي وتأرجحه بين طهران وواشنطن، من بين الأسباب المباشرة لفشله بتطبيق تعهّداته، فضلاً عن تهديدات المليشيات التي باتت دولة ظل تتحكم بالعراق".