1
الصباحُ يتركُ أثرَه على الشرفةِ
زَرقُ الحماماتِ على الدرابزين
ثيابٌ تتشمّسُ
عصفورٌ اختلطَ عليهِ الموضوعُ
وهو يشرحُ للسماءِ معنى اتساعها
وللشجرةِ معنى فراغها
وهي تسأله إن كانت العصافيرُ تتحجّرُ أيضاً
والمومياءات يولدْنَ على الشرفة؟
خلف الجدرانِ
نوعٌ كاملٌ يدركُ الآن معنى اللمسِ
أو لا يدركُ. فقط يعيشُ نقصَهُ
لم يلمسْ كفايةً
لم يعطِ أصابعَهُ حقَّها.
الجلدُ ليس مساحةً من الصفيحِ. إنه جلد
والجليدُ القديمُ يتذكّرُ نسيانه.
خلفَ الجدرانِ
عالمٌ مكمومٌ يحتضرُ على الشاشة
يتقفَّزُ
والأرضُ تتنفّسُ الصعداءَ
خلفَ الجدرانِ
وقتٌ بلا رادع
غيرُ ممسوكٍ يُحكمُ السيطرة
أيدٍ مقطوعةٌ
زهرةٌ تقذفُ ماءها في فضاءٍ معقَّم
خلفَ الجدران
عينٌ بحجمِ فنجانِ قهوة
ضوءٌ أسود
خلفَ الجدران...
سيظنُّ من يقرأ بأننا نتحدّثُ عن قفصٍ
وأن هذا القفصَ فيه عصفوران
وأن العصفورَ يُدعى توتي والعصفورةَ تدعى توتا
وأن توتي وتوتا يعيشانِ مكتفيين بالدَخنِ وورقةِ خس ونصفِ بيضةٍ أسبوعياً
وأنهما فرحان يغرّدانِ قليلاً ولا يعنيهما الخارجُ
ويفكّرانِ بالأنجابِ
وبأنها الحياةُ التي يحلمُ بها كلُّ عصفورٍ وعصفورة...
لا...
خلفَ الجدرانِ...
سيظنُّ من يقرأُ بأننا نتحدّثُ عن سجنٍ
وأنَّ هذا السجنَ فيهِ آلاف السجناء
يصرخون في نفسِ اللحظة
ويحدّقونَ في سماءٍ اصطناعية
لا....
خلفَ الجدرانِ..
سيخيبُ ظنُّ من يقرأ
لا شيءَ غيرُ عينٍ كبيرةٍ بحجمِ فنجانِ قهوة
وعصفورٍ يشرحُ للسماءِ معنى اتّساعها
2
العالمُ مغلِّفاً نفسَهُ بورقِ القصدير
مدشِّناً عصرَ الاحتراقِ الأنيق
العصرَ الرماديَّ المتلفز
والسقوطَ في الفخ
العالمُ، خزعةٌ من جدارِ الوقتِ:
لا حقيقةَ إلا ما يُكتبُ على الشاهدات.
نحنُ الليليون، مصّاصو الضوءِ، الشجريوين، المعقَّدون كخريطةٍ وراثية
الباحثونَ عن كلمةٍ نصيّرُها نجمةً
عن نجمةٍ نغلِّفُها بورقٍ أزرق
عن ورقٍ بلا خريف.
نحنُ المولعون باللمسِ
- علماً بأنّ الأصابعَ هي من يخلقُ اللغةَ -
والعالمُ ينسى من مرّوا فيهِ
العالمُ يمرُّ في النسيان
نحنُ الحالمونَ بنومٍ أكثرَ عمقاً
بصحوٍ أقلَّ حدّةً
بحياةٍ لا تنسى مُشعليها
نكتبُ عن اللانهاياتِ
عن الأيقوناتِ الحديثةِ، الرعبِ المهلكِ، الدمِ في عروقِ الأرضِ
وعن العالمِ الذي يبدّلُ جلدَهُ.
* شاعر من سورية