الضغط الأخضر

02 نوفمبر 2018
التنقيب ساهم بتقليص مساحات المراعي (ماركو دي لاورو/ Getty)
+ الخط -
كنا فرائس للقلق ونحن ننقّب في القوانين المحلية والمعاهدات الدولية المُلزمة عن نصٍ يشير بوضوح إلى الحقوق البيئية، نبحث ونفسر ونقارن، فيما الجيل الثاني من الحقوق يحدثنا عن الاجتماعي والاقتصادي والثقافي والبيئي بين ثناياها دونما إفصاح.

وقتها كانت الحرب في جنوب السودان مستعرة، وحمى استخراج البترول تطحن فينا حلم أن يتبقى للأبناء والأحفاد ما يكفيهم من موارد، خصوصاً أنّ كلّ الحقول واقعة في أراضٍ صُنّفت كمراعٍ ومسارات ومزارع وغابات وموائل للحياة البرية.

أما في الدول المتقدمة فقد كان طرفا الحرب وقتها أحزاب الخضر والشركات الكبرى. فقد ظل العالم يشهد صحوة خضراء، وتنامى ذلك المد وانتخبت أحزاب الخضر في البرلمانات ومجالس الشركات الكبرى، وتعززت مجموعة مشتركة من الأولويات الخضراء من خلال ما عُرِف وقتها بـ"التدويل الأخضر"، وباتت هذه الأحزاب تلعب دوراً متزايداً في صنع القرار السياسي والاقتصادي على جميع المستويات.

من هذا المنطلق، زارنا في إبريل/ نيسان عام 2002، وفد من حزب الخضر النمساوي بقيادة لوناسيك أولرايك، بهدف الوقوف على حقوق الإنسان والبيئة في السودان، فحزب الخضر النمساوي يملك أسهماً في إحدى شركات البترول المتقدمة للعمل بالحقول السودانية، هادفاً من ذلك إلى الدفاع عن هذه الحقوق، والتصدي للانتهاكات البيئية من داخل مواقع اتخاذ القرار في الشركة.

ما أثارني يومها أنّ لقاءاتهم بنا كمجموعة مهتمة بالشأن البيئي السوداني كانت سابقة للقاءاتهم بالمسؤولين السودانيين، وممثلي القطاع الخاص. وفي الجلسة - شبه السرية تلك - سجل الحوار صوتياً بالكامل، وطُرحت أسئلة ينم عمقها عن اهتمام بالغ بالقضية. في ما بعد، أدركنا أنّ نجاح الوفد في الضغط على الشركة النمساوية وإجبارها على الانسحاب سيؤدي إلى مجيء غيرها، وقد لا تكون أكثر رحمة منها بالبيئة.

بعد سبع سنوات، تبين أنّ عمليات التنقيب التي قامت بها الشركة البديلة (الوطنية الصينية) قد ساهمت بتقليص مساحات المراعي، وتغيير مسارات الرعاة، كما أثرت على المجاري الطبيعية لمياه الخريف بسبب الردميات، ما قلل من كميات المياه الواردة للبحيرات والحفائر التي يعتمد عليها الرعاة. وبالرغم من غياب دراسة شاملة لمعرفة الآثار البيئية لهذه الصناعة الناهضة في السودان، فإنّ دراسة علمية جادة قام بها فريق من المختصين من الهيئة القومية للغابات كشفت عن خسائر بيئية فادحة. يومها وجهت أصابع الاتهام إلى "الشركة الوطنية الصينية"، لتصدر بعدها تقريرها السنوي لعام 2009 متضمناً رفضها اتهامات وسائل الإعلام الغربية باستغلالها حقول النفط في السودان، واعتبار أنّ تواجدها في السودان نوع من أنواع الاستعمار الحديث.




ونسأل: هل كان يمكن للشركة المنسحبة أن تقلل من الآثار، وتعويض مواطن تلك المناطق بقدر كافٍ من الخدمات؟

*متخصص في شؤون البيئة
المساهمون