الطابق الثامن... اشتقتلِك

30 سبتمبر 2014
المخرج يتقمّص الدور (Getty)
+ الخط -
غدأ هو يوم التصوير الكبير! تمرّ أمامك مشاهد لتسلّم جائزتك! تعود الى أرض الواقع، تفكّر بالساعات العشر المتواصلة التي تنتظرك. تبتسم وتعزّي نفسك أنه سيكون يوماً جيّداً. تقنع نفسك بأنّك تحتاج إلى قسط من الراحة قبل يوم الغد. تنظر من نافذة غرفتك لترى الفجر وقد بزغ. تعيد ترتيب المشاهد في ذاكرتك. الكاميرات في مكانها، الممثلون جاهزون، الأضواء مستقرّة في مكانها، الأزياء تناسب القصة. تختلس نظرة سريعة للتأكد من أنّ كل شيء موضّب وعلى أهبة الاستعداد.
تحرّك يديك بعبثية محاولاً تصوير المشاهد قبل تنفيذها. الطاولة في وسط الغرفة، عليها كأسان وصحن سجائر مليء بتعب ليالٍ مضت. تميل في سريرك قليلاً، تحرّك أطرافك ببطء لترى ما إذا كانت لا تزال تستجيب لعقلك. تبتسم لصورة بجانبك، الصورة مليئة بالشقاوة لك ولوالدك. تشغّل موسيقاك المفضّلة وتستسلم للنوم.
يوقظك رنين هاتفك معلناً انتهاء فترة النقاهة. تلعن التكنولوجيا وتشتم الصباحات الباكرة. تتذكّر يومك الكبير، فتهبّ من مضجعك بعجلةٍ، تلتقط ملابسك المتناثرة في زوايا الغرفة. تحمل أدواتك إلى العالمية وتنطلق. يلاقيك رجل مسنّ على حافّة الشارع. تنتبه إلى وجوده للمرّة الأولى، على الرّغم من أنّه يلقي عليك التحية منذ أكثر من عشر سنوات. يرنّ هاتفك من جديد. "المجنونة". تتمنّى لك نهاراً مثمراً وتعدك بأنّها ستنضم إلى مكان التصوير بعد ساعات معدودة.
تصدمكَ القدرة التي تملكها تلك المجنونة على تحسين صباحك، بعدما قلبت حياتك رأساً على عقب. هي التي منعتك ليالي عن الشرب بسبب وضعك الصحي، نظّمت أكلك وطبخت لك الكوسى. تحسّ أنّها تجلس خلف شاشة حياتك تمنتج ما يحلو لها من أحداث. وربّما لذلك سميتها "المجنونة".
تطرد شبحها من رأسك حين تصل إلى موقع التصوير. الجميع بانتظار المخرج ليبدأ الإبداع. "الجميع موجود؟" تطلق النداء الأخير لمراجعة خطة سير العمل و"أكشن".
يمرّ التصوير بسلاسة، تأخذ المشاهد من زوايا مختلفة، تحرّك الكراسي والطاولات لتعطيك الجوّ المناسب للحبكة. يباغتك الهاتف إذ يرجّ بصمت في جيبك، تنسحب إلى الخلف، إنّها هي.. كنت قد انشغلت بكل ما هو حولك ونسيت المجنونة. تجيب برسالة مقتضبة "الطابق الثامن، اشتقتلك". تقرّر إعطاء فريق العمل استراحة لمدة عشر دقائق. تفتح الباب وتنتظرها بشغف! تسمع خطواتها تقترب على درج المبنى القديم. تبادر معتذرة عن التأخير قبل أن تراها. تمرّ أمامك ثوان قليلة تظن أن لا وجود للمجنونة وكلّ هذه التهيؤات سببها التعب وقلة النوم.
"هل يعقل؟؟ لقد حدّثتك للتو، وها أنت تسمع خطواتها تقترب". تعود إلى الداخل، تتظاهر أنّ شيئاً لم يكن. تكمل التصوير، تبدع في المشاهد، تعيد وتعيد اللقطات بحثاً عن أفضلها. تبحث في هاتفك عن رقمها، صورتها، رسائلها. تراها تراقبك من بعيد، مستلقية على تلك الأرجوحة المعلّقة، وتختفي. تشتعل ثقة أنّها في مكان ما حولك. ينبّهك صوت أحد الممثلين بضرورة إكمال التصوير قبل الغروب، تستدرك نفسك وتستعدّ للمتابعة. تنظر إلى البطلة بذهول، فهي كانت هنا طوال الوقت. كان الطابق الثامن مجرّد موقع تصوير، والرسالة كانت مجرّد مشهد أنت من وضعه.
دلالات
المساهمون