الصورة الجزائرية: خروج من كادر المستعمِر

14 سبتمبر 2014
"عودة" لـ عبد الرحمن بن زهيوة
+ الخط -

لفهم تجربة الفن الفوتوغرافي الجزائرية لا بد من العودة إلى الاستعمار الفرنسي (1830 - 1962) الذي ارتبط هذا الفن بزمنه. وفعلاً، كانت الصورة آنذاك سلاحاً مرافقاً للترسانة العسكرية، في فرض الرؤية الفرنسية الاستشراقية على المشهد الجزائري. واشتهرت في هذا الإطار أسماء فنية كثيرة، تكتلت في التعاونية الفوتوغرافية "ماغنوم فوتو"، التي تأسست عام 1947. لكن مع اندلاع ثورة التحرير الجزائرية (1954 ـ 1962)، بدأت تتبلور ملامح مدرسة جزائرية في فن التصوير، أملتها حاجة الثوار الجزائريين إلى إيصال "ملامح" الحقيقة الثورية إلى العالم.

بعد الاستقلال الوطني، مطلع ستينيات القرن العشرين، ظهر جزء كبير من الأرشيف الفوتوغرافي للثورة، خصوصاً ذلك المتعلق باللحظات الإنسانية الحميمة، مثل فن البورتريه، وانتشر باعته في شوارع المدن الكبرى. إنه الرصيد الذي أقام عليه جيل الاستقلال رؤيته الخاصة لممارسة هذا الفن، التي تحرّرت أكثر بعد التعددية السياسية التي جرت عام 1989، من حيث خطابها الجمالي. لكن هذه الرؤية وجدت نفسها في مواجهة ثقافة التحريم خلال سنوات العنف المسلح، حيث لقي العديد من الفنانين حتفهم على أيدي الجماعات المتشددة.

ولئن كانت الصورة تلعب دور التوثيق أصلاً، إضافة إلى بعدها الجمالي، فإن التجربة الفوتوغرافية الجزائرية ما زالت تعاني من "عدم التوثيق"، ومن غياب الدراسات العلمية التي تواكب تحولاتها وحساسياتها المختلفة، ومن ندرة النوادي والجمعيات التي تتكفل بانشغالات فاعليها، ومنها حاجتهم إلى التكوين.

"العربي الجديد" اقترب من بعض التجارب الجديدة بهدف معرفة هواجسها وخلفياتها الجمالية، ومن بينها تجربة دحُّو فرّوج (1982). يقول المصوّر الشاب إن انخراط هذا الفن في التكنولوجيات الحديثة قسّم المشهد إلى زمنين، زمن الأبيض والأسود، وزمن الصورة الرقمية الذي ساهم في خلق تحولاتٍ مسّت مفهوم التصوير ذاته.

"لم أعد ألتقط اللحظة بهدف تخليدها، كما كان سائداً"، يقول فرّوج، "بل أبتكرها أصلاً، وبالتالي فإن هامش تدخّلي فيها بات كبيراً، من منطلق الحس الجمالي بالأشياء والخلفية المعرفية العميقة؛ وهو ما يجعل الصورة اليوم "أخطرَ" منها في السابق".

لقد بات التصوير فناً ديمقراطياً بامتياز، وفقاً إلى فرّوج، الذي يستعد لإصدار كتاب مشترك مع شاعر جزائري. ذلك أن وسائط التواصل الاجتماعي فتحت الأبواب أمام الجميع، وبالتالي، فإن انتشار الصورة لم يعد حكراً على المخابر الرسمية، أو المصوّرين الموصوفين بالمحترفين فقط، بل تعدّى ذلك إلى كل من يملك الرغبة في ممارسة هذا الفن.

"إننا أمام جيل من المصورين تحركهم الرغبة في الصورة، وليس الحاجة إليها، وهذا أساس لمرحلة جديدة يدخلها هذا الفن. غير أنني أعترف بأن الجيل السابق كان يستمتع بالصورة أكثر من جيلنا"، يضيف فرّوج.

في حديث مع المصور عبد الرحمن زهيوة (1986) حول جماليات المكان والوجه في التجربة الفوتوغرافية الجزائرية، وموقعهما في فن الصورة لدى الجيل الجديد، يقول إن هناك نوعاً من التقصير من جانب المصوّرين، بالرغم من توفر الإمكانيات المادية، سواء في التجهيزات أو أساليب التنقل. فالجزائر، وفقاً إلى زهيوة، "قارة من الثقافات والتعابير والملامح والفصول والأذواق، لكنها تعرف يتماً، ليس في مجال الصورة فقط، بل في مجال الأدب والسينما أيضاً، إذ لم تنتقل جماليات مكانها وإنسانها إلى هذه الفنون بما يكفي، على غرار مشاهد عربية أخرى".

فن الصورة لا يُختصر بكاميرا عالية الجودة فحسب، كما يقول زهيوة، بل هو إحساس وموهبة أيضاً. وهنا، يركّز المصور، في حديثه، على غياب فرص التكوين في المشهد الجزائري: "مشكلتنا تكمن في التكوين ونقص المدارس المتخصّصة. أغلب المصوّرين يعتمدون على الارتجال والمعلومة المتوفرة على الإنترنت، وتبقى الثقافة الفوتوغرافية في بلادنا مبنية على المجاملات، لا على التحليل التقني والفني للصورة".

أما المصور فضيل حدهوم فرصد ممارسته للتصوير الفوتوغرافي لمواكبة المشهد المسرحي الجزائري. وفي هذا السياق، يقول إن ذهابه إلى هذا الفن يعود إلى طفولته، حيث كان يتطلع إلى معرفة سر الضوء الذي يلقي بنفسه على الممثل والديكور والفضاء المسرحي في توليفة ساحرة، منشغلاً بالتساؤل الذي طالما رافقه: من أين يأتي ذاك الضوء، وكيف ترتسم التعابير على الوجوه والأجساد؟

حدهوم، أو "عين الصقر"، كما يلقبه المسرحيون في الجزائر، يقول إنه أدرك، بعدما كبر، أن ما أبهره اسمه فن "السينوغرافيا"، اللصيق بالمسرح، والذي انجذب بقوة إلى تفاصيله. "هكذا تولّد لديَّ حب الاحتفاظ بلقطات ومشاهد كل ما نال إعجابي من العروض المسرحية".

ويشير حدهوم إلى أنه لا يوجد من يهتم بالتغطيات المصوَّرة في المجالين الفني والأدبي، فجلّ المصورين الجزائريين "يعتبرون التصوير في هذا المجال أقل قيمة وشأناً من التصوير في مجالات الرياضة والحروب والمظاهرات، علماً أنني أجد متعتي في الأوساط والأجواء المسرحية، وإنا سعيد بتوثيقي لنتاج المسرح الجزائري".

داخل هذا الهم الثقافي، تتموقع تجربة الباحث عبد الناصر خلاف، الذي يتوفر أرشيفه على أكثر من عشرة آلاف صورة التقط فيها، منذ ربع قرن، اللحظات الحميمة لكتّاب وفنانين، في حيواتهم الخاصة، وداخل الملتقيات التي شاركوا فيها. وبما أن بعضهم رحل، فإن صورهم باتت تحظى بأهمية أكبر.

وينوي خلاف، كما يقول لـ"العربي الجديد"، أن يفتح "بنكاً للصور"، يتعامل من خلاله مع الباحثين والهيئات الثقافية والمنابر الإعلامية، بهدف جعل هذا الرصيد متاحاً، علاوةً على البعد التجاري للمشروع.

المساهمون