يهدد الهبوط الحاد في سعر صرف اليوان الصيني بتراجع القيمة الحقيقية للثروات في البلاد، ويدفع العديد من الأثرياء الصينيين إلى تحويل أموالهم إلى الخارج، رغم الخطوات التي اتخذتها حكومة بكين أخيراً لتشجيع الاستثمار وفتح الأسواق.
ويتخوف العديد من أثرياء الصين أن يقود تراجع العملة المحلية في بلادهم إلى تآكل ثرواتهم،
وزيادة كلف تسديد مديونياتهم المقيمة بالدولار.
والتزمت الحكومة الصينية لعدة أعوام باستراتيجية؛ ترتكز على منع العملة المحلية من الارتفاع الملحوظ مقابل الدولار الأميركي، إلا أنها قد تحتاج إلى كبح جماح الهبوط الأخير في قيمة اليوان، والذي قد يؤثر على النظام المالي للبلاد.
وأشار تقرير نشرته "سي إن إن موني" إلى أن الهبوط الحاد في قيمة اليوان الصيني قد يؤدي إلى خروج مزيد من الأموال خارج البلاد، ما سيؤثر على أسعار العقارات المحلية، وسوق الديون، كما سيجعل من الصعب على الشركات الصينية سداد ديونها بالعملة الأميركية.
وفقد اليوان الصيني نحو 1% من قيمته مقابل الدولار الأميركي خلال الشهرين الماضيين، بعد أن سجل تراجعًا بنسبة 2.5% في العام الماضي، وسط هبوط لثقة المستثمرين بشأن إمكانية تعافي العملة الصينية.
وقام مستثمرون أجانب بسحب أموالهم من السوق الصيني بسبب ضعف توقعات النمو الاقتصادي في ثاني أكبر اقتصاد في العالم، ما أدى إلى تراجع قيمة اليوان، في حين قالت "تيفايتشيو" الخبيرة الاقتصادية في شركة "آر بي إس" العالمية: إن هبوط العملة الصينية قد يؤدي إلى مزيد من التدفقات النقدية الخارجة من بكين.
وحسب خبراء مال واقتصاد فإن تذبذب قيمة العملة المحلية بالصين، وخروج السيولة من البلاد، يُعتبران ضمن المخاطر التي تواجه البلاد في الوقت الحالي في مسعاها لإصلاح النظام المالي، والاندماج في النظام الاقتصادي العالمي.
وتترقب الأسواق العالمية إعلان الحكومة الصينية في الأسبوع المقبل جدول أعمالها الاقتصادي خلال الفترة المقبلة.
وتاريخياً، فرضت الصين سيطرتها على تحرك العملة، حيث أسهم سعر الصرف المواتي في زيادة صادرات البلاد، ورفع معدلات التصنيع، وسط اتهامات من جانب الولايات المتحدة بشأن دفع الصين عملتها للتراجع بشكل مصطنع.
ولكن بدأت الصين في تخفيف قبضتها على سعر الصرف منذ شهر مارس/آذار الماضي، مع قرار البنك المركزي بمضاعفة مستويات التداول المسموح بها لليوان، في حين تراجعت العملة بشكل كبير منذ هذا القرار، مع ارتفاع المخاوف بشأن تباطؤ النمو الاقتصادي في البلاد.
وكان الاقتصاد الصيني قد سجل معدل نمو 7.4% في عام 2014، ليفشل في الوصول إلى معدل النمو الذي تستهدفه الحكومة والبالغ 7.5%، ومسجلًا أدنى مستوى لنمو الناتج المحلي الإجمالي في البلاد منذ 24 عامًا.
وقالت "دونا كووك " الخبيرة الاقتصادية لدى مصرف "يو بي إس" السويسري عبر مذكرة بحثية: إن هذه المخاوف، بالإضافة إلى تراجع أسعار العقارات، قد تدفع المستثمرين لتسريع تنويع أصولهم، والاتجاه للممتلكات الأجنبية.
وأشارت "سي إن إن موني" إلى أن استثمارات الصينيين في قطاع العقارات الخارجي ارتفعت خلال الفترة الماضية في المدن الرئيسية مثل لندن.
