تعدّ المرأة العراقية من أوائل النساء العربيات اللواتي دخلن ميدان العمل ونافسن الرجال. تولت نزيهة الدليمي وزارة البلديات في عام 1959، وكانت جوزفين سمعان حداد أول امرأة تقود الطائرة في العهد الملكي (تحديداً في عام 1949). كذلك كانت أناستيان كريم أول من دخلن مدرسة الطب في بغداد وتخرجت في الثلاثينيات. وكانت نسبة المتعلمات تنافس الرجال. لكن منذ الغزو الأميركي للعراق والأزمات التي عصفت بالبلاد وما زالت، تراجعت هذه النسبة في مقابل تصاعد التيارات الدينية الراديكالية والجماعات المسلحة، التي حاولت إنهاء دور المرأة الفاعل والتاريخي في مجالات وميادين العمل المختلفة في العراق، من دون أن تنجح في القضاء على هذا الدور بشكل كامل. فالنساء ما زلن موجودات في مختلف المجالات.
أطلق على المرأة العراقية لقب "الماجدة" و"الخارقة" خلال فترة الحصار الاقتصادي على العراق (1991 ــ 2003)، لأنها كانت تتدبّر أمور بيتها بمؤونة بسيطة، وتحيك الثياب، وتطهو وتربي وغير ذلك، حين كان الرجال جزءاً من ماكينة الحروب. ويصف أستاذ علم الاجتماع في جامعة صلاح الدين، هاشم العلي، المرأة العراقية بأنها "أفضل من ألف رجل".
في صغرها، تمنّت لارا فاضل عبد الله (25 عاماً)، أن تكون ضابطة، ونجحت في تحقيق حلمها. تقول لـ"العربي الجديد": "بعدما أنهيت مرحلة السادس إعدادي، قدّمت طلباً للالتحاق بكلية الشرطة في إطار أول دورة في العراق لخريجي السادس إعدادي. بعدها تخرجت وحصلت على شهادة بكالوريوس في العلوم الأمنية. منذ صغري، كنت أطمح وأحلم بأن أصبح ضابطة، وتحقّق حلمي. لست نادمة بسبب دخولي هذا المجال، بل أشجع الفتيات الأخريات اللواتي لديهن الحلم نفسه على العمل في هذا المجال، في حال كنّ يتحلين بالشجاعة والقوة".
تضيف أن كثيرات يحلمن بعمل مماثل، لكنهن يخشين التقاليد والنظرة السلبية التي قد تحول دون تحقيق أحلامهن.
اقــرأ أيضاً
تضيف عبدالله، وهي ضابطة في شعبة الرصد المجتمعي في مديرية الشرطة المجتمعية: "لم يكن أهلي مشجعين لي. لكن في الوقت نفسه لم يعترضوا. ربّما كانوا يخشون عدم تقبل المجتمع لعملي. لكنهم اليوم يفتخرون بي ويشجعونني على مواصلة العمل. تعرضت لانتقادات من قبل المجتمع المحيط بي. حتى داخل كلية الشرطة، كان البعض معارضين لدخول النساء. لكن إرادتي وطموحي كانا أكبر من معارضتهم. برأيي، يجب تشجيع أي إنسان لديه هدف والابتعاد عن السلبية".
تضيف: "بعد تخرّجي وبدء العمل الميداني، زادت مسؤولياتي وأقضي معظم وقتي في خدمة المجتمع. خلال عملي في الشرطة المجتمعية، ساهمت في مساعدة النساء على الدخول إلى مراكز الشرطة والتحدث عن قضايا الابتزاز الإلكتروني، والتحرش، والعنف الأسري، والعنف ضد الأطفال".
وعن أعداد النساء في هذا المجال، تبين عبد الله أن عدداً كبيراً من النساء يعملن في سلك الشرطة، سواء كمنتسبات أو ضابطات، وبرواتب عالية. وبعضهن توجهن نحو الشرطة المجتمعية أو المرور وغيرها. ونجحت عراقيات في الوصول الى رتب رفيعة في الجيش منذ زمن النظام السابق. وتُنادى المرأة بسيدي وتؤدّى لها التحية.
تقول الناشطة بثينة المهداوي إن "العراق يفتقر إلى الإحصائيات الرسمية. لكن يمكن القول إن 90 في المائة من النساء عاملات، 30 في المائة منهن يعملن من دون مقابل مادي. وتعمل نحو 40% من النساء في القطاع الحكومي، و20 في المائة في القطاع الخاص. لكن أكثر من نصف النساء يعانين من تدني المستوى المعيشي، وهن بحاجة إلى زيادة دخلهن لتغيير واقعهن الاقتصادي المتدهور".
