العراق: الصدر يدرس سحب دعمه لعلاوي

08 فبراير 2020
سيتم نصب خيام جديدة في ساحات التظاهر(حسين فالح/فرانس برس)
+ الخط -


في وقت يستعد فيه ناشطون عراقيون لإعادة الزخم إلى ساحات التظاهر عبر نصب خيام جديدة جرى حرقها سابقاً، تبدو الساحة السياسية أمام تطورات جديدة مع الكشف عن أن زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر يدرس سحب دعمه لرئيس الوزراء المكلف محمد توفيق علاوي، بما قد يفضي إلى سقوط الأخير.

وكشف ناشطون وأعضاء في تنسيقيات عدة في جنوب ووسط العراق، لـ"العربي الجديد"، أنه سيتم خلال الساعات القليلة المقبلة نصب خيام جديدة في ساحات البصرة والنجف التي تعرضت للحرق والتدمير خلال الفترة الماضية، مع تولي قوات تابعة لوزارة الداخلية العراقية عملية تأمين ساحات الاعتصام ومنع الهجمات التي تتعرض لها بين وقت وآخر، وخصوصاً من قبل مليشيات وجماعات مسلحة، آخرها الهجوم الذي طاول ساحة اعتصام النجف، وسط المدينة، من قبل مسلحين محسوبين على ما يعرف بـ"فريق القبعات الزرق"، التابع لمليشيا "سرايا السلام"، الجناح المسلح للتيار الصدري بزعامة مقتدى الصدر.

يأتي ذلك بعد نهار جمعة شهد تظاهرات واسعة في بغداد وفي مدن وسط وجنوب العراق شملت نحو 20 مدينة وبلدة، ورفعت شعارات مناهضة لتكليف محمد علاوي بتشكيل الحكومة الجديدة، وما وصفه المتظاهرون بمحاولات المماطلة من قبل الأحزاب والكتل البرلمانية بالإصلاحات، والمطالبة بتقديم المتورطين بقتل المتظاهرين للقضاء. كما عادت من جديد الشعارات المهاجمة لإيران، خصوصاً في تظاهرات النجف التي شيّعت، أمس الجمعة، عدداً جديداً من ضحايا اعتداء ليلة الأربعاء الدامي.

وقال الحسن محمد، الناشط في ساحة الحبوبي، النواة الرئيسة لتظاهرات الناصرية، مركز محافظة ذي قار، لـ"العربي الجديد"، إنه "من المؤمل أن يتم تعزيز ساحات التظاهرات في كل مدن الجنوب، ووافقنا على أن تتولى قوات الأمن دور الحامي للساحات وتمنع اقتحامها من المليشيات والعصابات". وتابع "لكن هذا لا يعني أننا سننغلق على أنفسنا داخل الساحات بل التظاهرات مستمرة، لكن واجب القوى الأمنية توفير الأمن وليس انتشال جثث الضحايا"، معتبراً أن "ساحات التظاهرات في العراق الآن هي خط الصد الأخير والدفاع عن حق الدولة المدنية ودولة المؤسسات لا دولة الأحزاب".

في غضون ذلك، ندد المرجع الديني في النجف علي السيستاني، في خطبة الجمعة التي ألقاها ممثله في كربلاء أحمد الصافي، بالاعتداءات التي وقعت ضد متظاهري النجف يوم الأربعاء الماضي. وفي رسالة واضحة ترفض تدخل التيار الصدري في التظاهرات وممارسته أعمال قمع ضد المتظاهرين، قال إن المرجعية تدين كل الاعتداءات والتجاوزات التي حصلت من أي جهة كانت، مؤكداً ما سبق أن أشار إليه من أن القوى الأمنية الرسمية يجب أن تتحمل مسؤولية حفظ الأمن والاستقرار، وحماية ساحات الاحتجاج والمتظاهرين السلميين، والمحافظة على مصالح المواطنين من اعتداءات المخربين. وحول تكليف علاوي لرئاسة الحكومة، قال السيستاني إن "المرجعية الدينية حددت في خطبة سابقة رؤيتها لتجاوز الأزمة السياسية الراهنة، وأوضحت أن الحكومة الجديدة التي تحل محل الحكومة المستقيلة يجب أن تكون جديرة بثقة الشعب وقادرة على تهدئة الأوضاع واستعادة هيبة الدولة والقيام بالخطوات الضرورية لإجراء انتخابات مبكرة في أجواء مطمئنة بعيدة عن التأثيرات الجانبية للمال أو السلاح غير القانوني أو للتدخلات الخارجية".



في المقابل، كشف مقرب من الصدر، لـ"العربي الجديد"، أن الأخير يدرس سحب دعمه لعلاوي، بعد أيام قليلة من إعلان دعمه، ويعود ذلك بسبب لقاء علاوي عدداً من المتظاهرين والناشطين العراقيين المخالفين لتوجهات الصدر الأخيرة. ويتحرك علاوي سريعاً مع فريق خاص غالبيته من مقربين منه، وثلاثة أساتذة جامعيين عراقيين، أحدهم باحث في مركز دراسات بريطاني معني بشؤون الشرق الأوسط، لعقد اجتماعات مع عدد من المتظاهرين والناشطين، من المؤثرين في الاحتجاجات الشعبية، كي يكونوا جزءاً من عملية تشكيل الحكومة الجديدة المرتقبة.

