الصورة الصحافية... معرض عالمي لتوثيق المآسي

11 سبتمبر 2018
الصورة الفائزة بالجائزة الأولى (العربي الجديد)
+ الخط -
لم يكن في ذهني، وأنا أقطع جزيرة مونتريال، من ماء الشمال إلى ماء الجنوب، للوصول إلى المعرض العالمي للصورة الصحافية، أن الصور ستدخلني العالم من باب السحر، الذي سيسمح لي بالسفر عبر الأزمنة والألوان والعدسات، إلى أطراف العالم وقلبه، وإلى شرايين البشر المتفجرة في شوارع العالم، وإلى أحلامهم المغتصبة؛ باسم الحداثة أحيانا وباسم "المقدس" في أغلب الأحيان.

تواجهك في مدخل المعرض، الذي يُقام في سوق بونسوكور التاريخي ويستمر المعرض حتى 30 سبتمبر/أيلول 2018، الصورة التي حازت على جائزة أحسن صورة صحافية في العالم في مسابقة عام 2018، وهي للمصور الفنزويلي رونالدو شميدت، التقطها أثناء اندلاع أعمال الاحتجاج ضد الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو في العاصمة كاراكاس عام 2017. وقد اختيرت كأحسن صورة، من قبل لجنة من المختصين، من بينهم المصورة العالمية أليس مارتنس. وتم اختيارها من بين 73044 صورة، التقطها 4500 مصور من 125 بلداً.

يضم المعرض، بالإضافة إلى الصورة الفائزة بالجائزة الأولى، 124 صورة، تغطي أغلب نشاطات البشر، علما أن صور العنف هي المشهد المتكرر بين صور المعرض.

لا نكاد نبتعد عن الشاب الفنزويلي وظهره المشتعل بالنار، حتى يأخذنا المصور الكندي كسفن فرايه إلى الصورة صاحبة المركز الثاني، وهي صورة مأساة المسلمين الروهينغا في بورما، هذه الصورة التي تظهر النار المخفية التي وقعت على الأطفال والنساء والعاجزين فقتلت بعضهم وهجرت الآخرين، ووقف العالم منحازا إلى جانب المستبد، كما هو الحال بالنسبة إلى السوريين، إنها النار بلون أسود، أو النار الطائفية السوداء، لذلك ربما، جعلها المصور بالأبيض والأسود كي يصدقها الناس أكثر. والمصور خير من يعرف أهمية هذين اللونين في الوثيقة.
تأخذنا الصور من بورما المعذبة "بمقدسها"، إلى العراق الذي لم يتوقف عن العذاب والتعذيب، صحيح أن الصور لا تعرض كل شيء حدث في هذا البلد، ولكن بعضها كاف لمعرفة حجم المأساة؛ خروج الناس من الموصل، وكأنهم في جنازة لبلدهم ولأنفسهم، والنار هنا هي الصمت والسواد الذي "يتمدد" فيلف المشهد كله.




وهناك صورة المرأة العراقية التي تقف أمام بيتها وصراخها يصل إلى عنان السماء، والشرر الذي يقدح نارا، من نظراتها رغم الألم. ويأتي الجواب عليها مباشرة في صورة أخرى، يسدد فيها مقاتل النار على شخص في الشارع، فيرديه قتيلا، ربما هو مقتول قبل ذلك. كل ذلك يجعلنا نثمّن الهارمونيا في عمل لجنة الاختيار، فموضوعات الصور تكمل نفسها.



في صورة أخرى، نرى آثار العمل الإرهابي الذي وقع في لندن، ويمكن أن يحدث في أي بقعة من العالم، مع تعميم الفقر والظلم والاستبداد والسلاح.



ولا يمكن أن نبتعد، بل ربما ممنوع علينا الابتعاد وإغماض العيون عن الخراب الذي يحل بالبيئة نتيجة الرفاهية العرجاء التي يبحث عنها الناس، ويتحمل نتائجها الفقراء مرحليا، والبشرية عامة، لاحقاً، فلا نرى من البيئة إلا فضلات البشر ومعاملهم، حتى يكاد المرء يظن أن "الدنيا" هكذا دائماً، وأن على بعض نساء أفريقيا أن ينقلن ماء الشرب على أجسادهن وهن في الماء، في صورة فريدة في تقديم قبح العمل الانساني بشكل آخاذ لا تستطيع إلا أن تحبه.



من الصعب متابعة كل صور المعرض، فهي كلها تستحق التأمل والمشاهدة أكثر من مرة. ولكن لا بدّ من الإشارة إلى المعرض الجانبي الدي يقام سنوياً، على هامش هذا المعرض، فقد قررت اللجنة الكيبيكية أن يكون معرض هذا العام لصور ضحايا الاعتداء الإرهابي على جامع كيبك الكبير، وذهب نتيجته ستة قتلى من المسلمين الكنديين المسالمين.

اختار المنظمون لهذه النسخة من المعرض المصور ألكسندر شامبانيه ناطقًا رسمياً، وهو من مواليد مدينة كيبيك ويبلغ من العمر 33 سنة، وهو من نسق وجمع الصور عن الاعتداء الفاجع، وأقنع أهل الضحايا بالمساهمة في ذلك. فبعد أن أوضح لهم مشروعه لأخذ صور للمصابين ولعائلات الضحايا تقبّل معظهم الفكرة لبلسمة الجراح، خاصة أن الطرح كان بعيدا عن الإثارة.

دلالات