وتشير المهداوي، وهي مديرة منظمة حواء للإغاثة والتنمية، خلال حديثها لـ"العربي الجديد"، إلى أن عدم عمل النساء في الوظائف الحكومية لا يرتبط بكونها مضطهدة من قبل أهلها، بل بسبب قلة فرص العمل. وتبيّن أن العادات والتقاليد المجتمعية تغيّرت بنسبة كبيرة في ما يتعلق بدراسة وعمل المرأة. "صحيح أنّ بعض النساء مضطهدات، لكنهن لسن النسبة الأكبر. النساء اليوم أكثر حرية من ذي قبل، والعائلات أكثر تفهماً. في الوقت الحالي يمكن أن تكون المرأة قاضية بعدما كانت هذه الوظيفة حكراً على الرجال. لكن تبقى بعض التقاليد التي تحرم النساء من الميراث باعتبار أنهن قد يتزوجن برجل غريب لا يمكن مشاركته إرث الآباء والأجداد، أو لا يسمح لهن بالزواج حتى لا يذهب الإرث إلى غريب".
تتابع: "النهوة هي من التقاليد التي بدأت تنحسر، فهي لا تسمح للفتاة بالزواج من رجل غير ابن عمها. وإن أرادت ذلك، تمنع من الزواج بالإكراه. أعتقد أنّ المرأة العراقية متساوية بالحقوق مع الرجل، لكنها عانت الكثير من الصعاب والفقر والحرمان نتيجة ظروف البلاد والحروب المستمرة منذ أربعة عقود. وهذا الواقع نتطلع إلى تغييره نحو الأفضل، لأن المرأة العراقية تبوأت أعلى المناصب، وهي تستحق أن يبقى اسمها مشرفاً كما كان سابقاً، وفي مختلف الميادين".
بشرى عبد الكريم الطائي (47 عاماً)، تتحدّر من محافظة ذي قار، جنوب العراق، تعمل مدرّسة منذ تخرجت من الجامعة. بدأت العمل المدني في عام 2008 كمنسقة للمحافظات الجنوبية، أي البصرة والناصرية والسماوة والعمارة، لمتابعة أنشطة شبكة فعل المدنية العراقية، بدعم من صندوق دعم الديمقراطية.
اقــرأ أيضاً
وتبيّن الطائي لـ"العربي الجديد"، قائلة: "عانيت بسبب معارضة أحد إخوتي الذي لم يكن مقتنعاً بآلية العمل المدني. ولم يكن يتوقع أن أنجح في ظل الأعراف والتقاليد العائلية التي تحد من حركة المرأة، خصوصاً كناشطة مدنية. وعلى الرغم من تغير نظرة المجتمع والانفتاح وتقبل عمل المرأة بوظائف عدة، قد تفرض الظروف العائلية بعض التحديات. مثلاً، تركت العمل نتيجة مرض زوجي بين عامي 2012 و2018. المرأة تجمع بين عملها وتنظيم حياة أسرتها، بعكس الرجل الذي يهتم بعمله ويترك باقي المسؤوليات للمرأة".
وبحسب نتائج مسح وتقويم الفقر في العراق لعام 2018، ارتفعت نسبة البطالة للفئة العمرية ما بين 15 إلى 24 عاماً، وبلغت 27.5 في المائة. كما أن نصف العاملين بأجر يعملون لدى القطاع الحكومي، وتعمل 90 في المائة من النساء العاملات بأجر في القطاع الحكومي.
أطلق على المرأة العراقية لقب "الماجدة" و"الخارقة" خلال فترة الحصار الاقتصادي على العراق (1991 ــ 2003)، لأنها كانت تتدبّر أمور بيتها بمؤونة بسيطة، وتحيك الثياب، وتطهو وتربي وغير ذلك، حين كان الرجال جزءاً من ماكينة الحروب. ويصف أستاذ علم الاجتماع في جامعة صلاح الدين، هاشم العلي، المرأة العراقية بأنها "أفضل من ألف رجل".
في صغرها، تمنّت لارا فاضل عبد الله (25 عاماً)، أن تكون ضابطة، ونجحت في تحقيق حلمها. تقول لـ"العربي الجديد": "بعدما أنهيت مرحلة السادس إعدادي، قدّمت طلباً للالتحاق بكلية الشرطة في إطار أول دورة في العراق لخريجي السادس إعدادي. بعدها تخرجت وحصلت على شهادة بكالوريوس في العلوم الأمنية. منذ صغري، كنت أطمح وأحلم بأن أصبح ضابطة، وتحقّق حلمي. لست نادمة بسبب دخولي هذا المجال، بل أشجع الفتيات الأخريات اللواتي لديهن الحلم نفسه على العمل في هذا المجال، في حال كنّ يتحلين بالشجاعة والقوة".
تضيف أن كثيرات يحلمن بعمل مماثل، لكنهن يخشين التقاليد والنظرة السلبية التي قد تحول دون تحقيق أحلامهن.
تضيف عبدالله، وهي ضابطة في شعبة الرصد المجتمعي في مديرية الشرطة المجتمعية: "لم يكن أهلي مشجعين لي. لكن في الوقت نفسه لم يعترضوا. ربّما كانوا يخشون عدم تقبل المجتمع لعملي. لكنهم اليوم يفتخرون بي ويشجعونني على مواصلة العمل. تعرضت لانتقادات من قبل المجتمع المحيط بي. حتى داخل كلية الشرطة، كان البعض معارضين لدخول النساء. لكن إرادتي وطموحي كانا أكبر من معارضتهم. برأيي، يجب تشجيع أي إنسان لديه هدف والابتعاد عن السلبية".
