الطاهر بنجلون و"الماركتنغ"

01 يونيو 2017
الطاهر بنجلون (Getty)
+ الخط -
لا يكفّ الكاتب الطاهر بنجلون عن مهاجمة الإسلاميين والإسلام، ولا يكف أيضا عن البروز بمظهر الحارس الأول للحداثة السياسية والوصي على اختيارات المغاربة وتصوراتهم حول الديمقراطية والحرية وحقوق الإنسان.

قبل شهور هاجم المصوّتين لحزب العدالة والتنمية المغربي، ووصفهم  بالمتخلفين والرجعيين، ولم يترك شيئا من قاموس اعتقدنا أنه انتهى في زمن الحلقيات والمزايدات القديمة بين التيارات الراديكالية في الجامعات.

واليوم، وفي ندوات مختلفة، يصنع لنا قوالب جاهزة، ويعلمنا كيف نفكر وكيف نفهم الحداثة والتحديث وربما سيؤلف كتابا غدا، على غرار كتابه الذي شرح فيه معنى العنصرية لابنه، يخبرنا فيه بعمق الأدباء الكبار الضالعين في أحوال البلاد والعباد، ما معنى صناديق الاقتراع ولأي حزب سياسي سنصوّت وأي نموذج ثقافي يصلح لنا وقد ينتهي فيه إلى خلاصته التي ظل مترددا في الإعلان عنها: نحن شعب قاصر ولا نستحق الديمقرطية، ولا بد لأحد أن يأخذ بيدنا كي لا يغتالنا الإسلاميون أو يشحنونا بالخرافات والأباطيل..


حين تقرأ مؤلفات بنجلون أو تجتهد في فهم مآلاتها تجد نفسك -من دون أن تشعر- تطرح سؤالا بسيطا ومعقدا في آن: هل المغرب الذي يتحدث عنه هو نفسه الذي نعيش فيه؟ وهل السياسة التي يخوض فيها صباح مساء هي ذاتها التي نكتب عنها والتي نعرف تفاصيلها الظاهرة والخافية؟ وما يفتأ السؤال يتشعب أكثر فأكثر لتلفي نفسك في الأخير تقول إن بنجلون يتحدث عن مغرب متوهّم أو متخيل لا يعرفه إلا هو.

هفوات الساسة المغاربة كثيرة ولا حصر لها، ويمكن لبنجلون أن يكتب عشرات المجلدات ولن ينتهي من عدّها، كما أن ثقوب الإسلاميين وكوارثهم  جليلة ولا حاجة له بالبحث عن مفردات القدح والتنقيص والاستهزاء بالمغاربة كي يثبت تهافت أطروحتهم. وبالمناسبة فإن هذا الأسلوب في مواجهتهم هو بالتحديد ما جعل حزبا اسمه العدالة والتنمية تكاد تقترب إنجازاته الحكومية من العدم يقوى في الشارع ويصوت له الناس، ليس حبا فيه بل استنكارا لأساليب الذين يعارضونه.. إن ما يفعله بنجلون لا يختلف كثيرا عن مسيرة "ولد زروال" التي صارت عنوانا لمرحلة سياسية بكاملها، لكن حملة بنجلون أخطر بكثير بالنظر إلى "وزنه" الثقافي والأدبي في فرنسا وفي المغرب أيضا.

اعتاد بنجلون -للأسف- أن يبتعد عن الأدب ويقترب من بائع لبضاعة تلقى رواجا منقطع النظير عند جزء من الفرنسيين وبعض ممن أمسكوا مفهوم "الاستشراق" من مؤخرته، وهكذا أصبحت "العجائبية" رهانا ثقافيا وسياسيا لديه وكتاب مغاربة كثر يعيشون في فرنسا ويصدرون عن قناعة قوامها أن المغرب ما يزال غارقاً حتى أذنيه في الخرافة وأن كرامات "ليلة القدر" ما تزال تتحكم في رقاب السياسيين وأننا لم ندخل بعد إلى غمار المدنية الحديثة وربما نسكن الكهوف ونقتات على الثمار الطازجة واللحم النيء.. هذه ليست مبالغة إنما شعور أصيل تزرعه فيك روايات وكتابات بنجلون..

ليس من حق أحد أن يصادر حرية بنجلون في إبداء رأيه في قضايا مجتمعية وهوياتية، لأن ذلك من صميم أدوار المثقف لكن التعاطي مع الثقافة بحس انتقائي معد للتسويق (الماركتنغ) وتقديم رؤية مسطحة وعجائبية عن الثقافة المغربية، ومهاجمة فئة من المغاربة فقط لأنهم صوتوا لحزب معين وانتقاد أنماط تفكير المغاربة بتقديم بديل ثقافي آخر هو الانشداد إلى ثقافة أخرى وإلى بيئة سياسية أخرى بعيدة عنا في كل شيء.

الحداثة قيم قبل أن تكون "كارطبوسطالات" و"ّإكليشيهات"، ووظيفة المثقف والمبدع هي أن يحارب التصورات السطحية عن القضايا الفكرية والثقافية الكبرى، لا أن يساير منطق السوق ويؤبد الأوهام ويستثير تاريخ بلد ليضعه في المزاد العلني..
المساهمون