الصين في تركستان الشرقية

05 أكتوبر 2017
+ الخط -
يبدو أنّ السلطات الصينية استنفدت جميع وسائلها لطمس الهوية الإسلامية، في تركستان الشرقية، إقليم شينغيانغ حالياً، وقرّرت اللجوء إلى وسيلة أشدّ وطأة، في محاولة منها لثني المسلمين عن دينهم، والتضييق على شعائرهم الدينية.
توصلت عقلية سلطات بكين إلى اتخاذ قرار غير مسبوق ضد أقلية الإيغور المسلمة التي تشكل غالبية سكان تركستان، وهو حظر تداول كلّ ما هو إسلامي، بما في ذلك نسخ المصحف الشريف، وطالبت السلطات المسلمين بتسليم كل متعلقاتهم الدينية، وتوّعدت المخالفين في نفس الوقت.
ما تفعله الصين في تركستان الشرقية ليس جديداً، إذ سبق لها أن منعت المسلمين من الصوم خلال شهر رمضان مرات، ومنعت وصول المطبوعات الإسلامية من التداول في مناطق الإقليم، فضلا عن مواصلة جرائمها ومجازرها بحق المسلمين على مدى قرنين، ولم يكن قرار حظر المصحف الشريف إلا امتداداً لسلسلة طويلة من الإرهاب الفكري الذي تمارسه سلطات بكين بحق الإيغور.
أنّ تحظر الصين المصحف في منطقة يقطن فيها 22 مليون مسلم، من دون أدنى احترام لحرية الإعتقاد، فتلك إهانة ليس لهؤلاء الملايين فحسب، وإنّما لمليار ونصف المليار مسلم، وهذا يستوجب تحرّكا إسلاميا لوقف هذا الأمر، والعمل على منح مسلمي تركستان حقهم في حرية الإعتقاد، والتي كفلها حتى الدستور الصيني نفسه، كما على الشعوب المسلمة أن تضغط بكل ما تقدر على الحكومات والأنظمة، لتتحرك نصرة للحقوق الأساسية والإنسانية للمسلمين من أقلية الإيغور، والضغط على حكومة بكين لوقف ممارساتها الآخذة في التصعيد، خصوصاً في الفترة الأخيرة.
تدرك الصين جيداً أنّها كلّما ضيّقت الخناق على المسلمين في دينهم دفعهم ذلك إلى التمسك به أكثر، وقرارها أخيرا حظر المصحف إنّما يعكس حالة التخبّط والحقد والخيبة التي أصابت السلطات، وهي تشاهد تعثر خطواتها في طمس الهوية الإسلامية. قد تنجح الصين في مصادرة نسخ المصحف الشريف، لكنها لن تستطيع انتزاع المصحف من قلوب مسلمي الإيغور وحياتهم العملية، وكل المحاولات تثبت أنّ الممارسات القمعية تؤتى ثمارها بما لا يشتهي حاكم بكين.
في ظل الصراع الذي تشهده المنطقة العربية، تذهب بعض القضايا المهمة في مهب الريح، ويراد لها أن تمحى من أذهان الأجيال المسلمة، ومنها تبرز تركستان الشرقية التي أصبحت تعرف باسم شينغيانغ، وهي منطقة يقطنها ملايين المسلمين، وتحرمهم السلطات الصينية من التمتع بالثروات الغنية التي يملكها الإقليم، فضلا عن محاربتهم بشتى السبل، لكونهم مسلمين فقط.
ومن باب الإنصاف، ما كان للصين أن تمارس الإرهاب بحق مسلمي تركستان، لولا وجود تواطؤ إسلامي ضد الأقلية المسلمة هناك، ولولا انشغال المسلمين بصراعاتهم العبثية فيما بينهم.
في مطلع يوليو/ تموز الماضي، اعتقلت سلطات العسكر في مصر عشرات من مسلمي الإيغور من طلاب الأزهر، في خطوة تعكس مدى تواطؤ نظام الإنقلاب العسكري المصري، مع النظام الشيوعي القمعي في الصين، ضمن خطة صينية للتضييق على الإيغور خارج حدودها، بعد أن ضيّقت الخناق عليهم في الداخل.
ربما كان على الصين أن تواصل حملتها المسعورة، وهي تشاهد ما وصل إليه حال المسلمين اليوم، من تخاذلهم لقضاياهم، وتآمرهم ضد بعضهم بعضا، ومثالا على ذلك ما يحدث من مجازر وحشية وإبادة ممنهجة ينفذها نظام الأسد بحق الشعب السوري، وسط خذلان عربي وإسلامي، إن لم يكن تواطؤاً وتأييدا لما يحدث.
ربما كان على الصين أن تمارس إرهابها، وهي ترى دولاً إسلامية كبيرة كالسعودية وقد أضحت دولة قمعية يحكمها شاب طائش، كلّ همّه الوصول إلى الكرسي في مقابل التخلّي عن قضايا مصيرية كفلسطين، والتضييق على العلماء واعتقال العشرات منهم بشكل تعسفي.
ربما كان على الصين أن تكون دولة إرهابية، لولا أنّ أنظمة عربية وإسلامية قرّرت التغاضي عن الصين، وصرف تهمة الإرهاب لمواطنيها المسلمين، تماما كما تفعل الصين، عندما تتهم ضحايا إرهابها بالإرهاب.
19FC6C15-927F-41BA-96AD-BF13E96622C4
19FC6C15-927F-41BA-96AD-BF13E96622C4
منذر فؤاد (اليمن)
منذر فؤاد (اليمن)