وتوقعت "كووك" أن يتواصل تراجع قيمة اليوان الصيني خلال العام الجاري، إلا أنه لن يشهد هبوطًا حادًا، كما سيتواصل خروج رؤوس الأموال خارج البلاد، ولكن ليس بوتيرة تثير قلق
واضعي السياسة المالية.
وأشارت الخبيرة الاقتصادية إلى أن تسجيل الصين لفائض ضخم في الميزان التجاري، ووجود احتياطي كبير من العملات الأجنبية لدى البنك المركزي يمثلان "عاملي أمان" للاقتصاد الصيني.
ويرى خبراء أنه في حال استمر خروج التدفقات النقدية من البلاد، فإن البنك المركزي الصيني قد يلجأ لعدد من الأدوات للحفاظ على مستويات السيولة في النظام المالي، والتي تتضمن خطوات تسمح للبنوك بالاحتفاظ بنسبة أقل من الاحتياطيات لديها.
الاستثمارات الأجنبية في أدنى مستوياتها
هبطت الاستثمارات الأجنبية المباشرة إلى الصين في أغسطس/آب الماضي إلى أدنى مستوى في عامين ونصف على الأقل، الأمر الذي يسلط الضوء على التحديات التي تواجه النمو في ثاني أكبر اقتصاد في العالم.
وقالت وزارة التجارة، في تقرير خلال سبتمبر/أيلول من العام الماضي إن الصين اجتذبت استثمارات أجنبية مباشرة بلغت 7.2 مليارات دولار في أغسطس/آب 2014، بانخفاض قدره 14% عن الشهر نفسه من العام الماضي، وهو أدنى مستوى منذ فبراير/شباط من العام 2012.
وبلغت تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر إلى البلاد في الأشهر الثمانية الأولى من العام الماضي 78.3 مليار دولار، منخفضة 1.8% عن الفترة نفسها من العام الماضي، حسب ما ذكرت وكالة رويترز.
وحافظت تدفقات الاستثمارات الأجنبية المباشرة إلى الصين على نمو مطرد كل عام منذ أن انضم العملاق الآسيوي إلى منظمة التجارة العالمية في 2001، وسجلت مستوى قياسياً بلغ 118 مليار دولار في 2013.
وفي الأشهر الثمانية الأولى من 2014 اجتذب قطاع الخدمات الصيني 43.3 مليار دولار من الاستثمارات الأجنبية المباشرة بزيادة قدرها 8.9%عن الفترة نفسها من العام الماضي، مظهرا أداء أفضل بكثير من قطاع التصنيع الذي هبطت الاستثمارات الأجنبية المباشرة إليه 15.7% إلى 27.5 مليار دولار.
ومن بين الدول العشر التي شكلت أكبر مصادر للاستثمار الأجنبي المباشر إلى الصين، قفزت الاستثمارات من كوريا الجنوبية 31.3% على أساس سنوي وزادت تدفقات الاستثمارات من
بريطانيا 18.9%.
وعلى النقيض فإن الاستثمارات المباشرة من اليابان هوت 43.3% بينما تراجعت الاستثمارات من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي بين 17 و18% لكل منهما.
وأظهرت بيانات وزارة التجارة الصينية أن الاستثمارات المباشرة غير المالية المتجهة إلى الخارج، ارتفعت بنسبة 15.3% على أساس سنوي في الفترة من يناير/كانون الثاني إلى أغسطس/آب لتصل إلى 65.2 مليار دولار.
وكانت الحكومة الصينية تأمل أن يؤدي فتح أسواق المال أمام المستثمر الأجنبي إلى ارتفاع وتيرة الاستثمار الأجنبي إلى البلاد.
ولكن يبدو أن قوة الدولار الأميركي الذي تزامن مع ضعف اليوان أثر سلباً على تدفق الاستثمارات الأجنبية إلى البلاد.
اقرأ أيضاً: الصين..نكسة جديدة لثاني أكبر اقتصاد في العالم