بدأت منذ مساء السبت، أولى الخطوات في الطريق إلى المحادثات المقرر إجراؤها بين المعارضة السورية والنظام، إثر اعتماد مجلس الأمن الدولي قراراً يدعم الجهود الروسية التركية لوقف إطلاق النار في سورية، والشروع في مفاوضات تفضي إلى خارطة طريق لحل سياسي، تُعتمد في مفاوضات لاحقة في جنيف تحت رعاية أممية. ولا يبدو أن الطريق لهذه المحادثات المقررة في أستانة سيكون ممهداً، في ظل محاولات من قوات النظام و"حزب الله"، لدفع اتفاق أنقرة لوقف إطلاق النار نحو الانهيار، بهدف إسقاط كل محاولات التوصل لحل سياسي يستند إلى قرارات دولية تنص على تشكيل "هيئة حكم انتقالي" كاملة الصلاحيات، وهي بمثابة مسمار أخير في نعش النظام وحكم رئيسه بشار الأسد، وهو ما يحاول النظام تجنّبه من خلال استمرار الحرب، وتنفيذ مخططه في إخضاع كل المناطق التي تسيطر عليها المعارضة، والتي تؤكد التزامها بحل سياسي وفق قرارات دولية ذات صلة.
وكان نظام الأسد وحليفته إيران، أكبر خاسرين من اتفاق أنقرة، إذ قطع الطريق أمام محاولاتهما السيطرة على ريف دمشق بشكل كامل، والاستمرار في عمليات التهجير الممنهج، لفرض واقع ديمغرافي مختلف في محيط العاصمة يؤدي دوراً في ترسيخ سيطرة مطلقة عليها، وتتيح لـ"حزب الله" اتخاذ شمال غربي دمشق ومنطقة القلمون منطقة نفوذ كبرى، وتأمين المنطقة التي تربط العاصمة بالساحل السوري معقل الأسد الأبرز.
وجاء قرار مجلس الأمن الدولي 2336 الذي صدر مساء السبت، ليؤكد الرغبة في دفع الجهود من أجل التوصل إلى تسوية سياسية وفق بيان جنيف 1، الذي صدر منتصف عام 2012، وقرارات دولية أخرى أبرزها القرار 2254، وتنص صراحة على تشكيل هيئة حكم كاملة الصلاحيات، تشرف على مرحلة انتقالية يتخللها كتابة دستور جديد للبلاد، وتُجرى على أساسه انتخابات جديدة، فيما يرفض النظام فكرة الانتقال السياسي، بناء على قرارات دولية ذات صلة، ويصر على تقاسم السلطة مع المعارضة من خلال "حكومة وحدة وطنية"، مع بقاء الأسد في السلطة، وهو ما أفشل مفاوضات أشرفت عليها الأمم المتحدة في جنيف أوائل عامي 2014 و2015.
وتحاول طهران إبراز دور لها في مفاوضات أستانة، وهو ما بدا في كلام لمستشار المرشد الإيراني الأعلى للشؤون الدولية علي أكبر ولايتي، الذي قال إن "فصائل المعارضة التي ستشارك في هذا الحوار هي تلك الجاهزة للتخلي عن السلاح، والتي لا تقبل تقسيم سورية"، مضيفاً أن محادثات أستانة ستُعقد بين النظام والمعارضة السورية فقط، من دون تدخّل أي طرف ثالث. وفي تصريحات صحافية على هامش لقائه وزير خارجية النظام السوري وليد المعلم في طهران أمس الأحد، أشار ولايتي إلى أهمية اجتماع أستانة، معتبراً أنه سيؤسس لحل الصراع السوري.
فيما نقل موقع "تسنيم" الإيراني عن المعلم قوله إن بعض الأطراف تسعى للتركيز على مسائل وصفها بالجانبية لتخريب المحادثات المرتقبة، معتبراً أن "هذه السياسات ستتسبب بانزواء وعزلة هذه الأطراف". ودعا "للفصل بين مجموعات المعارضة، وتنظيم الدولة وجبهة النصرة من جهة ثانية"، معتبراً أن هذا الأمر كفيل بتحقيق نتائج إيجابية في أستانة.
من جهتها، تؤكد المعارضة استعدادها الشروع في مفاوضات تفضي إلى حل سياسي، وهو ما ورد في اتفاق أنقرة، الموقّع من قبلها في 29 ديسمبر/كانون الأول الماضي، والذي نصّ على أنه لا بديل عن حل سياسي شامل للصراع السوري، وأنه يجب التعجيل بإطلاق عملية سياسية في سورية وفق ما نصّ عليه بيان جنيف والقرار 2254، لـ"وضع خريطة طريق في أقرب وقت ممكن، لحل الأزمة السورية".
