تحاول قوى سياسية وبرلمانية عراقية مختلفة إعادة ضبط ساعة المهلة الدستورية الممنوحة لرئيس الجمهورية برهم صالح لتسمية رئيس حكومة جديد، من خلال اعتبار بداية المهلة يكون من وقت تسلّم الرئيس العراقي كتاب التكليف الرسمي الصادر عن البرلمان، لا من تاريخ صدوره، في مسعى لكسب يومين آخرين، بعد تعثّر التوصل إلى اتفاق نهائي حول اسم رئيس الحكومة، الذي سيتولى على الأرجح حكومة مؤقتة بملفات محدودة، قبيل الذهاب إلى انتخابات مبكرة.
وينص الدستور العراقي على مهلة قدرها 15 يوما لتسمية رئيس حكومة جديد بدلا من المستقيل، يتولى تقديمه رئيس الجمهورية للبرلمان للتصويت عليه، من دون أن يشرح ما المترتب عليه في حال خرق المهلة الدستورية، وهو ما اعتبره خبراء دستور ثغرة جديدة أخرى تضاف إلى ثغرات الدستور العراقي، وتخضع لتفسيرات وتأويلات السياسيين.
ومن المقرر أن تنتهي المهلة منتصف ليل بعد غد الثلاثاء، على اعتبار أن كتاب البرلمان الذي كلف رئيس الجمهورية برهم صالح قد صدر يوم الثاني من الشهر الجاري، غير أن كتلا وقوى سياسية باتت تروج، منذ صباح اليوم الأحد، أن المهلة تبدأ اعتبارا من وصول الكتاب إلى مكتب الرئيس العراقي، وليس من تاريخ صدوره، رغم أن المسافة بين مكتب البرلمان ومكتب رئيس الجمهورية هي شارعان، يتطلب المسير بينهما خمس دقائق لا أكثر.
ووفقا لمسؤول عراقي وآخر قيادي في تحالف "النصر"، بزعامة رئيس الوزراء السابق حيدر العبادي، فإن "المشاورات واللقاءات مستمرة منذ ليلة أمس بين مختلف القوى والكتل السياسية"، وأكدا أن "هناك محاولات في هذه الأثناء للتوصل إلى اتفاق للإعلان عن اتفاق سياسي موجه للشارع بالدرجة الأولى، للإعلان عن أن الحكومة المقبلة مؤقتة، بهدف إقناع المعترضين أو الرافضين لترشيح محمد شياع السوداني لرئاسة الحكومة، أو أي اسم آخر، فالمتظاهرون يضعون رفضا على أي اسم يخرج من الأحزاب الحالية، وهو الحال نفسه لمقتدى الصدر".
ويأتي ذلك مع استعداد الشارع العراقي لتصعيد الاحتجاج الشعبي في العاصمة العراقية بغداد، لمنع تمرير السوداني، في حال تم تكليفه بتشكيل الحكومة العراقية المقبلة.
وجاء ترشيح السوداني لرئاسة الوزراء بدفع ودعم إيرانيين، خصوصاً في ظلّ استمرار حراك قائد "فيلق القدس" في الحرس الثوري، قاسم سليماني، في العاصمة بغداد، للضغط على كتل عدة من أجل تسمية محمد شياع السوداني رئيساً للحكومة المقبلة.
إلى ذلك، قال شخص مقرب من زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، لـ"العربي الجديد"، إن "الصدر أوصل رسالة إلى جمهوره من خلال إغلاق صفحة وزيره (صالح محمد العراقي) على فيسبوك، التي كانت بمثابة ساعي بريد بينه وبين أنصاره، وهذه الرسالة مفادها أنه "عليكم التحرك السريع لإفشال صفقة تمرير وترشيح السوداني لرئاسة الحكومة المقبلة".
وبيّن المقرب من الصدر أن "أنصار "التيار الصدري" يستعدون إلى الخروج في تظاهرة مليونية في العاصمة بغداد، خلال اليومين المقبلين، كما أن طرق الاحتجاج سوف تشهد تصعيداً لمنع إتمام صفقة السوداني، خصوصاً بعد إعطاء الصدر الضوء الأخضر لجماهيره للتحرك".
وختم المقرب من زعيم التيار الصدري قوله "ليس مستبعدا أن يتم العبور نحو المنطقة الخضراء أو الدخول إليها، من أجل الضغط على القوى السياسية، لمنع ترشيح إيران أحدا لرئاسة الحكومة المقبلة".
إلى ذلك، قال عضو مجلس النواب العراقي المستقل، باسم خشان، في اتصال مع "العربي الجديد"، إن "الشارع العراقي سائر في طريق إكمال المطالب، بعد إقالة حكومة عادل عبد المهدي"، مضيفا أن "محاولة فرض القوى السياسية سياسة الأمر الواقع بترشيح محمد شياع السوداني، سوف تكون دافعا للمتظاهرين لإكمال مسيرة الإصلاح والتغيير".
وذكر خشان: "لا نتوقع أن تصوت الأحزاب أو تختار السوداني، فهي تخشى مواجهة إرادة الشعب، بعدما أدركت قوة الحراك الشعبي، إذ تخاف من الدرس الذي لقّنها إياه الشعب في ثورة أكتوبر".
وأضاف أنه "في حال أصرّت القوى السياسية على ترشيح السوداني، فطرق الاحتجاج والتظاهر سوف تتطور نحو التصعيد، إذ أن الشباب الثائر مع كل تصعيد من قبل أحزاب السلطة يكون له تصعيد احتجاجي وفق الطرق السلمية".
وتابع النائب العراقي المستقل: "نحذّر أحزاب السلطة من خطورة مواجهة إرادة التظاهرات في التغيير والإصلاح، فكل شيء وارد فيما يتصل بتصعيد الاحتجاج الشعبي، خصوصاً مع عدم وجود قيادة للحراك".
بدوره، قال الناشط والصحافي المعتصم في ساحة التحرير، منتظر الزيدي، لـ"العربي الجديد"، إن "كل ما يقرّه الفاسدون لا يعني المتظاهرين، وسوف تبقى التظاهرات والاعتصامات إلى حين إسقاط آخر فاسد في العراق، ولهذا تكليف رئيس وزراء من قبل الطبقة السياسية الحالية لا يعني المتظاهرين".
وأضاف الزيدي أن "تكليف رئيس وزراء من قبل الطبقة السياسية سوف يكون عاملا لتصعيد الاحتجاجات، وقوى الفساد تدرك ذلك جيداً".
في المقابل، قال المحلل السياسي العراقي أحمد الشريفي، في حديث لـ"العربي الجديد"، إنه "لن تستطيع الكتل والأحزاب السياسية فرض إرادتها على الشارع العراقي، فقضية ترشيح شخص وفرضه أمرا واقعا أمر مستبعد، فهذه الكتل تخشى من رد فعل الشارع العراقي".
وأضاف الشريفي أن "قضية قبول الشارع العراقي بمرشح من قبل الكتل والأحزاب السياسية أمر مستبعد جدا أيضا، ولهذا فالكتل السياسية سوف تلغي قضية ترشيح محمد شياع السوداني، خوفاً من ردة فعل الشارع على تلك العملية إذا وقعت".
وحذّر المحلل السياسي من أنه "في حال فرضت الكتل السياسية مرشحا من قبلها على الشارع العراقي، سوف يدفع بالاحتجاجات الشعبية إلى التصعيد، وقد يكون هناك عبور نحو المنطقة الخضراء، وربما يتحول نمط التظاهر من السلمي إلى اللاسلمي، وهذه المخاوف حاضرة لدى الكتل السياسية".