يرى الطباخ التركي المعروف، رفعت ديمير، أن أهم أسرار شهرة الطاهي وصاحب سلسلة "نصرت ستيك هاوس"، نصرت غوكشيه، وبلوغه العالمية، أنه ذكي وطموح "يكفي وضع فاصلة بين اسمه نصر-ايت لتعرف كيف يفكر، فـ"ايت" بالتركية تعني اللحم، وكأنه ناصر اللحم" واختياره "ستيك هاوس" لمطعمه الأول في إسطنبول، كأنه كان يفكر بغزو أسواق أميركا التي زارها قبل أن يبدأ استثماراته، لينافس كبرى العلامات والمطاعم في الولايات المتحدة.
ويلفت الطاهي التركي لـ"العربي الجديد"، إلى أن نصرت "إنسان وفي وأصيل" لأهله وبلده ولا ينسى أنه عاش فقيراً، وبدأ اليوم، بعد أن امتلك المال والشهرة، برد الجميل لأبويه ومحاولة إنعاش بلدته عبر بناء "مجمع كامل" كما تناقلت الصحافة.
ويلفت ديمير إلى أن نصرت "مهني" يتعامل مع اللحم بحبّ، ورش الملح الذي تحول إلى علامة مسجلة، عرف نصرت كيف يلفت أنظار العالم من خلالها.
ونشر صاحب سلسلة مطاعم "ستيك هاوس" في 18 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، صورة للمنزل الذي ولد فيه، وعلق على الصورة "أمر محفز، هذا المنزل الذي ولدت فيه"، وقبلها قام بافتتاح مجمع في منطقة أرضروم، وشارك بالافتتاح نواب في حزب العدالة والتنمية ورئيس البلدية ومحافظ شنكايا، إضافة إلى والده ووالدته، وأطلق على المجمع اسم "فاطمة وفايك غوكشيه" مؤكداً "اليوم هو يوم سعيد للغاية. أعيش فرح مساعدة أهالي قريتي بهذا المجمع. أنا أريد أن يحيا اسم أبي وأمي لسنوات عديدة هنا. وأريد أن أستمر في الاستثمار في أرضروم بمشاريع أكثر".
ويقول صاحب سلسلة مطاعم "طربوش" بتركيا، محمد نزار البيطار: "بلغ نصرت العالمية بسبب الدعاية القوية التي أتقنها بمفرده أولاً، ومن ثم وظف لها كبرى الشركات المتخصصة التي جذبت له زعماء ومشاهير العالم، إضافة إلى أن ذهنية نصرت بالعمل تختلف عن معظم الأتراك، فهو مجدد ويعمل شو حلو".
ويضيف البيطار لـ"العربي الجديد، أن لديه خبرة واسعة "يعرف تفاصيل توزع اللحم والعظم لدى الشاة والبقرة كما جراح متخصص، فهو مذ كان طفلا عمل بمطاعم وأحب المهنة. بدأ صبياً يوصل الطلبات، ثم مساعد لحام فلحاماً، وبعدها طاهياً".
ويلفت البيطار إلى أن العرب، ساهموا بشكل كبير في شهرة الطاهي نصرت، ففضلاً عن أنه اختار الإمارات ليفتتح بها فرعين لمطاعمه، كأول بلد بعد تركيا، أتت الدراما التركية و"هوس" الزعماء العرب بالإنفاق والشهرة، لتزيد من شهرة نصرت. "يأتي الوليد بن طلال لتركيا فيطلب نصرت ويحضره بطائرة خاصة، وملك الأردن وحاكم دبي من أوائل الزعماء الذين تصورا معه".
ولفت البيطار إلى أن الأعمال الإنسانية ووفاء نصرت زادت من شعبيته في تركيا، وأبعدت المسافة بينه وبين منافسيه، مثل الشيف التركي بوراك، الذي بدأ يسطع نجمه أخيراً، وخاصة بعد زيارة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان وصهره وزير المال، براءت البيرق، مطعمه "المدينة" الشهير في إسطنبول.
سيرة شخصية
ولد نصرت غوكشيه عام 1983 في مدينة أرضروم التركية شمال شرقي البلاد لأب فقير، وله خمسة إخوة، يقول في مقابلات نشرت له مع صحف تركية "عشت حياة فقر مدقع. كان والدي يعمل في أحد مناجم التعدين، وكنا لا نراه سوى مرة واحدة كل أربعة أو خمسة أسابيع".
وبعد تركه مقاعد الدراسة في المرحلة الابتدائية، حصل نصرت على فرصة للعمل في سوق اللحوم، فعمل متدربا وجزارا مبتدئا عند أحد الجزارين، وقال إنه كان مرهقاً جداً في العمل بتلك المرحلة، إلا أنه حاول دوماً تعلم أسرار المهنة.
وفي عام 2007، حصلت نقطة تحول في مسيرة نصرت، إذ انتقل إلى العمل في مطعم للحوم في أحد أشهر المراكز التجارية الراقية في الجانب الأوروبي من إسطنبول، واستمر في العمل هناك حتى عام 2009 براتب 1800 ليرة تركية (قرابة 480 دولارا حينها).
وبعد فترة قرر الذهاب إلى إحدى الدول المشهورة بتصدير اللحوم، لاكتساب خبرات جديدة، مثل الأرجنتين أو اليابان أو أميركا، ورغم أنه لا يعرف أي لغة أجنبية ولا يتحدث سوى اللغة التركية تمكن من التواصل مع أحد زبائن المطعم الذي كان يعمل به وهو فرنسي الجنسية الذي شجعه على القيام برحلته إلى الأرجنتين.