ودعت الورقة التي وقعت عليها حكومة النظام أيضاً "إلى الاحترام التام لسيادة الجمهورية العربية السورية، وسلامتها الإقليمية، وصون مصالح الشعب السوري، والكف عن إراقة الدماء، وضمان الأمن القومي"، مطالبة المعارضة بتشكيل وفدها المفاوض بصورة مستقلة بحلول 16 يناير/كانون الثاني الحالي "للدخول في مفاوضات بشأن تسوية سياسية تهدف إلى إيجاد حل شامل للأزمة السورية بالوسائل السلمية". ونصّ اتفاق أنقرة أيضاً، على شروع وفد المعارضة "في العمل المشترك مع وفد الجانب المقابل" اعتباراً من 23 الحالي، وذلك في أستانة بمشاركة الأمم المتحدة، مشيراً إلى أنه "استناداً إلى النتائج الختامية للعمل المشترك لكلا الوفدين، توضع خريطة طريق في أقرب وقت ممكن لحل الأزمة السورية".
وتطابق القرار الأممي 2336 مع اتفاق أنقرة، لجهة البدء في عملية سياسية وفق القرارات الدولية ذات الصلة، معتبراً مفاوضات أستانة المقبلة "جزءاً هاماً من عملية سياسية بقيادة سوريّة وبتسهيل من الأمم المتحدة". وصادق القرار الأممي على "الوثائق التي أصدرتها روسيا وتركيا في 29 ديسمبر"، والتي تتعلق بدعوة المعارضة والنظام إلى مفاوضات في أستانة، وبذلك ضمنت المعارضة ألا تكون مفاوضات أستانة بعيدة عن مظلة أممية تصر عليها. وتتمسك المعارضة بحل على أساس بيان جنيف 1 والقرار 2254، وهو ما يحقق الحد الأدنى من مطالبها التي تدعو إلى إجراء انتقال سياسي من شأنه تحقيق تغيير عميق في السلطة، يزيح عن واجهة المشهد السوري بشار الأسد وأركان حكمه.
في هذا الصدد، أوضح المنسق العام للهيئة العليا للمفاوضات رياض حجاب، في اتصال هاتفي مع الموفد الأممي إلى سورية ستيفان دي ميستورا، الجمعة، أن "العملية السياسية التي تقودها الأمم المتحدة تستند إلى بيان جنيف 1، وقرارات مجلس الأمن ذات الصلة، وعلى وجه الخصوص القرار 2254، وهي الإطار الذي تعمل الهيئة من خلاله لتحقيق الانتقال السياسي". وشدد حجاب على "التزام الهيئة العليا للمفاوضات بدعم سائر الجهود الهادفة إلى حقن الدم السوري وحماية المدنيين، وتنفيذ القرارات الأممية ذات الصلة". من جهته، أكد دي ميستورا التزامه بالعملية السياسية التي فوّضه بها مجلس الأمن والأمين العام للأمم المتحدة، وفي إطار مرجعية بيان جنيف وقرار مجلس الأمن 2254، مشدداً على أنه لن يدّخر أي جهد في سبيل إطلاق العملية السياسية، والبناء على أي مبادرات أو جهود تخدم هذا الغرض، ومنها محادثات أستانة.
وتشكّل هذه المحادثات خطوة واسعة باتجاه جولة جديدة من مفاوضات جنيف المتوقع أن تبدأ في الثامن من شهر فبراير/شباط المقبل، والمتوقفة منذ أبريل/نيسان من العام الماضي، إثر تعليق المعارضة السورية مشاركتها بها بسبب عدم تنفيذ النظام للشق الإنساني من قرار 2254.
أما أحمد العسراوي، القيادي في هيئة التنسيق الوطنية التي تمثّل جزءاً من معارضة الداخل السوري ومنضوية في الهيئة العليا للمفاوضات، فلم يبدِ تفاؤلاً حيال محادثات أستانة، مشيراً في حديث مع "العربي الجديد" إلى أن الطريق نحو العاصمة الكازاخستانية "مملوء بالأشواك"، مضيفاً: "لم نعلم حتى الآن من هم المدعوون للمحادثات، وما هو جدول الأعمال، وحجم التفارق عن جنيف 1، وهل سيتم التفاوض على تشكيل مؤسسة حكم انتقالية كاملة السلطات، أم حكومة وحدة وطنية؟".
وأكد العسراوي أن لدى المعارضة أهدافاً تريد تحقيقها، أبرزها إحداث تغيير جذري وشامل، مضيفاً: "نحن نريد مؤسسة حكم تشاركية، ونريد سورية موحدة أرضاً وشعباً، ونريد تحقيق الأهداف التي خرج شعبنا منادياً بها"، مشيراً إلى وجود هواجس لدى المعارضة حيال مفاوضات أستانة المقرر عقدها خلال الشهر الحالي، قائلاً: "نخشى العودة لما كان قبل مارس/آذار 2011، وتقاسم المصالح بين من ادعوا نصرة الشعب السوري، وبين داعمي النظام".
ولم تتضح بعد هوية المشاركين في محادثات أستانة في ظل رفض تركي لحضور ممثلين من حزب "الاتحاد الديمقراطي" الكردي، المتهم بالتنسيق مع النظام. كما تتحفظ المعارضة السورية على حضور ما يُسمّى بمنصات القاهرة، وموسكو، وحميميم، وتعتبرها أقرب للنظام منها للمعارضة، ومتماهية مع المشروع الروسي الإيراني في سورية الهادف إلى إعادة إنتاج النظام.