الظلم ظلمات

26 يونيو 2015
+ الخط -
(وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ)، صدق الله العظيم. 

الفرح الحق هو الفرح بفضل الله ورحمته، فضله الذي يقودك إلى العدل، وفضله الذي يجعل منك الإنسان الإنسان والقلب النابض بالحياة، ورحمته الممتدة، منه ومنك، إلى جميع الخلق، فتصبح أنت فيض الرحمة السائرة بين الناس، ذلك هو الفرح الحقيقي. واعلم، يا رعاك الله، إن قويا وصاحب استطاعة في البطش والظلم والتنكيل وكيل الكلمات الصاخبة لمن هم ليسوا من جماعتك وفئتك وقبيلك، وطالت بك الأيام، وأنت سليم، وأنت في عافية، لا مكروه يصيبك. فاحذر، فإن الله يملي للظالم ولعشيرته وقبيله، ويمدهم في طغيانهم يعمهون، حتى إذا أخذه لم يفلته. وأعلم يا من تبطش وتمد الظلم إنك إن أفلت في الدنيا، فهذه ليست النجاة، فالنجاة كل النجاة أن تلقى مصيرك في الدنيا قبل الآخرة. لأنك من أرض أناس إذا شاكتهم الشوكة كانت خيرا له، وكانت مكفرة عن سيئاته، حتى الحمى إن أصابتك غسلتك وطهرتك. أما أن تعيش الظلم والبطش والإفساد والسوء والغيبوبة وأنت سليم فذاك شيء غير سعيد في حقك. والفرح بذلك هو عين الألم وهو عين المأساة، حتى الذين هم من خاصتك وجماعتك يفرحون بفرحك، ويهللون لنجاحك هم صبيان غفلة، لأنهم لو كانوا يعلمون لاتبعوا منهج (فليضحكوا قليلا وليبكوا كثيراً)، وأن يتذكروا في كل وقت وفي كل حين (ولا تحسبن الله غافلاً عما يعمل الظالمون)، وليكتبوا على أوراقهم، وعلى أطراف أسرة نومهم، الدعاء المستمر إلى يوم الدين (ألا لعنة الله على الظالمين). وفي إطار آخر قول من لا ينطق عن الهوى (الظلم ظلمات يوم القيامة).

وفي منطقتنا العربية، نجا بن علي من العقاب والمحاسبة والمساءلة عما ارتكبه من جرم وظلم في حق التونسيين. واليوم يخرج تيار الظلم الذي لا يخمد إلى يوم القيامة، ليمنع مصادرة أموال بن علي وممتلكاته، ومن عجب أنها تنسب إليه. وما الرئيس إلا موظف في الدولة مثل أي إنسان يدير دفة عمل ما، إلا أن له احترامه وتقديره. ولكن، تجده بعد وقت قليل من أكبر أثرياء البلد. وأصبحت أسرته، المغمورة المنسية لولا وصوله إلى سدة الحكم، من أكبر العائلات ومن أخطر الأسر، يراعى شأنها وشأن جميع فئاتها، رجالاً ونساءً، صغارا وكباراً. ولا أحد يتطرق إلى عدالة (من أين لك هذا).
وانظر إلى حال مصر، تجد حسني مبارك، والذي لم يمض في الحسن ولا أقام البركة، بل كانت سنواته طويلة، ثلاثين سنة وبال على شعب أرض تجري من تحتها الأنهار. كان نقمة عليها وقبحاً، وأثرى وأثري، وصارت أمواله بالمليارات، ثم يفلت بعد كل هذا بفضل الدولة العميقة في الظلم والفساد والبلاء. تهلل محبيه ومريديه. لكن، يا ويل كل مفلت من عذاب الله الشديد، ومن حساب الملك العدل سريع الحساب.
ومن عجب أن رأس السلطة لا يثري وحده، بل جيش من المنتفعين، إن كانوا وزراء أو جنوداً، وانظر إلى حكمة الحكيم، حيث أورد إن الفساد كان في فرعون وفي هامان، وثم في جنده، وحكمة الله لا تبدل إلى يوم الدين، ففرعون هو قمة السلطة وهو رأس الدولة، ثم هامان هو رمز لكل الوزراء بمختلف مهامهم. والجند بمختلف مواقعهم، سواء حراسات خاصة أو عامة، خذ منها كبار الجند، ولا نعمم. وجميع هؤلاء الظالمين، من فرعون وهامان وجنودهما في زماننا الحالي، قد أفلتوا من المحاكمة والمساءلة، وذهبوا في منهج (إن الذين أجرموا كانوا من الذين آمنوا يضحكون)، وانفتحت بوابات الضحك على مصراعيها. إنه ضحك مؤلم، يضحك على الثوار، وعلى من أرادوا أن يصلحوا العالم. ودارت رحى الظلم، وتم تنصيب فرعون جديد.
أروني واحدا فقط وظف كل إمكاناته لخدمة شعبه، من دون ظلم ومن دون محاباة، إن كل نقود دافعي الضرائب ذهبت إلى كوكبة الوزراء والسفراء والوجهاء والسعداء والمرضي عنهم من أهل البيت الحكومي، وأنت، أيها الشعب، لك علينا أن نتصدق عليك في رمضان، وأن نمد موائد الإفطار للغلابة منكم أما أن تنظروا أن نعمل ضمن إطار منظومة متكاملة تتيح مجانية التعليم أو مجانية العلاج، فبعدكم!
وأنت يا من يملؤك الغيظ والألم على رؤية كم من ظالم يفلت من العقاب، ومن حبل المقصلة في بلداننا العربية، وهو شريف حتى القبر، لا تتألم ولا تغتاظ، فالملك الديان لا يغفل عما يعمل الظالمون. الدنيا هكذا حالها تخفض العالي، وتعلي من سفل. وأعلم أن الأيام كفيلة بإعطاء الدروس مجاناً لكل من يظن أنه قوي وفعال واستثنائي وضرورة.
avata
avata
أسماء عبداللطيف (مصر)
أسماء عبداللطيف (مصر)