وفي نهاية عام 2009، حصل على قرض من أحد البنوك ليكون مجموع ما لديه 7 آلاف ليرة تركية ما كان يعادل آنذاك (قرابة 3500 دولار أميركي) ومن ثم توجه فوراً إلى الأرجنتين لاكتشاف عالم المزارع ومطاعم اللحوم هناك.
وخلال ثلاثة أشهر قضاها في الأرجنتين، قام بجولة عمل مكثفة جال فيها على عدد كبير من مطاعم اللحوم ومزارع الأبقار والخراف وتعرف على طرق طهي بعض أنواع اللحوم النادرة، قبل أن يعود مجدداً إلى تركيا وفي جعبته معلومات ومهارات وأفكار جديدة.
وفي عام 2010 سعى نصرت للسفر إلى الولايات المتحدة، وقام بتقديم طلب رسمي للسفارة الأميركية للحصول على فيزا للسفر، لكنه لم يكن يملك في حسابه البنكي المبلغ المطلوب كضمانة للحصول على الفيزا "لم يكن لدي نقود في حسابي البنكي، ولم يكن لدي منزل لأرهنه أو أي أملاك أخرى، ولم أكن متزوجا، لذلك تم رفض طلبي أربع مرات متتالية".
ويضيف خلال تصريحات صحافية سابقة "في هذه المرحلة عقب عودتي من الأرجنتين أجرت بعض الصحف والمجلات مقابلات معي حول خبرتي في طهي اللحوم، ولاحقاً استعنت بهذه الكتابات في محاولة أخيرة للحصول على تأشيرة دخول لأميركا، وبالفعل حصلت أخيراً على فيزا لمدة ثلاثة أشهر إلى الولايات المتحدة" ليستفيد حسب قوله من سفره، ويكتسب خبرة إضافية "عملت في واحد من أكبر وأشهر 4 مطاعم في نيويورك بشكل غير قانوني، وبدون الحصول على المال وكان هدفي اكتساب مزيد من الخبرة".
لم تقتصر أحلامه على الوصول إلى الولايات المتحدة والبقاء هناك، فقد كان يخطط لحلمه الأكبر وهو افتتاح مطعمه الخاص في تركيا، وبالفعل عاد ووافق صديق مقرب له أن يقرضه مبلغا من المال يكفي لافتتاح المشروع، يقول: "سألني ماذا ستسمي المشروع الذي سوف أدفع فيه المال؟ كتبت على ورقة (NUSRET نصرت) وجعلت فراغا بين نصر وات لتصبح (NUSR ET) حيث تعني ET بالتركية اللحم".
وخلال مدة قصيرة سجل المطعم نجاحاً دفعه للتفكير بافتتاح فروع أخرى بأمواله ومن خلال شراكات عقدها مع رجال أعمال بارزين، وافتتح فروعاً ضخمة وراقية ومكلفة في إسطنبول وأنقرة وبودروم وولايات تركية أخرى، بالإضافة إلى فروع في العالم العربي، وفي ميامي الأميركية.
ويقول نصرت "كنت أحصل على راتب متواضع، والآن يعمل لدي 400 شخص. سعيت للنجاح بقوة. أنا الآن في مكان رائع، ولكن ما زلت أبحث عن الأفضل وأسعى للتوسع".
ويأفل عام 2018 على الطاهي التركي نصرت غوكشيه، بمزيد من الشهرة، بعد أن زاد رصيده هذا العام، بجذب زعماء ورؤساء ونجوم عالميين، ليأكلوا ضمن سلسلة مطاعمه، بيد أن أحداثاً ثلاثة، ربما تكون سبب نجومية نصرت الذي يزيد معجبيه اليوم على إنستغرام عن عشرة ملايين متابع.
الحدث الأول الذي افتتح نصرت به 2018، كان دعوى قضائية ضده بالولايات المتحدة، لأنه يلمس الطعام من دون أن يلبس قفازات، ويرتدي إكسسوارات خلال إعداد الطعام، وهو ما تمنعه القوانين الأميركية.
وأما الحدث الثاني الذي ساهم بزيادة شهرة الطاهي التركي، هو لقاؤه مع نجوم فريقي ليفربول الإنكليزي وريال مدريد الإسباني، بعد المباراة النهائية ببطولة دوري أبطال أوروبا، والتقاطه الصور مع نجوم الفريقين، وبينهم المصري محمد صلاح والبرتغالي رونالدو، وبدا كأنهما يرشان الملح على كأس أبطال أوروبا على طريقة نصرت.
لكن الحدث الثالث الذي أوقع نصرت في ورطة، فهو ما وصفته الصحف التركية بـ"الكارثة" حينما كان يُقدم عرضاً بواسطة النار، إلا أن العرض لم يسر كما كان مُخططاً له، وانتهى بإصابة 5 أشخاص بحروق، منهم ثلاثة سياح هم امرأة تشيكية احترقت ثيابها ووصلت النار إلى جسدها ونقلت للمشفى، ومصرفي بريطاني جاء بصحبة عروسه لقضاء شهر العسل في تركيا، والسائح الثالث من سلطنة عمان، وموظفان اثنان يعملان في المطعم. وقد تقدم السياح الثلاثة بشكوى ضد صاحب المطعم.
ويقول التركي نصرت غوكشيه حول حادثة الحريق في أحد مطاعمه، بحسب ما نقلت الصحافة التركية "لقد قمت بزيارة ضيوفنا في أماكن وجودهم، وأنا مستعد لتقديم كل الدعم اللازم حتى يتعافوا عافية تامة". مشيراً إلى أن مطاعمه ستظل موضع ترحيب بجميع زبائنها، كما أعلن عن إيقاف العروض إلى أجل غير مسمى؛ لأن أهم ما لديه هو صحة وراحة ضيوفه وموظفيه، الذين يعتبرهم كعائلته.