العراق: البراميل المتفجرة تنافس "داعش" في قتل مدنيّي الأنبار

19 ديسمبر 2015
تسقط بعض القنابل بالخطأ على المدنيين (أحمد الربيعي/فرانس برس)
+ الخط -
"اهرب يا عمر، ابحث عن وطن جديد. لا يوجد هنا سوى الموت. ابحث عن الحياة، لا تخفْ على إخوتك الصغار، أنا وأمك سندعو لك ليل نهار. قرّرنا أن نموت هنا سوية، أو نحيا سوية، حتى الصغار". عبارات لا تفارق مخيّلة عمر، وهو ينثر صور عائلته على أرض الغرفة، بعدما حصل ما كان يخشاه. وقعت المأساة بسقوط برميل متفجّر على دار عائلته في مدينة الفلوجة (شمال غرب بغداد)، وأصبح جميع من فيها، أشلاء تحت الأنقاض.

أصدقاء عمر يحيطون به داخل شقة استأجروها في أربيل عاصمة إقليم كردستان، شمال العراق، يصبّرونه على الفجيعة التي حلّت بأهله، وهم الهاربون من جحيم الأنبار (غرب العراق) والفلوجة. اجتمعوا مقررين اللاعودة، أضحى همّهم العمل على جمع مال يكفيهم للهروب إلى أوروبا.

"هي البراميل الوحشية، القنابل المهلكة التي ترميها الطائرات بشكل عشوائي. أهلنا يقتلون كل يوم في الفلوجة والرمادي"، يروي سعد ناصر، صديق عمر، لـ"العربي الجديد"، مضيفاً، "عمر ليس أوّل من يفجع بأهله، الكثير منا فقدوا عائلاتهم بالبراميل المتفجرة التي تحمل الموت وتبعثره على الأطفال والمدنيين العزل. والحجّة جاهزة، داعش يسيطر على المدينة".

بعيداً عن عمر وأصدقائه المنكوبين في أربيل، يطلّ باسم برأسه من نافذة شقّة صغيرة في بناية متواضعة تطلّ على مضيق كباتاش في إسطنبول، باحثاً عن صديقه أحمد، الذي تلقّى، بدوره، خبر مقتل والده وأحد إخوته وإصابة أمه بجروح بليغة، إثر سقوط برميل متفجر، ألقته طائرة مقاتلة تابعة لسلاح الجوّ العراقي في الفلوجة.

يقول باسم لـ"العربي الجديد"، إنّ أصدقاءه في العاصمة بغداد، أبلغوه أنّ أحمد الذي يشاطره السكن، علم بما أصاب عائلته، موضحاً "حاولت إخفاء الخبر عنه أطول فترة ممكنة. هو مستقر هنا في تركيا، ولديه عمل جيد، لكنه عاد في منتصف الليل وكان بحالة لا يُحسد عليها، وقرّر العودة إلى العراق. لم أستطع ثنيه عن رغبته، قال إنّ عليه الوقوف إلى جانب أسرته في محنتها".

اقرأ أيضاً: براميل الموت وجرائم "داعش" ترسم وجع الفلوجة

وعلى الرغم من تأكيد القوات الأمنية العراقية أنّ الضربات العسكرية وقصف الطائرات موجهة ضد أهداف "داعش"، تلبي نداءات وصرخات أهالي مدينتَيْ الرمادي (مركز محافظة الأنبار) والفلوجة، حيث تشنّ القوات الأمنية العراقية معاركها، وقصفها منذ الصيف الماضي بشكل مكثّف، إلا أنّ أعداد الضحايا بين صفوف المدنيين تزداد يومياً.

يعترف النقيب في الجيش العراقي، سلام الربيعي، بوجود ضحايا مدنيين يقعون جراء القصف، لكنّه يستدرك في حديثه لـ"العربي الجديد"، أنّ "وجود المدنيين بالقرب من أهداف داعش يتسبّب في قتلهم". ويصف أحد سكان الرمادي، كريم جسام، في اتصال مع "العربي الجديد"، ما يحدث في مدينته بـ"الرعب"، لافتاً إلى أنّ "لا حياة هنا سوى الخوف. رعب تحمله الطائرات، نحبس أنفاسنا عند كل غارة. نسمع صوت دوي عنيف، نعلم أنها براميل متفجرة، وحين نتيّقن أن صوت القذائف بعيد عنا، نهرع بعد انتهاء القصف إلى خارج مخابئنا، نتفقّد مخلّفات الغارة، نخلي الجرحى، ندفن الموتى، ثم نرجع ننتظر دورنا في الموت".

يوضح المقاتل في صفوف أبناء العشائر (متطوعون من أهالي الأنبار)، رعد هشام، لـ"العربي الجديد"، أنّ الفرصة كانت سانحة لمن يريد الخروج من المدن ومن بقي هم مؤيدون لـ"داعش". في المقابل، يؤكد الزعيم العشائري من شيوخ الأنبار، قيس الزوبعي، أن معظم العائلات الموجودة داخل الرمادي والفلوجة، هم ضد تنظيم "داعش". ويتساءل هشام عن سبب عدم خروج الأهالي حين هربت عائلات أخرى، مبيناً أنهم (السكان)، "يعلمون جيداً أنّ مدنهم تحوّلت إلى ساحة معركة، منذ أن دخلها تنظيم داعش، وبدأت العائلات بالهروب"، موضحاً أنّه "لو خرج الجميع لكان الأمر سهلاً علينا وحرّرنا المدن، لكن خوفنا من سقوط المدنيين يمنعنا من تكثيف القصف".

لكن الزوبعي يبرّر بقاء الأهالي داخل مناطقهم على الرغم من دخول "داعش" إليها، بأنّهم "يعلمون ما سيلاقونه من سوء معاملة من قبل الحكومة العراقية، كما هو حال النازحين الذين يسكنون اليوم في مخيمات بالعراء، وسط أحوال جوية سيئة أدّت إلى موت ومرض الكثيرين منهم، وهناك مرضى ومسنون قررت عوائلهم البقاء لأجلهم". ويلفت الزعيم العشائري لـ"العربي الجديد"، إلى أنّ "جميعنا نرفض توجيه ضربات عشوائية، ولا ننكر إسقاط البراميل المتفجرة. أطلقنا دعوات عدة في هذا الصدد، لكن يسهل التبرير بأنّ الأهداف المقصودة هي داعش، وقد تسقط بعض القنابل بالخطأ على مدنيين، بحسب ما تدعي القوات العسكرية".

وأطلقت القوات الأمنية العراقية بمشاركة مقاتلين من عشائر الأنبار، وبغطاء جوي من طيران التحالف الدولي، منذ منتصف يوليو/تموز الماضي، عملياتها العسكرية لـ"تحرير الأنبار" التي يسيطر على معظم مدنها تنظيم "داعش". وتمكّنت القوات العراقية، أخيراً، من إحراز تقدُّم باسترجاع عدد من أحياء المدينة، فيما لا تزال الفلوجة، إحدى أكبر مدن الأنبار، ويسيطر عليها "التنظيم"، تشهد حصاراً خانقاً من قبل القوات العسكرية العراقية، التي تواصل قصفها بالطائرات والصواريخ. وتؤكد مصادر محليّة ومنظمات إنسانية عدّة، أنّ الفلوجة تتعرض لقصف عشوائي، أوقع أعداداً كبيرة من الضحايا المدنيين.

اقرأ أيضاً: أهالي القائم غرب الأنبار ينزحون باتجاه سورية