قرر العاهل المغربي الملك محمد السادس تشكيل لجنة للتحقيق وتوضيح وضعية المنافسة في سوق المحروقات، بعد تسلمه تقريرين متناقضين من رئيس مجلس المنافسة وتظلم أعضاء من المجلس من خروقات في تناول الموضوع.
وجاء في بلاغ للديوان الملكي، مساء أمس الثلاثاء، أنه "اعتباراً للارتباك المحيط بهذا الملف والنسخ المتناقضة المقدمة"، قرر العاهل المغربي، محمد السادس، تشكيل لجنة متخصصة تتكلف بإجراء التحقيقات الضرورية لتوضيح الوضعية وترفع للعاهل تقريراً مفصلاً عن الموضوع في أقرب أجل.
وتتشكل اللجنة المعينة من رئيسي مجلسي البرلمان، ورئيس المحكمة الدستورية، ورئيس المجلس الأعلى للحسابات، ووالي بنك المغرب، ورئيس الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها، بيما سيتولى الأمين العام للحكومة مهمة التنسيق.
وأوضح بلاغ الديوان أنّ الملك تسلم، في 23 يوليو/ تموز الجاري، مذكرة من رئيس مجلس المنافسة تتعلق بقرار المجلس حول التواطؤات المحتملة لشركات المحروقات وتجمع النفطيين، حيث تضمنت المذكرة القرار القاضي بفرض غرامة مالية بمبلغ 9% من رقم المعاملات السنوي المحقق بالمغرب من قبل الموزعين الرئيسيين الثلاثة، وبمبلغ أقل بالنسبة لباقي الشركات.
غير أنّ بلاغ الديوان يؤكد أنّ العاهل تسلم من رئيس المجلس ذاته، يوم 28 يوليو/تموز الجاري، مذكرة جديدة حول الموضوع نفسه، يطلعه عبرها على "قيمة الغرامات المفروضة"، غير أنه في المذكرة الثانية تم تحديد مبلغ الغرامات في 8% من رقم المعاملات السنوي، دون تمييز بين الشركات.
غير أنّ تناقض التقريرين لم يكن السبب الوحيد الذي برر القرار الملكي، فقد ورد في البلاغ أن العاهل المغربي تسلم تظلم أعضاء في المجلس، يشتكون فيه من عدم احترام المساطر (الشروط) الواجبة ومن تصرفات رئيس المجلس.
ويذهب الديوان الملكي إلى أنّ العاهل المغربي تسلم، في 28 يوليو/ تموز الجاري، "ورقة صادرة عن العديد من أعضاء المجلس يبرزون من خلالها أن تدبير هذا الملف اتسم بتجاوزات مسطرية وممارسات من طرف الرئيس مست جودة ونزاهة القرار الذي اتخذه المجلس".
وتظلم بعض الأعضاء من التواصل الذي "أضر ببحث القضية ومصداقية المجلس" و"اللجوء الإجباري للتصويت قبل إغلاق باب المناقشة"، و"التفسير المبتور"، و"غموض الإجراء الخاص بالتحقيق والذي يتميز بتقاسم انتقائي للوثائق".
واشتكى المتظلمون من "عدم تلبية ملتمسات الأعضاء بهدف إجراء بحث متوازن للحجج المقدمة من طرف الشركات". كما تظلم المشتكون، بحسب البلاغ، من "سلوك الرئيس الذي يوحي بأنه يتصرف بناء على تعليمان أو وفق أجندة شخصية".
ويعتبر هذا التقرير الخاص بسوق المحروقات، الأهم الذي كان سيصدره المجلس بعد تعيين العاهل المغربي لرئيسه إدريس الكراوي، في نوفمبر/ تشرين الثاني 2018، حيث راهن المراقبون على أن يساهم المجلس في الكشف عن الممارسات المنافية للمنافسة التي تعرفها السوق في المملكة، بعد توقف ذلك المجلس عن العمل لأكثر من أربعة أعوام.
يأتي التحقيق الذي قاده المجلس بعد شكوى رفعها اتحاد للنقل قبل أربعة أعوام، يطالب فيها ببحث مدى احترام قانون حرية الأسعار والمنافسة من قبل الشركات، بعد تحرير سعر السولار والبنزين في 2015.
وتفيد أنباء حول فحوى التقرير الذي أنجزه محققو المجلس، بوجود ممارسات منافية للمنافسة متفق عليها بين الشركات المنضوية تحت لواء مجموعة البتروليين بالمغرب، وحدوث اتفاق بين الشركات حول الأسعار، وهو ما يحرّمه القانون المغربي.
وأكد التقرير كذلك، على شبهة لجوء تجمع البتروليين، شهرياً، إلى جمع بيانات حول المبيعات المنجزة من قبل كل شركة وتوزيع ذلك، حسب المنتجات، حيث جرى تبادل تلك المعلومات بين الفاعلين من أجل استعمالها لأهداف تجارية.
وخلص إلى أن تبادل المعلومات حول حصص كل شركة، يفضي إلى تكريس الطابع شبه الاحتكاري في السوق، ما يساعد على تقليص فرص المنافسة في السوق، خاصة أن ذلك ساهم في غياب أي استراتيجية تجارية طموحة لدى كل فاعل على حدة، مشدداً على وجود ثلاثة فاعلين مهيمنين في السوق.