ووفقاً للمصدر ذاته المقرب من زعيم التيار، فإن "الصدر ممتعض للغاية منذ مساء الخميس الماضي من لقاءات علاوي مع الناشطين والمتظاهرين، وإشراكهم في مباحثات تشكيل الحكومة الجديدة، وإطلاعهم على سير المباحثات في اختيار الوزراء للكابينة الحكومية". وأشار إلى أن "الصدر يقدّم نفسه على أنه ممثل سياسي للاحتجاجات لغاية الآن، ودعم علاوي كممثل لساحات الاحتجاج، واعتبره قد تجاوز في لقائه بمتظاهرين وناشطين، من دون أي تنسيق مع الصدر أو من يمثل الصدر في الجانب السياسي". وأضاف أن "سحب الصدر دعمه لرئيس الوزراء المكلف، يعني عدم قدرة علاوي على الحصول على ثقة مجلس النواب، لما يملكه الصدر من ثقل برلماني، خصوصاً مع وجود معارضة سياسية لعلاوي من أطراف متعددة، مثل كتلتي نوري المالكي وحيدر العبادي، فسحب الدعم يعني إنهاء تكليف علاوي".

لكن رئيس كتلة "بيارق الخير" البرلمانية، محمد الخالدي، كشف عن الآلية التي يتبعها علاوي في اختيار الوزراء في حكومته المرتقبة، موضحاً أن رئيس الوزراء المكلف يعمل منذ إعلان تكليفه على اختيار وزراء حكومته المرتقبة بنفسه، من دون أي تدخل من قبل أي جهة سياسية، وهو يرفض أي تدخل بهذا الاختيار من أي طرف. وأضاف في حديث أدلى به لوسائل إعلام محلية عراقية، أنه "منذ إعلان تكليف علاوي، حددنا ما يقارب أسبوعين إلى ثلاثة أسابيع لاستكمال تشكيل الحكومة، فعملية اختيار الوزراء تحتاج إلى وقت ودقة، خصوصاً أن الوزراء سيكونون من الشخصيات المستقلة، غير المجربة سابقاً".

من جهته، وجّه الخبير في الدستور العراقي، طارق حرب، رسالة إلى علاوي طالباً الاستعجال بتشكيل الحكومة. وقال حرب في رسالته إن مدة تشكيل الوزارة الثانية في الدورة الانتخابية ذاتها هي من مهل السقوط، "أي إذا انتهت مدة الثلاثين يوماً لتشكيل الوزارة، لا يمكن تمديدها ولا يمكن إعادة تكليفك بتشكيل الحكومة". وتابع "لقد أوجب الدستور على رئيس الجمهورية تكليف مرشح جديد بدلاً من الذي تم تكليفه سابقاً، الذي أخفق في التشكيل خلال الثلاثين يوماً".

وعلق السياسي، القيادي السابق المنشق عن التيار الصدري، غيث التميمي، على ما وصفه تقلبات الصدر بأنها نفعية، مضيفاً لـ"العربي الجديد"، أن "الصدر ومنذ انطلاق ثورة أكتوبر، لم يكن مع التظاهرات فعلاً، بل كان يحاول استغلالها من أجل الحصول على المكاسب، وهذا الأمر حققه عندما جاء بعلاوي لرئاسة الحكومة، فهو مرشح من قبله". وأضاف أن "الهدف من سعي الصدر للسيطرة على الثورة الشعبية، هو أن يبقى يفاوض ويهدد الأطراف السياسية بالتظاهرات، وبكل تأكيد الصدر يغضب إذا تحرك علاوي من دون تنسيق معه، فهو من جاء به إلى المنصب، ويريده أن ينفذ أجنداته حصراً، لكن هذا الأمر لن ينجح، فالصدر يمثل تياره فقط ولا يمثل أي جهة شعبية أخرى".

في المقابل، قال المحلل عبد الله الركابي، في حديث مع "العربي الجديد"، إن "سحب دعم زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر لرئيس الوزراء المكلف، يعني تقديم الأخير اعتذاره عن التكليف، فعلاوي يدرك جيداً أنه لا يستطيع تشكيل حكومة ناجحة ولن يستطيع كسب ثقة البرلمان من دون دعم الصدر له". ولفت الركابي إلى أن "علاوي جاء بتوافق بين الصدر وزعيم تحالف الفتح هادي العامري، بالتالي سحب دعم الصدر عن علاوي، يعني أن العامري سيسحب دعمه أيضاً، فهو بكل تأكيد لن يرضى أن يتحمل المسؤولية عن أعمال الحكومة المرتقبة لوحده، ولهذا فإن توقف الصدر عن دعم علاوي يعني إنهاء تكليفه". ولفت إلى أن "الصدر قد يهدد علاوي بسحب الدعم عنه، لكن من دون تنفيذ ذلك، وهذا التهديد يأتي من أجل ألا يتحرك علاوي لوحده، ويضعف من موقف الصدر، خصوصاً مع الغضب الشعبي الكبير تجاه الصدر وأنصاره، بعد أحداث ساحة التحرير والنجف وكربلاء، التي سقط خلالها قتلى وجرحى على يد أنصار التيار الصدري".