عقب الإعلان عن فوز رواية "الطلياني" للكاتب التونسي "شكري المبخوت" بجائزة البوكر لعام 2015، عمت حالة من الدهشة والحيرة في أوساط المتابعين للحركة الأدبية عموماً وللكتاب خصوصاً.
على الرغم من السيرة الذاتية الجيدة للمبخوت كونه حاصلاً على دكتوراه الدولة في الآداب من كلية الآداب بمنوبة، ورئيس جامعة منوبة، وشغل سابقاً عمادة كلية الآداب والفنون والإنسانيات في نفس الجامعة، وعضو هيئات تحرير مجلة إبلا ومجلة رومانو أرابيكا، فإن تلك الدهشة قد يكون سببها الأساسي هو كون تلك الرواية هي الأولى للمبخوت، بالإضافة لبعض المؤلفات الأخرى مثل: "سيرة الغائب، وسيرة الآتي" وكتاب "جمالية الألفة: النص ومتقبّله في التراث النقدي" وأيضاً "نظرية الأعمال اللغوية".
ولكن لعل الإجابة عن استحقاق الرواية من عدمها يكمن في محاولة فهم أبعاد الرواية ورمزيتها، فالنقطة الإيجابية الأولى في الرواية هي البعد الزمني المميز، فالرواية تغطي فترة مهمة في تاريخ تونس في أواخر حكم "الحبيب بورقيبة" وحتى انقلاب "زين العابدين بن علي" وتوليه لمقاليد الحكم، مع توضيح لطبيعة الصراع الناشئ في تلك الفترة ما بين السلطة وما بين القوى السياسية الموجودة في ذلك الوقت، خاصة اليساريين والإسلاميين.
رمزية الشخوص في الرواية مهمة للغاية وقد يمكن تفسيرها على أكثر من رأي، فالبطل في الرواية هو "عبد الناصر" الشاب اليساري الشهير بـ"الطلياني"، نتيجة لتشابه ملامح وجهه مع الطليان، هل يقصد بعبد الناصر أن يمثل تونس المتمردة اليسارية التي تحمل بعضاً من طباع أوروبا وخصائصها؟ وعائلة الطلياني الملتزمة المحافظة، خاصة والده "الحاج محمود" وإخوته، هل يمثلان الصورة التقليدية لتونس أو ماضيها الذي لا يمكن الفكاك منه؟ والأخ الأكبر "صلاح الدين" الذي ترك تونس ليكمل حياته الناجحة في أوروبا هل يمثل حلم الاغتراب الناجح للنخبة المثقفة التي تؤمن بالشباب وتتفهم أفعاله وتصرفاته.
ففي الرواية كان "صلاح الدين" هو الأكثر تفهماً للطلياني، وهو الشخص الوحيد الذي يؤمن به وبآرائه، ويتشاركان النقاشات القوية عن الصندوق الدولي وسياسات الاقتراض التي تنتهجها الدول العربية.
عبد الناصر الذي يخوض تجربة العمل السياسي الجامعي مع اليسار الذي مثل جانباً قوياً من الحركة السياسية التونسية في تلك الفترة، وجد نفسه في حب الفتاة "زينة" التي شاركته العمل السياسي والحياة العاطفية قبل أن يتزوجا سراً. "زينة" التي رمزت للفتاه التونسية التي نشأت في ظروف وبيئة في غاية الصعوبة، قبل أن تكمل طريقها للحياة الجامعية والتدريس الجامعي بنجاح.
في الجزء الذي يحكي فيه "شكري المبخوت" عن عمل الطلياني كصحافي في جريدة حكومية يسرد لك كيف تمكن الصحافي الشاب من التماشي مع السلطة الحاكمة، وكيف كتب العديد من المقالات والتحقيقات في الفترة التي صاحبت انقلاب "زين العابدين بن علي"، وكيف تطلع التونسيون إلى تلك المرحلة باعتبارها بداية التغيّر المنشود والحلم الذي طال انتظاره قبل أن تكشف الأيام أنه لا تغير حقيقي في الأنظمة وإنما في الأسماء الحاكمة فقط.
وتبقى إجابة السؤال: لماذا نالت الطلياني البوكر؟.. الحقيقة أن البوكر أصبحت تهتم بفكرة أن تنال الجائزة أعمال تمثل ما يشغل بال شعوب المنطقة، وهي السياسة التي أصبحت الفكرة الأساسية المسيطرة على الأذهان، ولعلهم لم يجدوا أفضل من هذا العمل الروائي من تونس مهد ثورات الربيع العربي لتكون ثاني رواية مغاربية تفوز بالجائزة بعد رواية "القوس والفراشة" للروائي المغربي "محمد الأشعري" عام 2011، وبالرغم من عدم تميّز اللغة والأسلوب للرواية بالدرجة الكافية، أو اعتقاد بعضهم بتقليدية الفكرة الأساسية للرواية، أو الحيرة التي قد تصيبك في ختام قراءتها، فإنها في النهاية قد تكون الرواية الملائمة في الزمان والمكان لتفوز بالجائزة.
