يعزز الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي سيطرته على أجهزة الدولة بالدفع بالعشرات من ضباط هيئة الرقابة الإدارية داخل دواوين الوزارات، لتأدية أدوار مهمة من شأنها بسط رقابة الهيئة، ومن خلفها دائرة السيسي الخاصة المشكّلة، من قيادات الاستخبارات العامة والرقابة الإدارية على القرارات التنفيذية والتعاملات المالية المختلفة في دواوين الوزارات وإدارات المصالح الحكومية، لتحل هذه السيطرة الرقابية تدريجياً بدلاً من التحكم الأمني في القيادات التنفيذية والذي كان معمولاً به في العقد الأخير من عهد الرئيس المخلوع حسني مبارك، عندما كان جهاز أمن الدولة هو المآل الأخير لكل أزمة وصاحب القرار الحاسم لكل مشكلة.
مصادر حكومية مختلفة في وزارات التموين والتعليم والعدل أكدت أن "فترة الأشهر العشرة الأخيرة وما تلاها من تعديلات وزارية شهدت مستجداً مهماً، هو انتقال عدد من ضباط الرقابة الإدارية برتب متقدمة (عقيد وعميد وأحياناً لواء) للتواجد الدائم في مكاتب مغلقة خصصت لهم في دواوين جميع الوزارات. وانتقلت لهؤلاء الضباط سلطة الإشراف المباشر على إدارات الأمن بدواوين الوزارات التي يتولاها دائماً ضباط سابقون بالجيش أو الشرطة، وكذلك سلطة مراقبة الأعمال الفنية التفصيلية الموكلة لنواب الوزراء ومساعديهم".
الأمر تطور بحسب المصادر من "مجرد كونه تحكماً تمارسه الرقابة الإدارية في تعيينات الدبلوماسيين الجدد واختيار السفراء وتعيين القضاة الجدد ومسؤولي الشركات والقيادات الوسيطة انتهاءً بإعداد تقارير تلعب دوراً حاسماً في استمرار الوزراء أو رحيلهم، إلى تحكم شبه كامل في دولاب العمل الحكومي، خصوصاً أن ضباط الرقابة المنتدبين يبلغون ملاحظاتهم التي يستقونها من واقع وجودهم في دواوين الوزارات إلى الوزراء أنفسهم عن طريق قيادة هيئة الرقابة الإدارية أو الرئاسة نفسها، مما يحولهم من مجرد ملاحظين أو مراقبين إلى مشاركين في صناعة القرار التنفيذي اليومي".
واللافت أن هذا كله يجري تحت ادّعاء تطبيق الاختصاصات الجديدة التي أُضيفت للرقابة الإدارية في التعديلات التشريعية، التي أدخلت العام الماضي على قانونها بتوسيع سلطة التحري والكشف والضبط في جرائم الاستيلاء ومحاولة الاستيلاء على المال العام، والتربح مقابل تحقيق المنفعة بالنسبة للموظفين العموميين وجميع شاغلي المناصب العامة بالجهات المدنية. وكذلك الجرائم المذكورة في قانون البنك المركزي بما في ذلك جرائم تهريب النقود الأجنبية، وكذلك الجرائم المنصوص عليها في قانون زرع الأعضاء البشرية وقانون مكافحة الاتجار بالبشر، أي بشكل عام مكافحة الفساد.
وكان إسناد هذه الاختصاصات للرقابة الإدارية قد أثار حساسية بين الأجهزة الأمنية والقضائية وبين الرقابة الإدارية التي يعمل أحد أبناء السيسي في المكتب الفني لرئيسها لواء الاستخبارات الحربية السابق محمد عرفان، وبصفة خاصة مباحث الأموال العامة ونيابة الأموال العامة، على خلفية تكرار شكاوى من عدم التنسيق على مستوى تقنين إجراءات التحري والضبط. وهو الأمر الذي يتحقق بصفة اعتيادية بين نيابة الأموال ومباحث الأموال، ذلك لأن ضباط الرقابة الإدارية الذين ينحدر معظمهم من خلفيات عسكرية نظراً لعملهم بالجيش لفترات طويلة، لا يهتمون كثيراً بتقنين الإجراءات، في ضوء الدعم السياسي غير المحدود لهم ولرئيس الهيئة من السيسي.
وكانت هذه المرة الأولى التي تنتزع فيها من الشرطة مهمة تتبع الجرائم في قوانين بعينها، وهو ما سيؤدي لتشابك الاختصاصات، لا سيما فيما يتعلق بجرائم النقد الأجنبي التي قد تشمل الشركات التي تساهم فيها الدولة مع القطاع الخاص والمستثمرين الأجانب، وهو ما قد يؤدي لعزوف المستثمرين المصريين والأجانب عن مشاركة الحكومة في مشروعاتها والشركات التي تطرحها للمساهمة للهرب من الرقابة التعسفية للرقابة الإدارية.