تضيف: "بعد تخرّجي وبدء العمل الميداني، زادت مسؤولياتي وأقضي معظم وقتي في خدمة المجتمع. خلال عملي في الشرطة المجتمعية، ساهمت في مساعدة النساء على الدخول إلى مراكز الشرطة والتحدث عن قضايا الابتزاز الإلكتروني، والتحرش، والعنف الأسري، والعنف ضد الأطفال".
وعن أعداد النساء في هذا المجال، تبين عبد الله أن عدداً كبيراً من النساء يعملن في سلك الشرطة، سواء كمنتسبات أو ضابطات، وبرواتب عالية. وبعضهن توجهن نحو الشرطة المجتمعية أو المرور وغيرها. ونجحت عراقيات في الوصول الى رتب رفيعة في الجيش منذ زمن النظام السابق. وتُنادى المرأة بسيدي وتؤدّى لها التحية.
تقول الناشطة بثينة المهداوي إن "العراق يفتقر إلى الإحصائيات الرسمية. لكن يمكن القول إن 90 في المائة من النساء عاملات، 30 في المائة منهن يعملن من دون مقابل مادي. وتعمل نحو 40% من النساء في القطاع الحكومي، و20 في المائة في القطاع الخاص. لكن أكثر من نصف النساء يعانين من تدني المستوى المعيشي، وهن بحاجة إلى زيادة دخلهن لتغيير واقعهن الاقتصادي المتدهور".
وتشير المهداوي، وهي مديرة منظمة حواء للإغاثة والتنمية، خلال حديثها لـ"العربي الجديد"، إلى أن عدم عمل النساء في الوظائف الحكومية لا يرتبط بكونها مضطهدة من قبل أهلها، بل بسبب قلة فرص العمل. وتبيّن أن العادات والتقاليد المجتمعية تغيّرت بنسبة كبيرة في ما يتعلق بدراسة وعمل المرأة. "صحيح أنّ بعض النساء مضطهدات، لكنهن لسن النسبة الأكبر. النساء اليوم أكثر حرية من ذي قبل، والعائلات أكثر تفهماً. في الوقت الحالي يمكن أن تكون المرأة قاضية بعدما كانت هذه الوظيفة حكراً على الرجال. لكن تبقى بعض التقاليد التي تحرم النساء من الميراث باعتبار أنهن قد يتزوجن برجل غريب لا يمكن مشاركته إرث الآباء والأجداد، أو لا يسمح لهن بالزواج حتى لا يذهب الإرث إلى غريب".
تتابع: "النهوة هي من التقاليد التي بدأت تنحسر، فهي لا تسمح للفتاة بالزواج من رجل غير ابن عمها. وإن أرادت ذلك، تمنع من الزواج بالإكراه. أعتقد أنّ المرأة العراقية متساوية بالحقوق مع الرجل، لكنها عانت الكثير من الصعاب والفقر والحرمان نتيجة ظروف البلاد والحروب المستمرة منذ أربعة عقود. وهذا الواقع نتطلع إلى تغييره نحو الأفضل، لأن المرأة العراقية تبوأت أعلى المناصب، وهي تستحق أن يبقى اسمها مشرفاً كما كان سابقاً، وفي مختلف الميادين".
بشرى عبد الكريم الطائي (47 عاماً)، تتحدّر من محافظة ذي قار، جنوب العراق، تعمل مدرّسة منذ تخرجت من الجامعة. بدأت العمل المدني في عام 2008 كمنسقة للمحافظات الجنوبية، أي البصرة والناصرية والسماوة والعمارة، لمتابعة أنشطة شبكة فعل المدنية العراقية، بدعم من صندوق دعم الديمقراطية.
وتبيّن الطائي لـ"العربي الجديد"، قائلة: "عانيت بسبب معارضة أحد إخوتي الذي لم يكن مقتنعاً بآلية العمل المدني. ولم يكن يتوقع أن أنجح في ظل الأعراف والتقاليد العائلية التي تحد من حركة المرأة، خصوصاً كناشطة مدنية. وعلى الرغم من تغير نظرة المجتمع والانفتاح وتقبل عمل المرأة بوظائف عدة، قد تفرض الظروف العائلية بعض التحديات. مثلاً، تركت العمل نتيجة مرض زوجي بين عامي 2012 و2018. المرأة تجمع بين عملها وتنظيم حياة أسرتها، بعكس الرجل الذي يهتم بعمله ويترك باقي المسؤوليات للمرأة".
وبحسب نتائج مسح وتقويم الفقر في العراق لعام 2018، ارتفعت نسبة البطالة للفئة العمرية ما بين 15 إلى 24 عاماً، وبلغت 27.5 في المائة. كما أن نصف العاملين بأجر يعملون لدى القطاع الحكومي، وتعمل 90 في المائة من النساء العاملات بأجر في القطاع الحكومي.