(مصر)
على الرغم من السيرة الذاتية الجيدة للمبخوت كونه حاصلاً على دكتوراه الدولة في الآداب من كلية الآداب بمنوبة، ورئيس جامعة منوبة، وشغل سابقاً عمادة كلية الآداب والفنون والإنسانيات في نفس الجامعة، وعضو هيئات تحرير مجلة إبلا ومجلة رومانو أرابيكا، فإن تلك الدهشة قد يكون سببها الأساسي هو كون تلك الرواية هي الأولى للمبخوت، بالإضافة لبعض المؤلفات الأخرى مثل: "سيرة الغائب، وسيرة الآتي" وكتاب "جمالية الألفة: النص ومتقبّله في التراث النقدي" وأيضاً "نظرية الأعمال اللغوية".
ولكن لعل الإجابة عن استحقاق الرواية من عدمها يكمن في محاولة فهم أبعاد الرواية ورمزيتها، فالنقطة الإيجابية الأولى في الرواية هي البعد الزمني المميز، فالرواية تغطي فترة مهمة في تاريخ تونس في أواخر حكم "الحبيب بورقيبة" وحتى انقلاب "زين العابدين بن علي" وتوليه لمقاليد الحكم، مع توضيح لطبيعة الصراع الناشئ في تلك الفترة ما بين السلطة وما بين القوى السياسية الموجودة في ذلك الوقت، خاصة اليساريين والإسلاميين.
رمزية الشخوص في الرواية مهمة للغاية وقد يمكن تفسيرها على أكثر من رأي، فالبطل في الرواية هو "عبد الناصر" الشاب اليساري الشهير بـ"الطلياني"، نتيجة لتشابه ملامح وجهه مع الطليان، هل يقصد بعبد الناصر أن يمثل تونس المتمردة اليسارية التي تحمل بعضاً من طباع أوروبا وخصائصها؟ وعائلة الطلياني الملتزمة المحافظة، خاصة والده "الحاج محمود" وإخوته، هل يمثلان الصورة التقليدية لتونس أو ماضيها الذي لا يمكن الفكاك منه؟ والأخ الأكبر "صلاح الدين" الذي ترك تونس ليكمل حياته الناجحة في أوروبا هل يمثل حلم الاغتراب الناجح للنخبة المثقفة التي تؤمن بالشباب وتتفهم أفعاله وتصرفاته.
ففي الرواية كان "صلاح الدين" هو الأكثر تفهماً للطلياني، وهو الشخص الوحيد الذي يؤمن به وبآرائه، ويتشاركان النقاشات القوية عن الصندوق الدولي وسياسات الاقتراض التي تنتهجها الدول العربية.
عبد الناصر الذي يخوض تجربة العمل السياسي الجامعي مع اليسار الذي مثل جانباً قوياً من الحركة السياسية التونسية في تلك الفترة، وجد نفسه في حب الفتاة "زينة" التي شاركته العمل السياسي والحياة العاطفية قبل أن يتزوجا سراً. "زينة" التي رمزت للفتاه التونسية التي نشأت في ظروف وبيئة في غاية الصعوبة، قبل أن تكمل طريقها للحياة الجامعية والتدريس الجامعي بنجاح.
في الجزء الذي يحكي فيه "شكري المبخوت" عن عمل الطلياني كصحافي في جريدة حكومية يسرد لك كيف تمكن الصحافي الشاب من التماشي مع السلطة الحاكمة، وكيف كتب العديد من المقالات والتحقيقات في الفترة التي صاحبت انقلاب "زين العابدين بن علي"، وكيف تطلع التونسيون إلى تلك المرحلة باعتبارها بداية التغيّر المنشود والحلم الذي طال انتظاره قبل أن تكشف الأيام أنه لا تغير حقيقي في الأنظمة وإنما في الأسماء الحاكمة فقط.
وتبقى إجابة السؤال: لماذا نالت الطلياني البوكر؟.. الحقيقة أن البوكر أصبحت تهتم بفكرة أن تنال الجائزة أعمال تمثل ما يشغل بال شعوب المنطقة، وهي السياسة التي أصبحت الفكرة الأساسية المسيطرة على الأذهان، ولعلهم لم يجدوا أفضل من هذا العمل الروائي من تونس مهد ثورات الربيع العربي لتكون ثاني رواية مغاربية تفوز بالجائزة بعد رواية "القوس والفراشة" للروائي المغربي "محمد الأشعري" عام 2011، وبالرغم من عدم تميّز اللغة والأسلوب للرواية بالدرجة الكافية، أو اعتقاد بعضهم بتقليدية الفكرة الأساسية للرواية، أو الحيرة التي قد تصيبك في ختام قراءتها، فإنها في النهاية قد تكون الرواية الملائمة في الزمان والمكان لتفوز بالجائزة.
(مصر)