يزدحم تاريخ الفنّ العربي بأسماء نجوم اعتزلوا لأسباب مختلفة، سواء كانت دينية أو شخصية أو تجارية. فبعضهم خرج ولم يعد، ليغيب في بحر من النسيان، وبعضهم ظلّ مشرقاً في الذاكرة رغم غيابه الطويل. إلا أن هناك بعض الأسماء التي ظهرت مجدّداً لتشغل الإعلام برجوعها مثلما شغلته برحيلها.
أحدث العائدين هو المطرب فضل شاكر، الذي يثير جدلاً إعلامياً وجماهيرياً واسعاً هذه الأيام. اعتزل عام 2010 وانضمّ إلى جماعة دينية، تاركاً وراءه حسرة كبيرة على فنان حسّاس ومبدع تبرّأ هو نفسه منه، لينتصر هذا الأخير داخل روحه ويسحبه ثانية إلى صفّه. تماماً مثلما حدث مع فنانين آخرين، ممن عادوا إلى الفنّ بعد اعتزالهم.
على قائمة هؤلاء النجوم نجد فنان العرب محمد عبده، الذي لا يعرف كثيرون أنه اعتزل الأغنيات العاطفية عام 1989، وكان حينها في أوج نجاحاته بعد ألبومه "أرفض المسافة". وغاب عن المشهد لثمانية أعوام كاملة، لم يقدّم خلالها سوى أعمال وطنية ودينية، منها ألبوم "هل التوحيد". كما قدّم ألبوم "يالسعودي يا بطل"، و"ملحمة أسود الجزيرة"، خلال حرب الكويت.
ويقال إنّ السبب وراء ذلك كان خلافاً بينه وبين الأمير خالد بن فهد، في حين تفيد مصادر أخرى بأنّ وفاة والدته أثّرت سلباً على نفسيته، غير أنّه ما لبث أن فاجأ الجميع بعودته في سبتمبر/أيلول من العام 1997 من خلال حفل كبير في لندن استأنف بعده مشواره المتألّق واستدرك غيابه الطويل بخمسة ألبومات صدرت دفعة واحدة، منها "دعاني الشوق" و"سايق الخير". كما قدّم روائع كثيرة منها: "اختلفنا" و"بنت النور" و"مذهلة" و"شبيه الريح" و"الأماكن".
أما الفنان الكويتي الكبير عبد الكريم عبد القادر فقد أعلن اعتزاله الفنّ عام 1980 بشكل نهائي بعد قرابة 20 عاماً من مسيرته، وبعد إصدار ألبومه "تأخرت"، ما سبّب حزناً كبيراً في الساحة الفنية كونه من الفنانين الملتزمين القلائل الذين كان جمهورهم يحمل لهم الاحترام والتقدير. لكنّه تراجع عن قراره وعاد مرّة جديدة إلى الغناء بعد أربع سنوات فقط عام 1984، وأصدر ألبوم "وداعية" ليواصل مشواره حتّى يومنا هذا.
قصّة مماثلة بطلها الفنان السعودي عبد الله الصريخ الملقب بـ"عندليب نجد"، والذي قرّر الاعتزال فجأة عام 1990، ثم عاد إلى الغناء قبل بضعة أعوام في محاولة لاسترجاع مجد كبير ضاع في الغياب. لكنّه ما لبث أن تعب من المحاولات واعتزل مجدّداً عام 2010، وتحوّل إلى مؤذّن في أحد المساجد.
ولا تقتصر الظاهرة على المطربين، بل نجدها أيضاً لدى بعض الممثّلين. فعلى سبيل المثال أثارت عودة الممثل حسن يوسف زوبعة من الجدل عام 2010، إثر مشاركته في مسلسل "زهرة وأزواجها الخمسة"، وذلك بعد سنوات من اعتزاله. كما تردّدت شائعات كثيرة حينها عن عودة زوجته الفنانة المعتزلة شمس البارودي.
أما الممثل محسن محيي الدين فقد غاب 23 عاماً، وكان آخر أفلامه "اللعب مع الشياطين" عام 1991، حيث اختفى هو وزوجته الممثلة نسرين. ولم يتوقّع أحد طوال تلك السنوات أن يعود إلى الشاشة، ليظهر فجأة في شهر رمضان الماضي من خلال عملين هما "المرافعة" و"فرق توقيت".
في النهاية يبقى اعتزال الفنان أمراً شخصياً عائداً إلى قناعاته، مثلما أنّ عودته أمر شخصي عائد إلى قناعاته، ولا يهمّ التاريخ سوى نوعية هذه العودة، فهل كانت تستحقّ أم لا؟