الصيدلي "طبيب الفقراء" في موريتانيا

06 مايو 2017
إحدى الصيدليات في موريتانيا (العربي الجديد)
+ الخط -

لا يتردد عدد كبير من الموريتانيين، خصوصاً الفقراء منهم، من زيارة الصيدلي لفحصهم وشراء الأدوية التي يقترحها. بالنسبة إليهم، كلفة ذلك أقلّ من زيارة طبيب، من دون الاكتراث للتداعيات الصحية.

يرتبط الصيدلي أو "طبيب الفقراء"، كما يطلق عليه بعض الموريتانيّين، بعلاقة وثيقة مع الزبائن، خصوصاً الفقراء منهم. هؤلاء يقصدونه بدلاً من الطبيب، بسبب ارتفاع بدلات الفحوصات في العيادات الطبية. ورغم أن موريتانيّين كثيرين يدركون أن هناك حداً فاصلاً بين صلاحيات الصيدلي والطبيب، إلا أنّ الظروف المادية الصعبة تدفعهم إلى استشارة الصيدلي وشراء الوصفة منه مباشرة من دون زيارة الطبيب.

ويحذّر أطبّاء من خطورة تجاوز غالبيّة أصحاب الصيدليّات صلاحياتهم. لكنّ بعض الموريتانيّين لا يكترثون للتحذيرات ويعتمدون على الصيدلي لتشخيص الداء وصرف الدواء، بدلاً من استشارة الطبيب. تقول فاطمة بنت سعدنا، وهي ربة بيت، إنّ "الصيدلاني أصبح بمثابة طبيب الحي. نزوره لتشخيص المرض ووصف العلاج، ونأخذ بنصيحته في اختيار الأطباء المعالجين، ونستشيره حتى بعد زيارتهم". تضيف أن علاقته جيدة مع جميع سكّان الحي، كما أنّه يراعي الفقراء من خلال تخفيض أسعار الأدوية. وترى أنّ التعامل مع الصيدلي أفضل طريقة لمواجهة ارتفاع بدل الكشف الطبي، وقد وصل إلى 28 دولاراً، في ظلّ غلاء المعيشة وزيادة الأعباء على الأسر.

تجدر الإشارة إلى أنّه في ما مضى، كان الناس يستشيرون الطبيب في حال كانوا يعانون من أمراض بسيطة أو آلام خفيفة. أما اليوم، فباتت استشارة الصيدلي قاعدة وليست استثناءً، وصار المرضى أكثر ثقة بالصيادلة.




بدأت بعض الصيدليّات، خصوصاً في الأحياء الشعبيّة، تستفيد من إقبال الزبائن، من خلال الاستعانة بأطباء مبتدئين لتشخيص الأمراض ووصف الأدوية وغيرها. من جهة أخرى، تستغلّ الصيدليّات في موريتانيا الفوضى العارمة في القطاع لتحقيق أرباح كبيرة، من خلال وصف أدوية تحقّق أرباحاً جيدة. أحياناً، يلجأون إلى تغيير الدواء بحجة أنّه غير متوفر أو غير فعال، بهدف بيعهم دواءً مختلفاً قد يدرّ عليهم ربحاً أكثر.

وفي ظلّ منافسة شركات الأدوية والموردين، باتت التجارة تحكم عمل صيدليّات كثيرة، حيث تسعى إلى الربح من خلال بيع أدوية معيّنة. هذا الأمر دفع المهتمّين في القطاع الصحي إلى إطلاق حملات توعية للتشهير بالصيدليات التي لا تكترث لصحّة المرضى، بقدر ما تهتم بتحقيق الأرباح.

يحذّر عدد من العاملين في القطاع الطبي من شراء وتناول الأدوية بشكل عشوائي، ومن دون استشارة طبيب، لما يترتب على ذلك من مخاطر كبيرة. ولا يمكن إعطاء أدوية للمرضى من دون استشارة طبيب، فهو الوحيد المخوّل وصف الأدوية المناسبة.



في السياق، يقول محمد فاضل ولد العبدلي، وهو صيدلي، إنّ الكشف المجاني من قبل بعض الصيادلة يغري الزبائن، خصوصاً أولئك العاجزين عن زيارة الطبيب، ويتركون ما يملكون من مال لشراء الأدوية. ويلفت إلى أنّ "الأمر لا يرتبط بطبقة اجتماعية معينة، إذ إن بعض الذين يملكون المال يتحجّجون بضيق الوقت واكتظاظ العيادات لإقناع الصيدلي بصرف الدواء. وهؤلاء يعتقدون أنّ المضاد الحيوي أومخفّض الحرارة أو مسكن الآلام لا يحتاج إلى زيارة طبيب".

ويشير إلى أنّ الموريتانيّين بصفة عامة يتعاملون مع الصيدليّة وكأنّها متجر، ويمكنهم شراء أي أدوية منه من دون ورقة طبيّة. كذلك، يستغلّون تساهل الصيادلة ونقص الخبرة وعدم المراقبة لشراء أدوية بناء على نصيحة الصيدلي، من دون الرجوع إلى الطبيب. كما أنّ كثيرين، خصوصاً الأمهات، يشترون أدوية حتى من دون استشارة الصيدلي.

ويؤكد ولد العبدلي أنّ نصيحة الصيدلي لا يمكن أن تعوّض زيارة الطبيب المخوّل إعطاء الوصفة العلاجيّة، بعد تشخيص المرض وتحديد الأدوية، بحسب التاريخ المرضي للشخص، محذّراً من الآثار السلبية للأدوية التي تباع من دون وصفة طبية على الصحة، داعياً إلى التثقيف الصحي للمريض بهدف القضاء على ظاهرة "العلاج من الصيدليات".

ويعاني قطاع الصيدلة في موريتانيا من الفوضى واللامبالاة، ممّا دفع السلطات الصحيّة إلى البدء بإصلاحات هيكلية تهدف إلى تمكين المواطنين من الوصول إلى الأدوية بأمان وكلفة ميسّرة. وشملت هذه الإجراءات تحديد العاصمة نواكشوط كمنفذ وحيد لاستيراد الأدوية، وتفعيل الرقابة وتطبيق القانون، وغيرها.

وسنّت السلطات قانوناً جديداً يشدد العقوبات على المخالفات المتعلّقة باستيراد وبيع الأدوية منتهية الصلاحية والمزيفة، ومكافحة تسويق الأدوية في الشارع والمحال التجارية. ويفرض القانون إجراءات صارمة لتحسين قطاع الصيدلة، وإخضاع كافة الموردين لدفتر الالتزامات تحت طائلة فرض عقوبات قاسية.

دلالات
المساهمون